تحقيقات..

هل يتجسس "اتحاد الأئمة التركي" لحساب أردوغان؟

الرئيس التركي رجب طيب أردوغان

جاسم محمد

ما زالت ألمانيا تقف في حيرة أمام قضية"تمويل المساجد" والتي تحولت إلى مصدر قلق، وهاجس أمني لوزارة الداخلية وأجهزة الاستخبارات، في أعقاب تحقيقات، تقول: إن بعض المساجد تحولت لمراكز انطلاق لتقديم الدعم اللوجستي للجماعات المتطرفة، وأخرى تحولت لانطلاق أعمال تجسس وغير شرعية.

طالب وزير الداخلية الألماني هورست زيهوفر -يوم 28 نوفمبر 2018 ، قبيل انعقاد مؤتمر الإسلام في ألمانيا- الجالية المسلمة إلى فك ارتباطها بالنفوذ الخارجي، فيما تتهم السلطات الألمانية اتحاد الأئمة التركي في برلين (ديتيب) بممارسة أعمال استخباراتية لفائدة النظام التركي وتلقي تمويلات مشبوهة منه.

وفي أعقاب ذلك أعلن مشرعون ألمان، ينتمون إلى الحكومة الائتلافية، أنهم يفكرون في طرح قانون "ضريبة المسجد" على المسلمين الألمان، مشيرين إلى أن ذلك الاقتراح مماثل لضريبة الكنائس.  

وقال عضو الائتلاف الحاكم في ألمانيا، نائب رئيس الكتلة البرلمانية للتحالف المسيحي "تورستن فراي" -في تصريح لصحيفة "دي فيلت"- إن ضريبة المسجد تعد خطوة مهمة لتحريرها في ألمانيا من التأثيرات الخارجية. 

وقال رئيس المجلس أيمن مزيك -في تصريحات لصحيفة "راينيشه بوست"  الألمانية الصادرة في أعقاب ذلك- "يتعين مناقشة هذا الموضوع هناك بخبرة وتعقل". وتشير التقديرات الحكومية الألمانية إلى أن عدد المسلمين في ألمانيايتراوح بين 4 .4 و4.7 مليون مسلم. ورغم عدم وجود إحصائيات دقيقة حول المساجد في ألمانيا، فالمجلس المركزي للمسلمين، ZMD أعلن في أكتوبر 2018 عن وجود نحو 2500 مسجد. والكثير منها يوجد في فناءات خلفية، ونحو 900 يمكن التعرف عليها من خلال أسلوبها المعماري.


مناقشة ضريبة المسجد

وفي أعقاب ذلك، كشفت تقارير إعلامية -وفقا لتقرير دوتش فيلة الصادر يوم 28 ديسمبر2018- أن برلين طلبت من دول المنطقة إبلاغها مسبقا بالمساعدات والتبرعات التي تُقدم للمساجد في ألمانيا، وأن الاستخبارات تراقب الأمر عن كثب. 
من ناحيته يعتزم المجلس المركزي للمسلمين مناقشة ضريبة المسجد المقترحة. ووفقا لمعلومات الصحيفة وكذلك معلومات محطتي "ان دي آر" و "دبليو دي آر" العامتين فإن هيئة "حماية الدستور" الاستخبارات الداخلية في ألمانيا، وكذلك وكالة الاستخبارات الألمانية "BND" ستشاركان في التحقق من هوية المرسل والمتلقي لتلك المنح والتبرعات. 

يشار إلى أن الدولة الألمانية تجمع ضرائب الكنيسة من أتباعها طواعية، أي أن كل من يسجل نفسه بأنه تابع لكنيسة معينة عليه أن يدفع ضريبة الكنيسة في إطار الاستقطاعات الضريبية مع الراتب الشهري أو مع تصفية الحسابات السنوية مع دائرة الضرائب. وعلى خلاف الكنائس، لا تجمع الدولة الألمانية ضرائب للمساجد. 

جمعية "ديتيب"
وتأسس "ديتيب" عام 1984 بمدينة كولونيا حيث يقع مقره الرئيسي، ويتبع للاتحاد 15 جمعية إسلامية ويدير 970 مسجدا، يتوزعون على الولايات الألمانية الـ 16، مما يجعله أكبر منظمة إسلامية بالبلاد.

ويشارك الاتحاد وزارات التربية بعدد كبير من الولايات بالإشراف على تدريس حصص الدين الإسلامي للتلاميذ المسلمين بالمدارس الحكومية، كما يتبع الاتحاد هيئة الشؤون الدينية التركية التابعة هي الأخرى للإشراف المباشر لأردوغان.

حيث ترسل رئاسة الشؤون الدينية التركية “ديانت” كافة أئمة ديتيب، وعددهم نحو 900 إمام، إلى ألمانيا وتدفع لهم رواتبهم. و يواجه اتحاد “ديتيب” انتقادات في ألمانيا بسبب ارتباطه بالحكومة التركية.

ويعتبره ناقدون اليد الطولى للرئيس التركي رجب طيب أردوغان وأخذت الاتهامات السياسية والإعلامية الألمانية لـ"ديتيب" منحى تصاعديا منذ عام 2017، وتطورت من اتهام الاتحاد بالخضوع للسياسة الحكومية التركية، إلى الاشتباه بضلوع عدد من أئمة مساجد "ديتيب" بالتجسس على أعضاء بجماعة فتح الله غولن والجماعات الكردية.

ويطالب المجلس المركزي للمسلمين في ألمانيا أيضا بتدريب الأئمة داخليا، حيث قال رئيس المجلس أيمن مازيك -في تصريحات لصحف شبكة دويتشلاند الألمانية- “إذا كنا نريد إسلاما بطابع ألماني، فيتعين علينا العمل على تدريب الأئمة في ألمانيا”. 
الخلاصة

اكتشفت السلطات الألمانية، أن بعض المساجد ومنها  مجموعة مساجد، منظمة "ديتيب" التركية، ومسجد Deutschsprachiger Islamkreis في ولاية سكسونيا السفلى، الذي كان يتخذه أبوالولاء العراقي ومسجد "فصلت 33" في برلين الذي كان يتردد عليه  أنيس العامري، منفذ عملية شاحنة برلين خلال أعياد الميلاد 2016، مراكز لتنفيذ عمليات إرهابية وانشطة تجسس. 
لقد اعتمدت ألمانيا سياسات وقوانين جديدة في موضوعات محاربة التطرف ومكافحة الإرهاب، لكنها ما زالت لحد الآن تواجه الكثير من التحديات، وهي أقل بكثير مما ينبغي أن تقوم به. تأتي خطوة إغلاق المساجد، نتيجة ما توصلت إليه السلطات الألمانية، خلال حملات المداهمات، والتي تصاعدت كثيرا خلال عام 2018 ومطلع هذا العام 2019.

التوجه الجديد يعتمد على مراقبة المساجد، ورصد خطب وأنشطة المساجد من الداخل، رغم ما تعانيه الاستخبارات الألمانية من صعوبات تتعلق بمعرفة الطقوس أو ربما إيجاد مصادر داخل المجتمعات المغلقة، خاصة من تركيا وكذلك الجماعات "المحمدية"، ذات أصول هندية. يبقى تمويل المساجد في ألمانيا، "ثغرة" أمنية لا تزال تقف أمامها ألمانيا حائرة، كونها لحد الآن لم تحسم أمرها بعد.
وما يزيد في المشكلة تعقيدا، أن الجاليات المسلمة في ألمانيا لا تتحدث لغة واحدة ولا تنتمي لمذهب واحد. وفي حالة فرض الحكومة الألمانية الضريبة، والتي هي خطوة مستبعدة في المنظور القريب، ستواجه رفضا كبيرا من الجاليات المسلمة، ويعود السبب لوجود مجتمعات إسلامية مغلقة، حسب البلد والمذهب وربما العائلة.


الأخطرفي المشكلة، عند اتخاذ المساجد مراكز انطلاق لأعمال التجسس، كما هو الحال في بعض مساجد "ديتيب" التركية أو عندما تتخذ مراكز تقديم الدعم اللوجستي للجماعات المتطرفة.

إن ما تحتاجه ألمانيا في الوقت الحاضر، هو التنسيق بل والتعاون مع المؤسسات الإسلامية المعروفة في بعض الدول العربية، والتعاون أيضا مع سفارات الدول العربية والإسلامية في ألمانيا، من أجل التحقق من أصول تمويل المساجد، وكذلك التعاون المشترك في استقدام وإعداد الأئمة لمساجد المسلمين داخل ألمانيا.