الفن طريقة للتعبير..

زمن الوصاية النسوية على الفن

النساء صرن يتدافعن من أجل الإتقان والغزارة

فاروق يوسف

منذ عصر النهضة وحتى القرن العشرين اكتفت المرأة بأن تكون ملهمة جمال وليست صانعته. قلة من النساء تسكن أعمالهن المتاحف اليوم. الأمر تغير في القرن العشرين بسبب تغير وضع المرأة في المجتمع وحصولها على الكثير من حقوقها وبالأخص في النصف الثاني منه. على الصعيد العربي أعتقد أن النساء يتصدرن المشهد التشكيلي اليوم. وهو ما نتج عن نضال رسامات رائدات كافحن من أجل أن يخترقن المجتمع الذكوري برؤاهن المختلفة أمثال التونسية صفية فرحات والجزائرية باية محي الدين والمصرية جاذبية سري والمغربية شعيبية بن طلال والعراقية مديحة عمر والفلسطينية سامية حلبي.

اليوم هناك عشرات الفنانات التشكيليات اللاتي يمكن النظر إلى تجاربهن الفنية بتقدير واحترام، لا بسبب نسويتها وهو أمر قابل للنقاش والجدل من قبل الفنانات أنفسهن بل بسبب ما تنطوي عليه تلك التجارب من مهارة حرفية وخيال يحضر من جهة غير متوقعة وموضوعات ليست للرجل خبرة فيها. يمكنني أن أذكر هنا على سبيل المثال جمان النمري وهيلدا الحياري من الأردن وفاتن النواوي ونازلي مدكور من مصر وآمنة النصيري من اليمن ونادرة محمود من عُمان ورانية كرباج من سوريا وسهى شومان من فلسطين وابتسام الصفار من قطر وبلقيس فخرو من البحرين ونجاة مكي من الإمارت

. هناك العشرات سواهن شكل وجودهن نقلة نوعية في الوعي الفني وبالأخص على مستوى التعبير عن طريقة جديدة في التفكير في الفن ومن خلاله. ما يحدث اليوم أن هناك ثورة فنية هي في حقيقتها ثورة نسوية على عالم فشل الرجال في التماهي مع شروط عصره وقيادته. من أهم ملامح تلك الثورة إعادة النظر في النتائج الأسلوبية التي انتهى إليها الفن التشكيلي في العالم العربي عبر أكثر من سبعين سنة. لقد عاد الرسم تشخيصيا بعد أن استقام تجريديا على أيدي الرجال. ذلك تحول أتاح للمرأة أن تضع موضوعاتها على مائدة النقاش باعتبارها رهانا اجتماعيا وثقافيا لا يمكن القفز عليه. وهو ما فتح الأبواب على عوالم لم يدخل إليها الرسم في العالم العربي لأول مرة عبر مسيرته التاريخية.

في ضوء المعطيات الثقافية الراهنة فإن الرسم بشكل محدد في طريقه إلى الانتقال إلى زمن الوصاية النسوية. لن يكون ذلك حدثا سارا حتى بالنسبة لمناصري المرأة. غير أن ما يحدث في العالم ينذر بوقوع حدث من ذلك النوع سيكون مفصليا في التاريخ الفني.

وكما يبدو فإن النساء وقد اكتشفن في الفن طريقة للتعبير عن وجودهن المستقل وحريتهن صرن يتدافعن من أجل الإتقان والغزارة. ومن المعروف أن المرأة إذا أحبت شيئا أتقنته وأكثرت منه بما لا يستطيع الرجل مجاراتها. النساء العربيات يدرن اليوم الصالات الفنية، بمعنى أن جزءا من سوق الفن صار في أيديهن. كما أن الكثير منهن يشرفن على الملتقيات الفنية ناهيك عن عدد الفنانات الذي يتزايد في اطراد. على الضفة الأخرى هناك أيضا عدد من ناقدات الفن اللواتي أشعر أنهن يمتلكن مشروعا نقديا لا يقوم على الذائقة الجمالية وحدها بل وأيضا على الخبرة والمعرفة.

زمن الوصاية النسوية على الفن في العالم العربي لا محالة