خلق تصدعات في تحالفات الغرب

تحالف يقلق الغرب...تركيا تلعب بالنار

الرئيسان الروسي فلاديمير بوتين والتركي رجب طيب أردوغان

مروة هاشم (أبوظبي)

حذر الكاتب التركي جينكيز جاندار، في مقال نشرته صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية، من التقارب ما بين روسيا وتركيا في أعقاب اغتيال السفير الروسي لدى تركيا؛ مشيراً إلى الاتهامات التي وجهها الجانبان الى طرف ثالث بالاعتداء، الأمر الذي يثير قلقاً من التحالف الروسي- التركي بالنسبة للولايات المتحدة وحلف الناتو.

فعندما قتل ضابط شرطة تركي السفير الروسي لدى تركيا، أندريه كارلوف، يوم الإثنين الماضي، بدا الأمر للحظات وكأن العالم بأكمله اهتز؛ لاسيما أن هذا الحادث وقع في وقت يشهد فيه العالم عدم استقرار غير مسبوق، وأعاد إلى أذهان بعض المراقبين بداية الحرب العالمية الأولى.
     
فرصة مثالية
ولكن الكاتب يلفت إلى أنه على الرغم من العلاقات الهشة بين روسيا وتركيا في السنوات الأخيرة، فإنه من غير المرجح أن يؤدي حادث اغتيال كارلوف إلى زيادة التوتر بين البلدين، بل أن الاحتمال الأكبر هو أنه سيدفعهما إلى المزيد من التقارب؛ إذ تدرك موسكو جيداً أنها فرصة مثالية لسحب تركيا "الضعيفة وغير المستقرة" إلى نطاق النفوذ الروسي.
  
ويوضح الكاتب أن حادث اغتيال كارلوف لا يُعد أول اختبار للعلاقات التركية- الروسية؛ حيث تشكل الحرب في سوريا أيضاً تهديداً من شأنه أن يدفع القوتين التاريخيتين إلى المواجهة، إذ تدعم روسيا حكومة الرئيس السوري بشار الأسد بينما تدعم تركيا جماعات المعارضة.

تدهور استقرار تركيا
ويذكر الكاتب بحادث إسقاط القوات الجوية التركية لمقاتلة روسية بالقرب من الحدود السورية في شهر نوفمبر 2015 (تشرين الثاني)، وهي المرة الأولى التي يقوم فيها أحد أعضاء حلف الناتو بإطلاق النار على طائرة روسية خلال نحو 50 عاماً، وتواجهت الدولتان في حرب كلامية لعدة أسابيع عقب هذا الحادث.

ومع ذلك، لم تتصاعد الأمور واعتذر الرئيس التركي رجب طيب أردوغان لنظيره الروسي، فلاديمير بوتين، عن هذا الحادث في شهر يونيو (حزيران) الماضي. ونال أردوغان مكافأته في الشهر التالي، على الأقل وفقاً للرواية المطروحة من الحكومتين، حينما كان بوتين أول رئيس دولة يدافع عن أردوغان عقب محاولة الانقلاب الفاشلة. ومنذ ذلك الحين، تحسنت العلاقات بين البلدين بشكل كبير، بحسب الكاتب، ولكن الوضع في تركيا زاد تدهوراً.

حرب ثلاثية الجبهات
ويلفت الكاتب إلى أن اغتيال السفير الروسي في قلب العاصمة التركية يكشف بوضوح عن مستوى التدهور الأمني. وعقب محاولة الانقلاب، بدأ أردوغان عملية تطهير واسعة النطاق لمؤسسات الدولة، أسفرت عن تسريح أو سجن آلاف من ضباط الشرطة والمخابرات المخضرمين، فضلاً عن اعتقال نحو نصف جنرالات الجيش بحسب بعض التقارير، و"تعطل" السلاح الجوي إلى حد كبير.

وفي الوقت نفسه، تخوض تركيا حرباً ثلاثية الجبهات لا يمكن الفوز بها في سوريا؛ إذ تدعم المعارضة في معركتها ضد حكومة الأسد، وتشارك في العمليات العسكرية ضد داعش، والأكثر أهمية بالنسبة إلى الحكومة التركية أنها تحاول الحد من مكاسب الجماعات الكردية.

ترسيخ نفوذ روسيا
وبسبب كل هذه المعوقات، ترى روسيا أنه من السهل الضغط على تركيا، خاصة أنها عازمة على فرض نفسها بصفتها القوة الرئيسية في سوريا، وهي فعلاً في طريقها لتحقيق هذه المكانة، لاسيما مع دعمها لبشار الأسد لإحراز انتصار كبير في حلب. ولكن من أجل ترسيخ نفوذها، فإن روسيا سوف تحتاج إلى موافقة تركيا، وثمة دلائل على أن هذا الأمر يحدث بالفعل.

وعلى الرغم من هتاف قاتل كارلوف بأن قصف روسيا لحلب هو الدافع وراء عملية الاغتيال، وإعلان جيش الفتح (جماعة جهادية سورية) مسؤوليته عن الحادث، فإن السلطات التركية اتهمت فتح الله غولن، رجل الدين المقيم في ولاية بنسلفانيا الأمريكية الذي اتهمه أدوغان بتدبير محاولة الانقلاب الفاشلة، بالوقوف وراء اغتيال كارلوف. ويرى الكاتب في اتهام غولن بالإرهاب تلميحاً إلى إلقاء اللوم على الولايات المتحدة نظراً للخلافات الأخيرة مع الحكومة التركية بشأن الدعم الأمريكي للأكراد في سوريا، وكذلك الرفض الأمريكي لطلب تسليم غولن للسلطات التركية.

بوتين وتحالفات الغرب
وفي المقابل، سارعت الحكومة الروسية إلى تخفيف حدة التوتر مع تركيا في أعقاب حادثة اغتيال كارلوف، ووعدت بالعمل مع تركيا في التحقيقات وكذلك التعاون لمكافحة الإرهاب. وبحسب الكاتب، بدلاً من استعداء أنقرة في الوقت الراهن تقوم روسيا بتملقها؛ حيث استضافت موسكو، في اليوم التالي لاغتيال كارلوف، اجتماع قمة مع تركيا وإيران لمناقشة مستقبل سوريا.

ويؤكد الكاتب أن هذا الوضع يجب أن يمثل إزعاجاً بالنسبة للولايات المتحدة وحلف الناتو؛ إذ إن هدف بوتين النهائي ليس فقط الهيمنة على سوريا، وهو ما يقوم به بالفعل، وإنما أيضاً خلق تصدعات في تحالفات الغرب. وحتى مع الاطمئنان إلى أن اغتيال كارلوف لن يقود، كما كان يخشى الكثيرون، إلى صراع بين روسيا وتركيا، فإن مسألة ضعف حكومة أردوغان وتبعيتها إلى الكرملين (بدلاً من الحفاظ على تحالفاتها مع الولايات المتحدة وحلف الناتو) تُعد أيضاً من الأمور المثيرة للقلق.