المصنفة دوليًا كحركة إرهابية..

تقرير: هل أعطى إردوغان الضوء الأخضر لـ"جبهة النصرة"

لماذا صمتت تركيا عن خسائر حلفائها من الجماعات السورية المعارضة؟

أنقرة

مع بداية هذا العام، عادت هيئة تحرير الشام (النصرة سابقًا) إلى سيرتها الأولى، وباتت هي التنظيم الإرهابي الأقوى على الساحة السورية، بعدما استطاعت هزيمة الفصائل الموالية لتركيا في مناطق إدلب وحماة وحلب.

خلال أسبوع من الحرب التي شنتها النصرة، تساقطت الفصائل الموالية لتركيا كقطع الدمينو، إذ أعلنت حركة “نور الدين الزنكي” حل نفسها، والتجأت إلى مدينة عفرين، ثم تبعها في القرار ذاته حركة “أحرار الشام” المكونة من 12 تنظيمًا مسلحًا، وهي فصائل غير مصنفة كإرهابية، بعكس النصرة المصنّفة على قوائم الإرهاب العربي والعالمي، بما فيه الجانب التركي.

ولكن المريب بالنسبة للفصائل الموالية لتركيا، أن الداعم التركي الرئيس لها، التزم الصمت المطبق فيما البلدات والمناطق الخاضعة له تسقط تباعًا في قبضة مقاتلي النصرة. ليس الصمت فحسب، بل إن المال التركي أيضًا توقف، بعدما أعلن قيادي في الجيش الحر عن توقف الدعم المالي التركي لتلك الفصائل. وبحسب وسائل إعلام معارضة للنظام، فإن الدعم التركي للفصائل الوطنية توقف “بسبب التغييرات التي أصابتها”.

ويجعل ذلك، بحسب مراقبين، الحرب ميدانيًا تسير لصالح النصرة إلى حين، ولكن الصمت التركي على تقدمها، وتوقف الدعم المالي عن الفصائل الموالية لها وهي تُهزم، يدفع المراقبين إلى اعتبار أن الأحداث تسير في غير اتجاه المصالح التركية، بينما في حقيقتها فإن تركيا ستكون المستفيد الأكبر من تقدّم النصرة، بما يعزز دورها في حل الأزمة السورية.

 

التخلص من عبء المعارضة المعتدلة

في المفاوضات السرية والعلنية التي تجري بين روسيا وتركيا، يخرج من يؤكد في كل مرّة أن الأمور تسير باتجاه “وحدة سوريا”. ولكن ما يعيق تقدّم الجيش السوري المدعوم روسيًا، هو ضمان أمن المدنيين، إضافة إلى أنه يجري التعاطي مع الفصائل الموالية لتركيا على أنها “معتدلة” خلال المباحثات الروسية التركية.

وكان أي سيناريو لتقدم الجيش السوري للقضاء على المعارضة “المعتدلة”، يتبعه إحراج لتركيا التي جرى وصفها أكثر من مرة من قبل معارضين بأنها تخلّت عن حلفائها، خصوصًا بعد تحرير حلب، إذ يتبع تقدّم الجيش السوري على الدوام غطاء جوي روسي، سيحرج تركيا، ويظهرها بمظهر الضعيف أمام جارتها الجنوبية، وقد يصنف صمتها على أنه خذلان للإسلاميين الذين طالما تفاخروا بالدعم التركي، مما يؤثر على قوة إردوغان الناعمة، وسعيه إلى استنساخ التجربة السورية في أكثر من دولة عربية.

ولكي تحافظ تركيا على الثقة بينها وبين جماعات الإسلام السياسي، كان الحل في ضرب الجهاديين ببعضهم، فالتزمت هي الصمت، كأنها تنظر بعين الرضى لسيطرة النصرة على إدلب وباقي محافظات الشمال. ليس هذا فحسب، بل أوقفت الدعم المالي، لتمهد الطريق أمام النصرة لغزوها، مما يخلصها من عبء حماية المعارضة المعتدلة من نيران جيش النظام.

 

الطريق ممهدة أمام الجيش السوري

مراهنات تركيا على لعب دور قوي في الأزمة السورية، وفشلها في إيصال حلفائها الجهاديين إلى سدة الحكم في سوريا، خصوصًا بعد التدخل الروسي، جعلها تكتفي باحتواء مناطق في شمالي سوريا، أدارت منها العمليات ضد الدولة السورية والأكراد.

ولكن ما لم يكن بالحسبان التركي عودة العلاقات العربية مع النظام السوري، ورفع ترامب يده عن الشأن السوري، وتغيير الأكراد تحالفهم مع الولايات المتحدة إلى تحالف جديد مع الجيش السوري. وبالتالي، فقدت تركيا أي أمل بحماية أمريكية قد تقف أمام الجيشين السوري والروسي المتجهين إلى إدلب، ثم فقدت “الحجة” للتدخل في منبج لقمع الأكراد، بعدما تحالفوا مع النظام، وبالتالي فهي لا تستطيع فتح مواجهة مع الجيش السوري مباشرة، خصوصًا في ظل سوء علاقتها مع الولايات المتحدة، وعدم مقدرتها على الوقوف في وجه الدور الروسي الداعم لإعادة إدلب إلى الخارطة السورية.

تطور الأحداث بعكس ما تصورت تركيا، جعلها تميل إلى روسيا، بعد توتر العلاقات مع الولايات المتحدة، وبعد الخلاف على مستقبل القوات الكردية، ورفض إردوغان لقاء مستشار الأمن القومي الأمريكي جون بولتون. التوتر العلني في العلاقات التركية الأمريكية، رافقه إعلان الكرملين، يوم الأربعاء، بأن إردوغان سيزور موسكو قريبًا.

 

تركيا تتخلى عن الجميع لأجل مصالحها

الدلائل جميعها تشير إلى توافق في الرؤى بين روسيا وتركيا، إذ صارت روسيا والنظام وحدهما قادرين على احتواء الفصائل الكردية، بعدما فشل الرهان التركي على الولايات المتحدة.

وبعد أن تقوم “النصرة” بالسيطرة على إدلب، سترفع تركيا يدها عن المدينة، مقابل صفقة جديدة تقوم روسيا وسوريا بموجبها باحتواء (أعدائهما) الأكراد، وعندها ستتخلص تركيا من الحرج، إذ إن النصرة -المصنفة دوليًا كحركة إرهابية- لن تجد أي متعاطف معها إذا ما تعرضت لهجوم، مما سيخلص تركيا من حرج حماية المدينة، بعدما قامت بتمهيد الطريق أمامها للسيطرة على المدينة، عبر التزامها الصمت وإيقافها الدعم المادي.

وبعد أن تتضح الصورة، سيعلم الجهاديون في سوريا، قبل غيرهم في الدول العربية، بأن حليفهم التركي الذي دعمهم بالمال والسلاح طوال 8 سنوات، قد سلّمهم من يد إلى يد، وصولًا إلى حلهم، وتعبيد الطريق أمام الجيش السوري، ليس من أجل وحدة سوريا كما فعلت الدول العربية التي وثقت علاقتها بدمشق، ولكن من أجل مصالح تركيا أولًا، المتمثلة بسحب سلاح الأكراد، وربما عودة أنقرة مؤخرًا إلى دمشق، بعد 7 سنوات من تصريح إردوغان الذي وعد فيها بفتح الجامع الأموي على طريقة أجداده العثمانيين.