يخضعون لدورات ثقافية بعد خطفهم بالقوة..

اعتراف حوثي بتجنيد 18 ألف طفل في اليمن

تجمع حوثي في صنعاء أمس للاستعراض ويبدو الأطفال والصبيان يمسكون بالأسلحة

وكالات (لندن)

نجح الحوثيون في تجنيد نحو 18 ألفاً من الأطفال في صفوفهم منذ بداية الحرب الأهلية في اليمن عام 2014. الأمر الذي اعترف به أحد كبار المسؤولين العسكريين الحوثيين في تحقيق نشرته وكالة «أسوشيتد برس» أمس، لدى تحدثه شريطة عدم الكشف عن هويته نظراً لحساسية المعلومات التي يدلي بها للإعلام.

غير أن الرقم المذكور على لسان المسؤول الحوثي الكبير هو أعلى من أي رقم آخر تم الإبلاغ عنه سابقاً من قبل أي جهة كانت. وتمكنت منظمة الأمم المتحدة من التحقق من تجنيد 2721 طفلاً مقاتلاً لدى جميع أطراف النزاع القائم هناك، مع أن السواد الأعظم يميل لجانب الحوثيين، غير أن المسؤولين يقولون إن الرقم يقل عن ذلك، فكثير من الأسر اليمنية لا تجرؤ على الحديث عن الأمر خشية تعرضها للانتقام من قبل رجال الميليشيات الحوثية المسلحة.

محمد، طفل مجند يبلغ من العمر 13 عاماً، يرتدي حول معصمه سواراً برقم محفور، يمنح الطفل مسحة من الراحة (حسب ما لقّنه الحوثيون) كلما استمع لأزيز صواريخ الطائرات المعادية التي تدك الأرض تحت قدميه دكاً رهيباً موجعاً!

حارب الطفل المجند محمد لعامين متتاليين رفقة المتمردين الحوثيين في اليمن ضد قوات الحكومة اليمنية المسنودة بتحالف دعم الشرعية في اليمن الذي تقوده السعودية، ويقول إنه عذّب وقتل أناساً كثراً ولم يعد يعبأ إن عاش أو مات، فالأمر لديه سواء. ولكنه إن لقي حتفه، كما يقول، فإن سوار المعصم سوف يضمن عودة جثمانه إلى موطنه.

يقول الطفل المجند محمد: «عندما أصير شهيداً، سوف يلقمون رقمي إلى الحاسوب لاستعادة صورتي وهويتي ثم يطبعونها بلقب (شهيد) في أسفلها، وسوف ينتهي بها الأمر ملصقة على نعشي الخاص لإعادتها إلى أسرتي».

كان محمد واحداً ضمن 18 طفلاً آخرين من الجنود السابقين في حرب اليمن، أجرت وكالة «أسوشيتد برس» حواراً مطولاً معهم تحدثوا فيه عن دهاء وكفاءة الحوثيين ومثابرتهم عندما يتعلق الأمر باستمالتهم وتجنيدهم وتوزيعهم، حتى عن موت الصبيان المقاتلين من أعمار لا تتجاوز العاشرة.

ويُعتقد أن الحوثيين بذلوا جهوداً أكبر وأحرزوا نجاحات أوسع في تجنيد الأطفال للقتال، وربما بالقوة والترهيب في كثير من الأحيان.

وفي العاصمة صنعاء التي سيطر عليها الحوثيون بالقوة، ينتقل مسؤولو التجنيد بالحركة من منزل إلى آخر لإخبار الآباء والأمهات أنه يتعين عليهم إما تسليم أبنائهم للقتال في صفوف الحركة وإما دفع مقابل مالي للمجهود الحربي للحركة، وفقاً لإفادات السكان.

وقال كثيرون من سكان العاصمة صنعاء للوكالة الإخبارية إن الحوثيين يقسمون العاصمة إلى كتل أمنية، تخضع كل كتلة منها إلى مشرف يتعين عليه الالتزام بحصة مقررة من جلب المجندين الجدد لصفوف القتال. ويعمل المشرف على جمع المعلومات حول الأسر التي تعيش ضمن الكتلة التي يشرف عليها، وذلك من خلال الطرق على الأبواب بكل منزل والسؤال على عدد أفراد الأسرة من الذكور، وأسمائهم، وأعمارهم.

وتقابلت الوكالة الإخبارية مع 18 طفلاً من المجندين السابقين في أحد مخيمات النازحين والمركز الاستشاري في مدينة مأرب، الذي أنشأه مركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية. ولقد فروا إلى مأرب بعد هروبهم بعيداً عن قوات المتمردين الحوثيين أو وقعوا في أسر قوات التحالف أثناء القتال.

ونظراً لحداثة أعمارهم، ونظراً لأن بعضهم قد اعترف بارتكاب أعمال وحشية، فإن وكالة «أسوشيتد برس» تستخدم أسماءهم الأولى فقط. وبعض هؤلاء الأطفال اتخذ لنفسه اسماً حركياً بعد انضمامه للقتال. على سبيل المثال، أطلق طفل مجند يبلغ من العمر 10 سنوات على نفسه اسم «أبو النصر»، تيمناً بالانتصار في القتال.

وهناك صبي آخر يبلغ من العمر 13 عاماً يدعى صالح، قال للوكالة الإخبارية إن رجال الميليشيات الحوثية اقتحموا منزل أسرته في منطقة بني مطر الشمالية في صباح يوم سبت، وطالبوا بقدومه رفقة والده للقتال في الصفوف الأمامية. وقال إن والده قال لهم: «ليس أنا أو ولدي»، وحاول سحب سلاحه في وجوههم، فما كان منهم إلا أن دفعوا والده بعيداً وفتحوا نيران أسلحتهم الرشاشة عليه فأردَوا الوالد قتيلاً أمام نظر ولده.

وقال صالح إن رجال الميليشيات اقتادوه معهم وأجبروه على أداء خدمة الحراسة في إحدى نقاط التفتيش لمدة 12 ساعة يومياً.

لا يُسمح لوكالات الإغاثة الدولية العاملة في برامج حماية الأطفال في شمال اليمن بمناقشة استغلال الأطفال المجندين خشية حظر عمل الوكالات ومنعها من إيصال المساعدات إلى المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون هناك، وذلك وفقاً إلى إفادة 4 من عمال الإغاثة الإنسانية الذين رفضوا الكشف عن هويتهم، وقال أحدهم عن الأمر: «إنه من المحرمات هنا».

ويزعم الحوثيون بصفة رسمية أنهم لا يجندون الأطفال للقتال ويستبعدون أولئك الذين يحاولون الانضمام إلى صفوف المقاتلين من دون بلوغ سن القتال المعهود.

وقال بعض الأطفال إنهم انضموا لصفوف المتمردين الحوثيين عن طيب خاطر من جانبهم، وذلك بسبب الوعود المغرية بالمال، أو بإتاحة الفرصة لحمل السلاح. ولكن هناك أطفالاً آخرين قالوا إنهم أجبروا على الخدمة في صفوف المتمردين، وهم أولئك الذين تم اختطافهم من المدارس أو المنازل أو أجبروا على الانضمام للقتال في مقابل إطلاق سراح أحد أفراد الأسرة من المحتجزين رهائن لدى الحركة.

ويمكن رؤية كثير من هؤلاء الأطفال منتشرين عبر نقاط التفتيش على طول الطرق الرئيسية يحملون البنادق الروسية الهجومية التي تتدلى من على أكتفاهم، في حين يجري إرسال الأطفال الآخرين للقتال في الصفوف الأمامية جنوداً في قوات المشاة التابعة للحركة.

وقال طفل مجند آخر يبلغ من العمر 13 عاماً ويدعى رياض، إن نصف المقاتلين الذين خدم بجانبهم في الخطوط الأمامية في منطقة سيروة الجبلية اليمنية كانوا من الأطفال المجندين. وقال إن ضباط المتمردين الحوثيين أمروهم بالمضي قدماً إلى الأمام أثناء المعارك حتى مع ظهور طائرات قوات التحالف في سماء المعركة. وأردف رياض قائلا إنه توسل لقائده أن يترك الأطفال الصغار يحتمون بعيداً عن الغارات الجوية: «سيدي، إن الطائرات تواصل القصف»، وكان الرد دائماً من جانب القائد: «لا بد من الهجوم يا أنصار الله».

وعادت جثث عدد غير معروف من الأطفال المجندين إلى منازل ذويهم في توابيت مغلقة.

ولقي أكثر من 6 آلاف طفل مصرعه أو تعرضوا للتشويه المريع في اليمن منذ بداية الحرب هناك، بحسب إفادة منظمة اليونيسف التابعة للأمم المتحدة في أكتوبر (تشرين الأول). ولكن الوكالة التابعة للمنظمة الدولية لم تتمكن من الوقوف على العدد الحقيقي للمقاتلين من هؤلاء الأطفال القصّر، كما أن وزارة الدفاع الخاضعة للحركة الحوثية لا تفصح أبداً عن سجلاتها الخاصة بالقتلى أو المصابين.

وقال معلم سابق من مدينة ذمار إن ما لا يقل عن 14 تلميذاً من مدرسته قد جندوا ثم لقوا حتفهم في المعارك. ولقد علقت صورهم على مقاعد الفصل الدراسي الخاوية في عام 2016 أثناء ما يسمى «أسبوع الشهيد» الذي تحتفل به الحركة الحوثية في فبراير (شباط) من كل عام. وكان أغلب هؤلاء التلامذة من طلاب الصفين الخامس والسادس الابتدائي. وأكد أحد المسؤولين التعليميين من مدينة ذمار تلك المعلومات، وتحدث الرجلان شريطة عدم الكشف عن هويتهما خشية التعرض للعقاب من جانب رجال الحركة «الحوثية».

وقال المعلم إن بعضاً من آباء الأطفال القتلى هم من قادة الحركة الحوثية الذين دفعوا بأبنائهم طواعية إلى خطوط القتال الأمامية. وأضاف قائلاً: «إنه لأمر مؤلم؛ لأنهم ليسوا إلا أطفالاً، وكلهم مثل أولادي لأنني معلمهم. لقد ذهبوا من المدارس على أقدامهم وعادوا إليها على ظهورهم في نعوش قاتمة وباردة».

يقول نجيب السعدي، الناشط الحقوقي اليمني في مجال حقوق الإنسان، والذي أنشأ مركزاً استشارياً تموله السعودية في مأرب لصالح إعادة تأهيل المجندين من الأطفال: «لن تظهر المشكلة الحقيقية من وراء تجنيد الأطفال الحوثيين في القتال إلا بعد مرور 10 سنوات من الآن، عندما يبلغ الجيل الذي تعرض لغسيل المخ بالكراهية والعداوة تجاه الغرب سن الرشد والشباب».



حطب الحرب

بدأت الحرب بعدما انسل المتمردون الحوثيون من المرتفعات اليمنية الشمالية في أواخر عام 2014 للاستيلاء على العاصمة صنعاء ثم واصلوا الزحف في اتجاه الجنوب. وسعت الحكومة اليمنية الشرعية المعترف بها دولياً للحصول على مساعدة المملكة العربية السعودية، التي شكلت تحالفاً عسكرياً معارضاً للحركة الحوثية المعتدية.

ويستمر المتمردون الحوثيون في تجنيد المقاتلين الجدد، وذلك لأن صفوفهم أقل وأصغر عدداً بسبب الخسائر الفادحة التي تنالهم في ساحات القتال. وقال مسؤول عسكري حوثي كبير لوكالة «أسوشيتد برس» إن قوات الحركة الحوثية لا يتجاوز عددها 60 ألف مقاتل على الخطوط الأمامية. ويقدر الخبراء الخارجيون القوة العسكرية الحوثية ما بين 15 إلى 50 ألف مقاتل إجمالاً.

ويثني كبار قادة الحركة الحوثية على الجنود الشبان الذي لقوا حتفهم في الصراع، فيما يصفونها بالحرب المقدسة ضد أميركا وإسرائيل وغيرها من القوى الخارجية التي يعتقدون محاولتها السيطرة على البلاد.

وفي ظل وزارة الدفاع الخاضعة للحركة الحوثية المتمردة، نفّذ المتمردون ما أطلقوا عليه «حملة التجنيد الطوعي الوطنية».

وصرح العميد يحيى ساري، المتحدث الرسمي باسم القوات المسلحة الحوثية، لوكالة «أسوشيتد برس» الإخبارية قائلاً: «ليست هناك سياسة عامة بشأن استخدام الأطفال في المعارك». غير أنه أقرّ بأن بعض الشبان وصغار السن يتطوعون للانضمام إلى القتال.

وقال العميد ساري: «إنها مبادرات فردية. ويندفع بعض الأطفال إثر الرغبة في الانتقام، معتقدين أنه من الأفضل الانخراط في القتال ونيل شرف الجهاد بدلاً من الموت صغاراً داخل المنازل والبيوت. وعندما يحاولون الانضمام للقتال يقوم زعماء الحوثيين بإعادتهم إلى ديارهم».

ووصف الأطفال، والآباء، والمعلمون، وإخصائيّو الرعاية الاجتماعية، وغيرهم من المواطنين اليمنيين من الذين تقابلت الوكالة الإخبارية معهم، تلك الحملة بالعدوانية والشرسة، التي تستهدف الأطفال، وهي ليست طوعية على الدوام كما يُشاع. إذ يستعين المسؤولون الحوثيون بإمكانية الوصول إلى السجلات المدنية والسجلات الحكومية الأخرى في جمع البيانات التي تتيح لهم تضييق نطاق القائمة المستهدفة لديهم للأسر الأكثر عوزاً واحتياجاً في القرى ومخيمات النازحين، أي الأفراد الأكثر احتمالاً لقبول العروض النقدية السخية مقابل المجندين.

وقال عبد الله الحمادي، نائب وزير التعليم الأسبق الذي انشق في وقت سابق من هذا العام عن الحكومة التي يسيطر عليها الحوثيون في الشمال: «إنهم لا يثيرون هذه القضية أبداً».

وقال الحمادي إن الأطفال المستهدفين للتجنيد للقتال ليسوا أنجال كبار العائلات الحوثية المهمة أو أبناء كبار زعماء الحركة. بدلاً من ذلك، عادة ما يكونون أبناء القبائل والعشائر الفقيرة الذين يستخدمون كحطب لزيادة اشتعال هذه الحرب المزرية.

وفي القرى والبلدات الصغيرة، تضم عناصر التجنيد بعض المراهقين الذين يعمل أشقاؤهم أو آباؤهم بالفعل لدى الحركة الحوثية في الشمال. ويمكن رؤيتهم يتسكعون حول المدارس، ويوزعون القات، ويحاولون إقناع الأطفال بأن يصيروا مقاتلين.

صحافي يمني يعمل داخل المنطقة الخاضعة للحركة الحوثية، رفض الكشف عن هويته بسبب مخاطر الحديث عن المتمردين، يقول: «يبدو الأمر عشوائياً من الظاهر، ولكنه بخلاف ذلك في حقيقته. فهناك فرق مكلفة بمهام محددة وهياكل عمل واضحة»، ولقد فرّ هذا الصحافي رفقة أسرته إلى مدينة مأرب، الخاضعة لقوات التحالف، إثر خشيته محاولة التعرض للتجنيد هو وأطفاله على أيدي الحوثيين.

وتؤكد عناصر التجنيد الحوثية للأسر أنه لن يتم إرسال أطفالهم إلى ساحات القتال، ولكن سوف يتم إرسالهم للعمل خلف الخطوط في نقاط التفتيش الأمنية على الطرق. وبمجرد حصول رجال الميليشيات على الأطفال من ذويهم، فإنهم يرسلونهم إلى معسكرات التلقين العقائدي ثم التدريب العسكري، وبعد ذلك فوراً إلى الخطوط الأمامية، وذلك وفقاً لإفادة طفلين مجندين قابلتهم الوكالة الإخبارية مع مسؤولين من جماعات حماية الأطفال. وتحدث المسؤولون شريطة عدم الكشف عن هوياتهم خشية انتقام الحوثيين منهم بحظر جماعاتهم من العمل في اليمن.

وذكر الأطفال في المقابلات أنهم تعرضوا للتجنيد من قبل العناصر الحوثية في ملاعب كرة القدم، والمزارع، وخصوصاً المدارس. وقال طفل يبلغ من العمر 12 عاماً يدعى كحلان إن الحوثيين اقتادوه مع 10 من زملاء الدراسة خارج مبنى المدرسة إلى إحدى سيارات النقل الخفيفة، وأخبروهم أنهم سوف يذهبون إلى مكان يحصلون فيه على حقائب مدرسية جديدة، وكانت كذبة من كذباتهم المعتادة.

بدلاً من ذلك، وجدوا أنفسهم، بملابس المدرسة، داخل أحد معسكرات التدريب على القتال، يتلقون التعليمات حول كيفية الاختباء من الغارات الجوية لطائرات التحالف.



مفتاح الجنة

عادة ما يجري نقل المجندين الجدد أولاً إلى المراكز الثقافية لتلقي الدورات الدينية الأساسية التي تستمر لمدة شهر، وفيها يقرأ المعلمون بصوت عالٍ مسموع على الأطفال محاضرات حسين بدر الدين الحوثي، مؤسس الحركة الحوثية، والشقيق الراحل لزعيم الحركة الحالي عبد الملك الحوثي.

وتلك المحاضرات، التي تعود بتاريخها إلى عام 2002، يجري تعميمها عبر الصوت والصورة ثم نسخها كتابة في كتيبات دراسية تُعرف باسم «الملازم» (وهي مماثلة للملازم الخمينية الإيرانية). ولقد قيل لهم إنهم يشاركون في الحرب المقدسة (الجهاد) ضد اليهود والصليبيين والدول العربية التي استسلمت للقوى الغربية، وإنه إذا مات الأطفال في القتال، فسوف يذهبون فوراً إلى الجنة. ويثير المعلمون سخط الأطفال المجندين بروايات هجمات قوات التحالف.

وقال محمد، أحد الصبيان الذين خدموا في صفوف الحوثيين بين 13 و15 عاماً من عمره: «عند التخرج من المركز الثقافي، لن تريد العودة إلى المنزل مرة أخرى، بل تريد الذهاب إلى الجهاد».

ثم يتم إرسال الأطفال المجندين إلى معسكرات التدريب القتالي في الجبال، وفقاً لكثير من الأطفال الذين تمكنوا من الفرار من الحوثيين. وبحلول المساء، ينامون في خيام أو أكواخ مصنوعة من أغصان الأشجار في العراء. وبعد يوم واحد، يتعلمون كيفية إطلاق النار من الأسلحة، وزراعة العبوات الناسفة، وتفادي الصواريخ التي تطلقها طائرات التحالف.

ومن الظهيرة حتى غروب الشمس، يحصل الأطفال المجندون على حصتهم اليومية من نبات القات المخدر، الذي يعمل على تحفيز جهازهم العصبي ويستهلكه السواد الأعظم من الشعب اليمني كل يوم. والحصول على القات يعتبر من المميزات الكبيرة بالنسبة للأطفال المنحدرين من الأسر الفقيرة، الذين لا يملكون المقدرة المالية على شرائه في منازل ذويهم.

وبعد مرور أكثر من شهر في معسكر التدريب الجبلي، يتم إرسالهم إلى الحرب، «ويرتدون أساور المعاصم التي من المفترض أن تضمن عودتهم إلى أسرهم في حالة وفاتهم وتشريفهم بلقب الشهادة». ويصف الأطفال المجندون النقوش الرقمية على تلك الأساور بأنها «الرقم الجهادي». ويسخر نقاد الحركة الحوثية واصفين تلك الأرقام السخيفة الممنوحة للأطفال بأنها «مفتاح الجنة». وبمجرد الوصول إلى ساحات القتال، كما قال بعض الأطفال، فإن أسلحتهم ومعتقداتهم تمنحهم قدراً من القوة، في حين أن البعض الآخر يشعرون بهلع عظيم.

قاتَل الصبي محمد في مدينة تعز وما حولها، التي دارت بها أطول معركة في الحرب حتى الآن.

وذات يوم من الأيام، أسر رفاقه مقاتلاً من قوات التحالف ونقلوه إلى أحد المطاعم المهدمة لاستجوابه. وقال محمد، الذي بلغ من العمر 14 عاماً وقتذاك، إنه جلب مولداً كهربائياً وأوصله بجسد الأسير، ثم أدار المولد ليبعث بشحنات كهربائية صادمة جعلته يصرخ صراخاً مفزعاً، وذلك أثناء استجواب قائده للأسير حول مواقع قوات التحالف في المدينة.

ومع انتهاء جلسة الاستجواب المريعة، قال القائد الحوثي: «تخلصوا منه»، فما كان من محمد إلا أن أمسك بقضيب معدني ثقيل، ثم أحماه في لهب شديد، ثم دفعه في مؤخرة رأس الأسير ليلقى حتفه في الحال. وقال محمد: «كان قائدي إذا أمر بالقتل فإنني أقتل من دون تردد أو تفكير، وكنت لأفجر نفسي تفجيراً إن أمرني بذلك».

وقال رياض، الصبي البالغ 13 عاماً من عمره وقاتل في جبال سيروة، إنه كان وشقيقه البالغ من العمر 11 عاماً يطلقان النار على جنديين كانا قد رفضا إلقاء أسلحتهما، وكان في أغلب الأحيان يغلق عينيه أثناء إطلاق النار من بندقيته.

وقال رياض: «بمنتهى الصراحة، عندما يعتريني الخوف، لا أعرف أين أطلق النار بالتحديد، ربما في الهواء، أو ربما عشوائياً من دون هدف». وكانت اللحظة الأكثر إثارة للهلع لديه عندما اختفى شقيقه تماماً أثناء اشتباك لإطلاق النار. وقال: «كنت أبكي بكاء مريراً، وأخبرت القائد الحوثي أن شقيقي قد استشهد». وشرع في تحريك الجثث في ساحة المعركة، باحثاً بين الوجوه المخضبة بالدماء عن شقيقه المفقود عندما تعرض رفقة مقاتلين آخرين لإطلاق النار بكثافة، فردّوا النيران بالنيران، ثم بعد برهة من الصياح بين الجانبين، أدركوا أن مطلق النار لم يكن العدو، وإنما شقيقه الذين فقده في غيوم المعركة.

وبعد بضعة أسابيع، تمكن رياض وشقيقه من الفرار، ودفعوا بعض المال لسائق شاحنة لقاء تهريبهم بعيداً عن القوات الحوثية.

أما كحلان، تلميذ المدرسة الذي أغراه الحوثيون بحقيبة مدرسية جديدة، كانت أولى مهامه هي نقل صناديق الطعام والذخائر إلى الجنود. ثم تمّ توزيعه إلى إحدى ساحات القتال. ولم يكل لديه ولا لدى الصبيان الآخرين أي ملابس سوى الزي المدرسي.

انسل كحلان هارباً من معسكر الحوثيين في ساعة مبكرة من صباح أحد الأيام، وانتقل فارّاً من قرية إلى أخرى، وقال: «كنت أخشى النظر إلى الخلف، رأيت الأحجار والأشجار، وصرّت أكثر خوفاً من اكتشاف أمري، لأنهم كثيراً ما كانوا يفضلون الاختباء خلف الأشجار».



جلسات الاستماع

انتهى المطاف بالثلاثة، محمد ورياض وكحلان، في مدينة مأرب، لدى مركز إعادة تأهيل الأطفال المجندين الذين خدموا في صفوف الحركة الحوثية المتمردة. ومنذ سبتمبر (أيلول) لعام 2017، وصل ما يقرب من 200 طفل وصبي إلى المركز، الذي أنشأته مؤسسة «واثق» ذات التوجهات المدنية، وتموله المملكة العربية السعودية.

وأوضح مهيوب المخلافي، الطبيب النفسي في المركز، أن الأعراض الشائعة بين جميع الأطفال المجندين السابقين هي «العداء المتطرف». وهم يعانون من القلق الشديد ونوبات الذعر والهلع، والتشتت أو العجز عن الانتباه والتركيز. وقال بعضهم إنهم تعرضوا للضرب المبرح الشديد على أيدي قادتهم في الحركة، كما قالت إحدى موظفات المركز. ويقوم المركز بجمع الأطفال معاً في «جلسات الاستماع» التي تساعدهم على تذكر حياتهم السابقة قبل إرسالهم إلى الحرب.

وفي يومه الأول في المركز، قال محمد إنه كان يشعر بالرعب. ولم يكن يعرف ما الذي سوف يفعلونه معه هناك، ثم قال: «رأيت المعلمين، وأعطوني غرفة أمكث فيها. وشعرت براحة منذ ذلك الحين».

تعيش والدة محمد في مدينة تعز، في منطقة خاضعة لسيطرة الحوثيين، ولذلك فهو لا يمكنه العيش معها. ولديه أقارب آخرون، وهو ينتقل من منزل إلى آخر بين أقاربه، وينام في الشارع في بعض الأحيان. ولم يعد محمد يرتدي ذلك السوار المعصمي بالرقم التسلسلي الذي منحه الحوثيون إياه كجزء من وعدهم له بالحصول على «جنازة الشهيد». وعندما فرّ من القتال لديهم، أرسله شقيقه الأكبر للاستجواب من قبل سلطات قوات التحالف. وأثناء الاستجواب، أخذ ضابط الأمن مقصاً وقطع السوار من معصم محمد.