رسائل أميركية متضاربة بشأن الانسحاب من سوريا..

موسكو تتهم واشنطن باختلاق الذرائع لبقاء قواتها

مغادرون... باقون

أنقرة

أضفت الولايات المتحدة الجمعة المزيد من الغموض بشأن استراتيجية انسحابها من سوريا حين أعلن التحالف الدولي ضد داعش بداية “انسحاب مدروس″ في تناقض مع تأكيدات سابقة لمسؤولين أميركيين بارزين مثل وزير الخارجية مايك بومبيو أو مستشار الأمن القومي جون بولتون اللذين سعيا للالتفاف على قرار الرئيس دونالد ترامب وتحويله إلى مجرد نوايا.

يأتي هذا في وقت اعتبرت فيه روسيا أن واشنطن تبحث عن الذرائع لإبقاء قواتها في سوريا ليبدو قرار الانسحاب وكأنه بالون لاختبار خطط دول مثل إيران وتركيا في التعامل مع هذا الانسحاب.

وأعلن الكولونيل شون رايان، المتحدث باسم التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة لمحاربة داعش، “بدأت عملية انسحابنا المدروس من سوريا. حرصا على أمن العمليات، لن نعلن جداول زمنية أو مواقع أو تحركات محددة للقوات”.

وقال سكان قرب معابر حدودية مع العراق عادة ما تستخدمها القوات الأميركية في الدخول والخروج من سوريا إنهم لم يروا تحركات واضحة أو كبيرة للقوات البرية الأميركية الجمعة.

لكن مسؤولا بالبنتاغون شدد على أن بلاده لم تسحب أي جندي من سوريا حتى الآن، وأنها قامت فقط بسحب بعض المعدات العسكرية، حسبما نقلت عنه وكالة “أسوشيتد برس″، الجمعة.

وتحولت عملية الانسحاب إلى لعبة غامضة توحي في بعض جوانبها بوجود خلافات نوعية بشأن البقاء في سوريا من عدمه بين دوائر نفوذ مختلفة في الولايات المتحدة، وهو أمر تكشف عنه الرسائل المتضاربة لمسؤولين رفيعي المستوى. لكن هذه اللعبة قد تمثل، أيضا، فرصة للولايات المتحدة لاختبار خطط دول مثل تركيا وإيران وروسيا لملء الفراغ بعد هذا الانسحاب.

وإذا كانت تركيا قد كشفت عن رغبة جامحة في خلافة النفوذ الأميركي في شمال سوريا، وسعت للحصول على تفويض من واشنطن للعب دور الشرطي الحامي لمصالحها، فإن إيران تكتفي إلى حد الآن بتصريحات عامة تتنزل في سياق المناكفة المعهودة مع الولايات المتحدة في مسعى لطمأنة واشنطن وتشجيعها على الانسحاب.

وإلى الآن تراهن الولايات المتحدة على بناء تحالف إقليمي لمواجهة الدور الإيراني في سوريا ودول أخرى، لكن ارتباك استراتيجية الولايات المتحدة والمواقف المتضاربة بشأن الانسحاب من عدمه يدفعان دولا إقليمية مؤثرة إلى التريث في تحديد موقفها بشأن سوريا ما بعد الانسحاب الأميركي.

واشترطت مصر أن يقدم النظام السوري على خطوات معينة لتسهيل إعادة تأهيله عربيا، ولا شك أن على رأس هذه الخطوات تحديد موقفه من النفوذ الإيراني العسكري في بلاده. وربما يكون هذا هو مبرر تأخر صدور موقف السعودية بشأن بدء خطوات انفتاح عربي على دمشق.

ولم تخف روسيا شكوكها بشأن الغموض الذي يرافق مواقف الأميركيين بشأن الانسحاب. واعتبرت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الروسية، ماريا زاخاروفا، الجمعة، أن واشنطن تبحث عن ذرائع لإبقاء قواتها العسكرية في سوريا.

وأوضحت “رغم أن الولايات المتحدة تقول إنها مغادرة، إلا أنها تبحث عن ذرائع لتبقى في سوريا”، إلا أنها شددت على ضرورة نقل السيطرة في الأراضي التي قد تنسحب منها القوات الأميركية إلى الحكومة السورية، في موقف واضح يقطع الطريق على تركيا التي تعمل على استمالة موسكو إلى وجهة نظرها تحت يافطة التدخل ضد “الجماعات الإرهابية” وعرض الوكالة في الحرب على داعش.

وحذر فيتالي نعومكين، رئيس معهد الاستشراق لدى أكاديمية العلوم الروسية، من أن انسحاب الولايات المتحدة من سوريا، قد يكون غطاء لسيناريو مرعب، ولاستفزازات باستخدام أسلحة كيميائية، يوجه بعدها الأميركيون ضربة إلى الأهداف الإيرانية في سوريا، أو حتى، يحاولون الإطاحة بالحكومة السورية.

وتراهن الولايات المتحدة على تفاهمات روسية إسرائيلية تم التوصل إليها في الأسابيع الأخيرة لتقليص حجم النفوذ الإيراني، فضلا عن تمركز أميركي مؤثر في العراق يسمح للقوات الأميركية بالتحرك والرد السريعين على أي استفزازات من إيران أو الميليشيات الحليفة لها في العراق.

وبالتوازي، تحاول واشنطن التوصل إلى اتفاقات دقيقة مع تركيا لمنع دخولها إلى سوريا واستهداف حلفائها من المقاتلين الأكراد.

وقال مستشار الأمن القومي الأميركي جون بولتون الجمعة إن المحادثات بين مسؤولين عسكريين أميركيين ونظرائهم الأتراك حول الأكراد وسوريا ستتواصل الأسبوع القادم على أمل التوصل إلى نتائج مقبولة من البلدين.

وأضاف بولتون في مقابلة إذاعية أن ترامب ووزير الخارجية بومبيو يدركان أن تركيا ملتزمة “بعدم الإضرار بالأكراد”، وأن “الأمر الذي لا نزال نتابعه في هذه المناقشات العسكرية يتعلق بالضمانات والقواعد والإجراءات حتى يشعر كل طرف بالارتياح تجاه سير الأمور. ونأمل أن تتمخض هذه المناقشات التي ستتواصل الأسبوع القادم عن نتائج تكون مقبولة من الجانبين”.

وكان بولتون قد صرح الثلاثاء بأن حماية حلفاء واشنطن الأكراد ستكون شرطا مسبقا لسحب القوات الأميركية من سوريا. وتسبب هذا التصريح في رد تركي غاضب.

لكن وزير الدفاع التركي خلوصي أكار دفع أمس إلى التصعيد حين تعهد بشن حملة ضد الفصائل الكردية التي تدعمها الولايات المتحدة، وذلك أثناء زيارة غير معلنة لتفقد القوات المتمركزة بالقرب من الحدود السورية في الجهة المقابلة مباشرة للأراضي التي تسيطر عليها وحدات حماية الشعب الكردية.

وقال أكار في كلمة للجنود في مركز قيادة بإقليم شانلي أورفة “عندما يكون الوقت والمكان ملائمين سندفن جميع الإرهابيين في الخنادق التي حفروها كما فعلنا في عمليات سابقة” في إشارة إلى حملتين سابقتين نفذتهما تركيا عبر الحدود في سوريا.