أعاد الدبلوماسية سنوات إلى الوراء..

"2018" أكثر الأعوام اضطربا في الشرق الأوسط

موجة اضطرابات ومتغيرات هزّت المنطقة في 2018

الرياض

يقترب العام 2018 من نهايته مثقلا بملفات إقليمية ودولية معقدة ووسط أجواء مشحونة على أكثر من جبهة مخلفا وراءه تركة ثقيلة وحالة اضطراب في الشرق الأوسط وأنحاء أخرى من العالم.

وخلال العام الحالي الذي بدأ يلملم آخر أوراقه، أعاد مقتل الصحافي السعودي جمال خاشقجي وانسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي مع إيران، الدبلوماسية في الشرق الأوسط سنوات إلى الوراء، الأمر الذي وضع تحالفات تاريخية محل اختبار، مهدّدا موازين القوى في المنطقة، حسبما يرى محللون.

وفي ختام عام مضطرب آخر في هذه المنطقة التي تعصف بها الأزمات منذ عقود، بدا الرئيس السوري بشار الأسد أكثر قوة في ظل الانتصارات العسكرية التي حققتها قوات نظامه، بينما ظل الغموض يلف مبادرة أميركية لتحقيق السلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين.

وفتحت الاضطرابات وكذلك التطورات في سوريا الباب أمام روسيا التي طالما تعرضت لانتقادات بسبب دورها في مساندة نظام الأسد، لكي ترسّخ موقعها كوسيط في الشرق الأوسط وتملأ فراغا تسبّب به انكفاء الولايات المتحدة نحو الداخل الأميركي ولو بشكل جزئي، وفقا لمراقبين.

ولم يمنع هذا الانكفاء المحدود الرئيس الأميركي دونالد ترامب من الانخراط بشكل مباشر ومتواصل في قضية خاشقجي عبر دعم السعودية التي تعرضت لحملة مغرضة استهدفت تشويه دورها في المنطقة.

وأبرز ترامب أهمية المملكة النفطية كمشتر رئيسي للأسلحة الأميركية وكحليف أساسي في مواجهة إيران، لكن هذا الأمر لم يمنع العديد من النواب وأعضاء مجلس الشيوخ الأميركيين من العمل على تحميل ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان مسؤولية مقتل خاشقجي في موقف فسره مراقبون بأنه يأتي ضمن حسابات سياسية داخلية.

ويرى جيمس دورسي من جامعة اس راجارتنام للدراسات الدولية في سنغافورة أن "مقتل خاشقجي أشعل العديد من المعارك التي من المرجح أن تؤدّي إلى إعادة ترتيب العلاقات، من العلاقات الأميركية السعودية إلى تلك التي تربط بين ترامب بحزبه الجمهوري والكونغرس وقطاع الاستخبارات".

واعتبر أنه "من الممكن أن تؤدي تداعيات عملية القتل أيضا إلى تبدّل في قدرة ترامب على تحقيق أهداف سياسته في الشرق الأوسط، بما في ذلك إجبار إيران على الرضوخ وفرض تسوية في النزاع الفلسطيني الإسرائيلي".

ومن المرجّح أن تتغلب السعودية التي بدت أقوى من أن تهزّها حملة التشويه المكثفة عبر وسائل إعلام المحور التركي القطري، على الأزمة التي أججتها أطراف خارجية وحاولت استثمارها لانتزاع مكاسب سياسية واقتصادية.

وأدى مقتل خاشقجي أيضا إلى منح تركيا، المتحالفة مع قطر وإيران خصمي السعودية، مصدر قوة استثنائي في العلاقات بين القوى الإقليمية.

ويرى محللون أن الرئيس التركي رجب طيب اردوغان، عبر مهاجمته بشكل غير مباشر لولي العهد السعودي، يستغل مقتل خاشقجي إذ يرى فيه فرصة جيوسياسية لإعادة ترتيب موازين القوى في المنطقة.

ويؤكد خبير الشرق الأوسط في واشنطن سيغورد نويباور "بين عدم الاستقرار في الخليج، ولعبة نتيجتها صفر بين محمد بن سلمان واردوغان، فإن الشرق الأوسط أمام إمكانية أن يصبح أكثر خطورة وأقل استقرارا".

وتابع "إن هذا الأمر يترك كل الأطراف دون خيار سوى التشبث بموقفها، حتى مع مسعى ترامب لاستخدام مقتل خاشقجي كمحفز للدفع باتجاه مصالحة خليجية وتسريع محادثات السلام حول اليمن بينما يسعى للضغط على إيران".

وتمكّنت تركيا أيضا من تعزيز نفوذها في سوريا بعد اتفاق مع روسيا حول إقامة "منطقة منزوعة السلاح" في محافظة ادلب تجنبا لهجوم كبير يشنه النظام ضد هذه المنطقة.

واستعاد الأسد بدعم روسي وإيراني السيطرة على مساحات واسعة من الأراضي السورية.

ويؤكد المحلل في مركز الأمن الأميركي الجديد نيكولاس هيراس أن "حكومة الأسد حظيت بأفضل عام لها منذ 2011"، العام الذي بدأت فيه الاحتجاجات ضد النظام.

وأضاف "المعركة الكبرى في عام 2019 ستتركز على ما بعد الحرب في سوريا. وعلى الرغم من كل المكاسب التي حققتها عام 2018، فإن حكومة الأسد لا تزال عرضة لإستراتيجية أميركية تسعى لتدمير اقتصاد الأسد واستقرار دولته".

وسعت الولايات المتحدة لضمان عدم خروج إيران في هيئة المنتصر الكبير من النزاع السوري.

وفي مايو/أيار، سحب ترامب الولايات المتحدة من اتفاق نووي مع إيران تم التوصل إليه عام 2015 في عهد سلفه باراك أوباما.

وأثار القرار الأميركي استياء الحلفاء الأوروبيين وفرض من جديد عقوبات على طهران الشهر الماضي.

ويرى حسين إبيش من معهد دول الخليج العربية في واشنطن أن "أكبر وأعمق تغيير في عام 2018، كان الموقف الأميركي العدواني تجاه إيران"، مضيفا "هناك ضغوط أكثر على طهران".

ومن المتغيرات أيضا في 2018 قيام رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو في أكتوبر/تشرين الأول الماضي بزيارة رسميّة لم يعلن عنها مسبقا إلى سلطنة عُمان لأول مرة منذ 22 عاما.

وتعهد ترامب الذي أقدم في مايو/أيار الماضي على نقل السفارة الأميركية من تل أبيب إلى القدس في خطوة أغضبت الفلسطينيين بالتوصل إلى "صفقة القرن" لحل النزاع الفلسطيني الإسرائيلي.

وفي ظل الرأي العام المؤيد للفلسطينيين، يرى الكثيرون في العالم العربي أن تطبيع العلاقات مع إسرائيل بمثابة خيانة.

وتسود التوترات أيضا في قطاع غزة الذي تسيطر عليه حركة حماس. ومنذ بدء "مسيرات العودة" في 30 مارس/آذار التي ينظمها فلسطينيون على طول السياج الفاصل بين إسرائيل وقطاع غزة المحاصر، قتل 235 فلسطينيا على الأقل بنيران إسرائيلية وغالبيتهم خلال تظاهرات وصدامات. وقتل جنديان إسرائيليان أيضا في تلك الفترة.