تراجع الهجمات لا يعني تخليها عن التخطيط..

خبراء يتوقعون أن تكون البلدان الغربية هدفا لتنظيم القاعدة

تنظيم القاعدة لم يفقد قاعدته الشعبية في اليمن

لندن

يعتبر تنظيم القاعدة “تمردا عالميا، وليس مجرد ظاهرة إرهابية”، وفق فريق بحث استخباراتي. ويؤكد الخبراء أن معظم الجماعات الجهادية في العالم الموجودة في الوقت الحالي تنضم إلى واحدة من قطبين: إما القاعدة وإما الدولة الإسلامية. ويقولون إنه مع ذلك، فإن هذه الوحدة الظاهرية تكذّب العديد من الخلافات في كيفية متابعة الجهاد.

واختار الفريق المتخصص من مركز الدراسات الاستراتيجية والأمنية الأميركي (ستراتفور) تقديم تقييمه لحالة الحركة الجهادية العالمية مع بداية العام الجديد، في إطار المهمة الموكولة للفريق والمتمثلة في توقع التهديدات المحتملة بهدف الوقاية منها والتخفيف من خطورتها.

ويبين تقرير مركز “ستراتفور” أن الكثير من هذا الانقسام ينبع من الاندماجات العديدة للمجموعات المتطرفة السابقة التي جلبت تاريخها وفلسفاتها الخاصة إلى المجموعات الجديدة لتنظيم القاعدة والدولة الإسلامية. ويتجلى هذا الخلاف بشكل واضح في العلاقة بين القاعدة وجماعة التوحيد والجهاد، وهي الجماعة التي يقودها أبومصعب الزرقاوي والتي انضمت إلى تنظيم القاعدة في 2004، لتنفصل عنه في 2014 لتشكيل الحركة الإسلامية، وخلق قطب منافس في الحركة الجهادية.

وورد في التقرير أنه “بالنظر إلى هذه الاختلافات، من الطبيعي أن يكون هناك قدر كبير من التباين بين المجموعات المختلفة، حتى بين تلك الموجودة تحت مظلة تنظيم القاعدة أو الدولة الإسلامية”.

تبرز هذه الاختلافات والتباينات بحسب مدى تبني الفروع لسياسات وتوجهات التنظيم الأم، فالبعض يسير على نفس النهج في حين يعتمد البعض الآخر أساليب تفكير وعمل مغايرة.

وللمزيد من فهم طبيعة التنظيم وتفرعاته يبدو ضروريا إجراءات تقييمات أكثر عمقا لكل منها. ولتكن البداية بنواة تنظيم القاعدة.

تقدم قيادة القاعدة التوجيه الأيديولوجي لفروع المجموعة وأتباعها في جميع أنحاء العالم. ورغم فشل مركزها في شن أي هجمات إرهابية كبيرة في 2018، فإن هذا لا يعني أنها تخلت عن التخطيط لتنظيم هذا النوع من العمليات.

الاختلافات تبرز بحسب مدى تبني الفروع لسياسات وتوجهات التنظيم الأم، فالبعض يسير على نفس النهج في حين يعتمد البعض الآخر أساليب تفكير وعمل مغايرة

ويبرز هذا الأمر تصريح وزير الأمن البريطاني، بين والاس، بأنّ القاعدة لا تزال تركز على المؤامرات الكبرى التي تستهدف الغرب، ويبدو أنها تريد أن تكرر “نجاح” هجمات 11 سبتمبر الشهيرة من خلال هجوم آخر على الطيران. وأشار والاس إلى أنّ القاعدة تحاول تطوير أساليب وتكتيكات جديدة لتهريب المتفجرات على متن الطائرات والهجوم على المطارات.

وبالنظر لأهمية مركز تنظيم القاعدة ودوره في تسيير فروع الشبكة حول العالم، من المنطقي أن تكون مشمولة عند صياغة التوقعات بشأن مستقبل الحركة الجهادية العالمية.

فمن المتوقع أن يواصل تنظيم القاعدة دعوة المقاتلين والجماعات الفردية للعودة إلى صفوفه، خاصة بعد التنبؤ بسقوط الدولة الإسلامية التي أعلنت الخلافة في سوريا والعراق.

ويعتقد قادة القاعدة أن النهج التدريجي للمجموعة، والذي غالبا ما يشار إليه بالـ”بن لادنية”، هو طريقة أكثر فاعلية للنهوض بالتمرد الجهادي العالمي. وبهذه الفلسفة، ستعمل القاعدة على ضرب القوى الغربية وحلفائها في الشرق الأوسط.

ويتوقع الخبراء في مركز “ستراتفور” أن تكون البلدان الغربية هدفا أساسيا لتنظيم القاعدة الذي يخطط لهجمات كبيرة على أمل أن تكون ملهمة للمتشددين للقيام بعمليات مماثلة. وبالتزامن مع ذلك، يتوقع المركز الأميركي أن تقوم القيادة الأساسية للقاعدة بتوجيه المجموعات التابعة لها لتحدي ومواجهة منافسيهم المنتمين لتنظيم الدولة الإسلامية، إلى جانب تشجيع المقاتلين المتمرسين والجماعات المحلية والمجندين الجدد للانضمام إلى التنظيم.

ومن المحتمل أيضا أن تنجح القاعدة في شن هجوم آخر بالطائرات، من خلال تركيزها على هذا النوع من وسائل النقل وزرع الجهاديين بين موظفي المطار.

الحضور في البلدان العربية

من بين فروع التنظيم تبرز القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي، الذي ظل نشيطا من خلال تنفيذ هجمات متقطعة في منطقة شمال أفريقيا. وقد ركز هذا التنظيم في الغالب على إجراء تمرد في المناطق الجبلية والريفية أين يركز أكثر على البقاء والاندماج مع السكان المحليين، بدلا من إجراء عمليات عنيفة وذات صدى.

وخلال العام الماضي، تعرضت المجموعة لضغوط شديدة من طرف قوات الأمن المحلية. وهذا يعني أن جهودها تركزت على نصب الكمائن ومحاربة قوات الأمن بدلا من مهاجمة الأهداف المدنية. وتعيش كتيبة عقبة بن نافع التابعة لتنظيم القاعدة في المغرب الإسلامي في وضع مماثل للمجموعة الرئيسية في الجزائر.

ومن غير المرجح أن يزيد تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي من عدد الهجمات في 2019، بسبب الضغط الشديد الذي تسلطه عليه قوات الأمن. لكن ذلك لا يجعل من قضاء العمليات الأمنية عليه أمرا مرجحا، لأن عناصر التنظيم متشابكة مع السكان المحليين.

ومع ذلك، من المتوقع أن تستفيد القاعدة في المغرب الإسلامي من الاضطرابات الاجتماعية والسياسية التي يمكن أن تعيشها بلدان شمال أفريقيا، كالاحتجاجات في تونس أو عدم الاستقرار المحتمل في حال وفاة الرئيس الجزائري عبدالعزيز بوتفليقة، حيث يمكن للتنظيم أن يستفيد من تشتت انتباه قوات الأمن عنها.

وبالاتجاه شرقا، واجه تنظيم القاعدة في سوريا انتكاسات كبيرة، حيث استعادت حكومة الرئيس بشار الأسد معظم الأراضي التي كانت تحت سيطرته. أما الوحدات المتبقية من تنظيم القاعدة، مثل تنظيم حراس الدين، فهي الآن تتركز في محافظة إدلب.

كما انسحبت حركة تحرير الشام من مدار القاعدة. وبحسب ما ورد، فقد سعت الجماعة إلى إبراز قدرتها على شن هجمات من سوريا، لكنها تحاول حل مشكلاتها الداخلية أولا.

وخلال العام الحالي، يبدو أن الجماعات التابعة لتنظيم القاعدة السوري ستواجه ضغوطا متزايدة من سوريا وتركيا وإيران وروسيا وجماعات مسلحة أخرى في البلاد. وسوف تحاول المجموعة استغلال أي فوضى قد تترتب على الانسحاب الأميركي، بالإضافة إلى توتر الأوضاع بسبب أي اشتباكات محتملة بين ممثلي الدول (سوريا، تركيا، إسرائيل، روسيا، وإيران) في سوريا.

ومن غير المحتمل أن تقوم المجموعة بشن هجمات في الخارج لأنها سوف تركز بشكل كبير على المقاطعات المحلية (والبقاء على قيد الحياة) لتكريس الوقت والموارد للهجمات في أماكن أخرى.

أما في مصر، فتوقف النشاط الفاعل للجماعتين المرتبطتين بتنظيم القاعدة في هذا البلد وهما: أنصار الإسلام في شبه جزيرة سيناء وجند الإسلام في الصحراء الغربية، خلال العام الماضي. وأثبتت المجموعتان أنهما غير قادرتين على إجراء عمليات كبيرة أو صغيرة أو هجمات ضد المدنيين أو قوات الأمن. وكانت مجموعة جند الإسلام قد بدأت في بناء قوتها في أوائل 2018، وسط تقارير تفيد بأنها تجند ضباط الجيش السابقين. لكن اعتقال الزعيم البارز هشام عشماوي في أكتوبر الماضي مثّل انتكاسة كبيرة لهذه المجموعة.

وسيكون العام الحالي اختبارا لقياس مدى متانة فروع تنظيم القاعدة في مصر. ويتوقع تقرير مركز “ستراتفور” أن تحاول القاعدة أن تنتعش في مصر بهجمات ضد قوات الأمن أو الأجانب، لكن تنظيم الدولة الإسلامية سيواصل طمس الجماعة في البلاد.

في المقابل، فإن تنظيم القاعدة في شبة الجزيرة العربية ركز العام الماضي على اليمن في المقام الأول، فيما سجل نشاطه انخفاضا حيث واجه انتكاسات بسبب تزايد هجمات الطائرات بدون طيار ومشكلات في التجنيد المحلي إلى جانب عوامل أخرى.

كما شارك هذا التنظيم في اشتباكات مباشرة مع جماعات الدولة الإسلامية في اليمن. ورغم أنّ 2018 بدا عاما هادئا بالنسبة للجماعة، إلا أن تنظيم القاعدة في الجزيرة العربية لا يزال يتمتع بموارد قوية ومقاتلين متحصنين، ويمتلك اتصالات محلية عميقة.

تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية سيستمر في الاستفادة من عدم الاستقرار المتواصل في الحرب باليمن مما يسمح له بالبقاء أقوى من منافسه الإقليمي المتمثل في داعش

ومع ذلك، نفذت الولايات المتحدة 36 ضربة جوية ضد الجماعة في العام الماضي، استهدفت معظمها قادة تنظيم القاعدة في الجزيرة العربية ومنشآته. وفي اليوم الأول من 2019، قتل جمال محمد البدوي في غارة جوية، وهو أحد العناصر الرئيسية في الهجوم على المدمرة الأميركية كول في 2000.

ويتوقع فريق “ستراتفور” أن يستمر تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية في التركيز على تنمية العلاقات المحلية ومحاربة أعدائه المحليين، بما في ذلك الحوثيون والقوات الأجنبية والدولة الإسلامية.

وقد لا يؤدي هذا الأمر إلى تصاعد في الهجمات ضد أهداف في اليمن أو خارجه، لكنه سيضع الأسس لاستعادة المجموعة لقوتها. ومن المرجح أن تكثف المجموعة جهودها ضد الدولة الإسلامية، مع مواصلة التركيز على الجهود الداخلية بدلا من شن عمليات إرهابية في الخارج.

وفي نهاية المطاف، سيستمر تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية في الاستفادة من عدم الاستقرار المستمر في الحرب الأهلية في اليمن، مما يسمح له بالبقاء أقوى من منافسه الإقليمي المتمثل في الدولة الإسلامية.

فروع أفريقية للتنظيم

في منطقة الساحل الأفريقي، تبرز “نصرة الإسلام والمسلمين” كجماعة متفرعة عن التنظيم المركزي للقاعدة. وقامت هذه الجماعة بتعبئة الموارد البشرية والمادية وتنظيم الاتصالات للحفاظ على توازن إيقاعها العملياتي في العام 2017، مما سمح لها بتقليل قدرة قوات الأمن المحلية في منطقة الساحل الأفريقي.

وحوّلت المجموعة تركيزها من هجمات تستهدف الفنادق إلى أهداف أكثر قوة في عام 2018، حيث قامت بعمليات اختطاف ونصب كمائن وهجمات ضد أجانب وغارات على قوات الأمم المتحدة والقوات الفرنسية في تمبكتو وواغادوغو. وتستهدف أغلب عمليات هذه الجماعة الفرنسيين، حيث دعت جماعة “نصرة الإسلام والمسلمين” إلى شن هجمات ضد الأشخاص من أصول فرنسية في منطقة الساحل الأفريقي وفي فرنسا نفسها.

ويؤكد فريق الاستخبارات الذي أعد التقرير، أن جماعة “نصرة الإسلام والمسلمين” ستبقى التهديد الأمني الرئيسي للحكومة والمدنيين في منطقة الساحل الإفريقي. ويتوقعون أن تتمتع بتدفقات ثابتة من المجندين والأموال، وأن تشن هجمات جديدة.

لكن الخبراء يتوقعون أيضا أن تكون منطقة الساحل الأفريقي من جديد مسرحا للاشتباكات بين تنظيمي القاعدة والدولة الإسلامية، مثلما حدث عندما قتل مسلحو جماعة المرابطين العديد من الأعضاء السابقين الذين انشقوا عن القاعدة لينضموا إلى تنظيم الدولة الإسلامية في الصحراء الكبرى.

وفي حال بدأ تنظيم الدولة الإسلامية في الصحراء الكبرى في تأكيد عدائه لجماعة نصرة الإسلام أو انتهك عمليات الجماعة المالية، فإنه قد يثير أعمالا انتقامية من طرف فروع القاعدة.

أما في الصومال، فقد ظلت حركة الشباب المجاهدين أقوى جماعة متشددة في الصومال خلال العام الماضي، حيث نظمت ونفذت عمليات اختطاف ونصب كمائن وهجمات معقدة في جميع أنحاء البلاد، بما في ذلك العاصمة مقديشو.

واعترفت حركة الشباب المجاهدين بالدولة الإسلامية كمنافس لها، لأول مرة في ديسمبر الماضي، إثر هجوم لفرع تنظيم الدولة الإسلامية على مجموعة من مقاتلي حركة الشباب.

ورغم ذلك يتوقع الخبراء أن تبقى حركة الشباب قوة هامة داخل الصومال في المستقبل القريب. ويؤكدون أنه مع تدفق الإيرادات المتواصلة لهذه الحركة، وعدم قدرة قوات الأمن على القضاء عليها، ستواصل المجموعة شن هجمات وعمليات اختطاف في جميع أنحاء البلاد.

ويقول تقرير الخبراء أن مقديشو ستكون عرضة لعمليات حركة الشباب، بما في ذلك التفجيرات التي ستسبب خسائر بشرية. كما سيمكن للجماعة شن هجمات أخرى، لأنها تمتلك النية والقدرة والموارد اللازمة لاستهداف دول مجاورة مثل كينيا، مثلما يبينه الهجوم على فندق في نيروبي في 15 يناير. وستحتفظ حركة الشباب أيضا باهتمام في مهاجمة الأهداف المرتبطة بالولايات المتحدة، التي نفذت ضدها عددا من هجمات عبر طائرات بدون طيار.

امتداد إلى شبه القارة الهندية

تمتد شبكة تنظيم القاعدة إلى شرق آسيا من خلال القاعدة في شبه القارة الهندية. وكان هذا الفرع قد وجّه طاقته في العام الماضي لمساعدة حركة طالبان في العمليات العسكرية داخل أفغانستان، وهذا يعني أنه شارك في القليل من النشاطات خارج البلاد. كما أدت التدابير العدوانية التي اتخذتها قوات الأمن المحلية ضده إلى الحد من قدراته خارج المنطقة الحدودية بين أفغانستان وباكستان.

ولا تظهر القاعدة في شبه القارة الهندية أي علامات على كونها قوة مهمة في تلك المنطقة. لكن من المتوقع أنها ستكافح من أجل حشد الموارد والقوى البشرية الكافية. ويرجح التقرير التقييمي أنه ستعرقلها الأعمال العدوانية التي تقوم بها قوات الأمن، خاصة القوات الموجودة في الهند وبنغلاديش.

ومن المحتمل أن تهاجم الجماعة على هدف مهم أو أجنبي، لكن من المستبعد أن يرتفع تهديدها الأمني خلال العام الحالي.