بناء مجتمعات متطوّرة..

بقع الظلام في العالم المستنار

ظاهرة ما زالت متفشية في عدة مجتمعات عربية شئنا أم أبينا ذلك

يمينة حمدي

عندما كتبتُ تقريرا حول تفشّي الأمية في صفوف النساء العربيات، اتهمني البعض من القراء على موقع تويتر بالمغالاة، بل وصل الحنق بسيدة سعودية إلى كتابة رسالة خاصة تقول فيها إنني أتعمّد تشويه الحقائق وخاصة في بلدها، رغم أنني لم أذكر السعودية في الموضوع أصلا، معتبرة أن الأمية قد عفا عليها الزمن، وأن المرأة في بلادها قد نالت حظها من العلم ووصلت إلى أعلى المراتب، وبطريقة انتقامية غريبة تفتقر إلى لغة الحوار قامت بحجبي من قائمة متابعيها.

استغربتُ وقتها من ردة فعل هذه السيدة التي ربما لم تقرأ التقرير أصلا، بل بَنَتْ رأيها الارتجالي والمتسرع لمجرد أنها رأت صورا لخبراء سعوديين شاركوا في الموضوع.

على أيّ حال الخيار لها في ما اختارت، فهكذا هي العلاقات الافتراضية تبدأ وتنتهي بكبسة زر، لمجرد الاختلاف في المزاج ووجهات النظر.

لكل شخص رؤيته المختلفة، لكن البعض يميلون إلى الاعتقاد بأن وجهة نظرهم الخاصة هي الأصح دائما، ويبدو أن موقف هذه السيدة من التقرير قد بُني على تحيّز أو دافع ذاتي، والتحيّز مقبول إذا كانت على صواب.

لكن العائق الرئيسي في مثل هذه الأمور أن البعض يصدقون فقط ما يريدون تصديقه، ولا يحاولون البحث في شأن المعلومات الجديدة الواردة عليهم من أجل اكتشاف الحقيقة، ونتيجة قصر النظر تظل العديد من المشاكل والأزمات متوارية في كل مجتمع عربي، وكثيرا ما تختفي خلف الصور البرّاقة للسياسيين.

بالرغم من أنني استقيتُ الأرقام التي أوردتها في التقرير عن الأمية من بحوث المنظمات الأممية، التي تمثّل مصدرا موثوقا للمعلومات، إلا أن هناك أيضا من ادّعى أن تلك المنظمات غربية وجميعها تنظر بالعين الصغيرة للمرأة العربية، وتحاول أن تكيل بمكيالين حيال دول الشرق الأوسط.

لسوء الحظ، الأشخاص المتعلمون، أكثر من شكك في صحة الأرقام التي أوردتها المنظمات، رغم أنها تكشف عن ظاهرة ما زالت متفشية في عدة مجتمعات عربية، شئنا أم أبينا ذلك.

أدرك تماما أن لغة الأرقام جوفاء ولا تعكس الحقيقة كاملة، ولذلك من الغرابة بمكان بالنسبة للبعض أن تكون هنالك نساء أميات في العالم الذي يشهد تطوّرا متسارعا كل يوم.

لكن من المؤسف أن الصورة ليست وردية خالصة، فحتى في البلدان التي يبدو فيها الوصول للمعرفة متاحا للجميع، ما زالت الأمية منتشرة وبقوة، وخاصة في ظل سعي أصحاب المصالح الخاصة ورجال الدين والسياسيين إلى خلق بيئة من الارتباك، ومحاولة تغليف الحقائق بحالة من الضبابية وعدم الشفافية.

وتكمن المشكلة الحقيقية في المجتمعات العربية التي يكثر فيها الناطقون باسم السياسيين والمدافعين عنهم، في كثرة الآراء المتضاربة حول أمر ما، مما لا يفضي إلى حل المشكلة بقدر ما يزيد في تعقيدها.

وعوض أن تكون آراء المتحدثين بلسان حال الحكام عاملا مساعدا على تصحيح جوانب القصور في المجتمعات، أو تساعد على تصويب الأخطاء، كثيرا ما تكون سببا في الوقوع في براثن الخداع حينما نثق بكل ما يقولون.

والقلق يجب أن يساورنا وبقوة، ليس فقط من الأمية التي تعد من أكثر المعوقات التي تحول دون بناء مجتمعات متطوّرة، بل ومن الجهل الذي سينتشر عندما يصنع الأشخاص الوصوليون صورة مزيفة عن الواقع.