قراءة في أسرار وتعقيدات حرب اليمن..

تحليل: الجنوب و"عاصفة الحزم".. بين النجاح والفشل

القوات المشتركة التابعة للتحالف العربي في اليمن

عبد الله ناجي
الحرب اليمنية التي بدأت فعلياً مع إطلالة العام 2015م لم تكن حرب اللحظة في التوقيت والسبب، بقدر ما هي حرب أشعلتها صراعات ومظالم الماضي التليد بجذورها المذهبية والطائفية وصراعات الحاضر القريب بجذورها القبلية والحزبية والكهنوتية وسياسات الظلم والهيمنة والتسيد الجهوي والمناطقي لحكام الحقبة العفاشية وأتباعها من مختلف مناطق اليمن، التي تسيّدت على الحكم لمصالح نفعية ودوافع ثأرية وإقصائية، وهو ما أثار الشعب للقيام بثورته السلمية عام 2011م، والتي سرعان ما احتواها النظام بانضمامه إليها ليحتويها من الداخل وتحتويها المبادرة الخليجية من الخارج.
تلك المبادرة التي حاولت أن تجعل من مخرجاتها سلماً لاستعادة كل قوى الاستبداد التقليدية الكهنوتية والقبلية والعسكرية، والتي تعاملت معها السعودية خصوصاً لسنوات طويلة، دون الأخذ بمتغيرات الثورة والواقع والسياسة، ودون الأخذ بمطالب الحركة الحوثية ذات الجذور العميقة في الحكم والسياسة والمذهبية، التي تحاول استعادة جزء من مجدها التاريخي.
وكذلك ودون النظر إلى مطالب الحركة الثورية الجنوبية المطالبة بالحرية والاستقلال بعد أن أضحت عوامل فشل الوحدة اليمنية واقعاً ملموساً، وتحاول القوى النفعية شمالاً وجنوباً استعادتها لمنافع ثأرية وذاتية لا وطنية على الإطلاق في ظل دعم إقليمي ودولي لسلطة سلمت بسيادتها وتقاسم ثرواتها ومناطق نفوذها، نظير بقائها في السلطة والحكم.
بدأت تعثرات حلم عودة أجندة وأطراف دولة الاستبداد، مع بدء التفكير برسم معالم الدولة العصرية من خلال مؤتمر الحوار الوطني، والذي انحصر دوره للأسف على أسس قيام دولة مدنية دون النظر إلى حل المشاكل السياسية التي ظلت ولا زالت عائقاً أمام ذلك الطموح الرومانسي، وأولها قضية الجنوب وقضية صعدة، بالإضافة إلى مظالم مناطق مأرب وتعز وتهامة، وبرغم كل ذلك بدأت القوى السلطوية التقليدية بمكوناتها القبلية والحزبية والعسكرية باستئثار قوة الهيمنة والإلغاء للآخر برفض الحوار الشمالي الجنوبي من خلال لجنة الثمانية ثمانية التي قطعت شوطاً في المحاورات، تلا ذلك مضايقة الفريق الجنوبي وعملية استنساخه، وكذا قرار الأقاليم الستة بقرار رئاسي بعد أن تأمرت كل القوى التقليدية والحزبية والقبلية على مشروع الدولة الاتحادية من إقليمين حينها.
كل تلك المنقصات في عدم الاعتراف بجذور الأزمة اليمنية وأطرافها الأساسية قادت إلى تحديد موقف خروج الجنوبيين من مؤتمر الحوار الوطني، وعدم تأثير قدرة التيار المستنسخ على خلق استجابة سياسية فعلية للتعامل معه كممثل للقضية الجنوبية، والذي ما انبرى بعد فترة وجيزة إلى أن تشتت هذا التيار بين موال لما تسمى الشرعية وبين موال لحركة أنصار الله الحوثية الانقلابية.

وفي ذلك الظرف نفسه كانت الحركة الحوثية بقيادة أنصار الله تدرك أن لها مطالب تاريخية في الحكم، وأنها تعرضت للتهميش والحروب المدمرة وكانت فصيلاً أساسياً في ثورة الشباب، لا يمكنها أن تسلم بقضيتها للسلطة الاستبدادية السابقة ولا لحزب الإصلاح والسلفيين الذين شنوا عليها الحروب في قعر دارها.



اللعبة السياسية الأولى للحرب

كان حزب الإصلاح ومواليه من القوى الإسلامية هي من تتبنى إشعال نيران الحرب الطائفية، من خلال جلب مقاتليهم إلى دماج واختلاق الخلافات والحروب مع الحركة الحوثية، وكان يختلق الحرب لمحاولة زج الجيش في حروب جديدة مع الحوثيين، غير أن الحكومة اليمنية ووزارة دفاعها نأت بنفسها عن مثل هذه الحرب.

وكانت قوى حزب المؤتمر الشعبي العام وحكومته تدفعان إلى عملية المواجهة الفعلية بين الحوثيين وحزب الإصلاح على حدود العاصمة لإضعافهما جميعاً.

غير أن حزب الإصلاح بسياسته الانتهازية تخلى عن المواجهة المباشرة مع الحوثيين وخاصة بعد اجتياحهم لعمران والفرقة السابعة مدرع بقيادة على محسن، الذي تركها وفر هارباً إلى السفارة السعودية، ليخرج منها بعباية نسائية برفقة السفير السعودي إلى الرياض ليجبر بشكل غير مباشر القوات الحكومية على مواجهة قوات الحوثيين على أسوار صنعاء. فعلاً وصل الحوثيون إلى أسوار صنعاء، وامتنع عن مواجهة الحوثيين، بل سهل لهم الطريق لذلك محاولاً إضعاف قوة الرئيس الانتقالي، عبدربه منصور، وخاصة بعد أن انكسرت شوكة الإصلاح في المواجهة، وهروب محسن.

فعلاً وصل الحوثي إلى قعر القلعة الحصينة لحزب الإصلاح المتمثلة في الفرقة السابعة مدرع بقيادة علي محسن الأحمر، الذي فر هارباً من المواجهة. ليخرج بعدها بعباءة نسائية من السفارة السعودية بصنعاء متجهاً إلى الرياض.

في هذه اللحظة كانت القوى التقليدية لصالح والقوى الإصلاحية والإسلامية تنتظر الانتقام جميعها من الرئيس الانتقالي عبدربه منصور هادي.
وفي 26 سبتمبر 2015م دخل الحوثيون صنعاء، واستطاعوا إخضاع الحكومة المؤقتة إلى الرضوخ لاتفاقية السلم والشراكة، التي اعترفت  بالحوثيين طرفاً أساسياً دون منازع، بينما ظلت تلك السلطة تعتبر الجنوبين وقضيتهم ملحقاً وتابعاً لها بعيداً عن منطق العقل والسياسة. 

تواترت الصراعات في صنعاء وبدأ الحوثيون بمحاصرة مقر الرئيس عبدربه منصور هادي وتخلت عنه حينها كل ألوية الحماية الرئاسية والحرس الجمهوري، ولم يصمد معه غير عدد من عسكر قبيلته وأسرته الذين استسلموا مع أولى المواجهات.
وبذلك وقع الرئيس في قبضة الحركة الحوثية مع بهجة وسرور الرئيس المخلوع صالح الذي أعطى لجيوشه عدم المواجهة مع الحوثيين.



السعودية تستشعر خطورة الموقف

بعد سقوط صنعاء ومحاصرة الرئيس الانتقالي عبدربه منصور هادي استشعرت السعودية خطورة الموقف من سيطرة الحوثيين على الأمر الواقع باليمن وما يشكله من خطر فعلي على أمنها وحدودها، حينها بدأ الفعل الاستخباراتي متعدد الجهات لإخراج الرئيس من قبضة الحوثيين إلى عدن. 

وفعلاً بمساعدة جهات استخباراتية استطاع الرئيس منصور من الهروب إلى عدن.

بعد هروب الرئيس إلى عدن بدأت القوات الحوثية بغزو المدن اليمنية الواحدة بعد الأخرى وبتشجيع من الرئيس المخلوع صالح دفع بالحوثيين بغزو الجنوب بمساعدة ألويته وقواته. بهدف إضعافه وإدخاله في حرب طويلة الأمد لاستنزافه وإضعافه.

تمكن الحوثيون من ضرب قصر الرئاسة في عدن في 15 مارس 2015م وتمكن الحوثيون من اقتحام قاعدة العند في 25 مارس، وأسر وزير الدفاع الصبيحي، وشقيق الرئيس اللواء ناصر منصور، والعميد فيصل رجب، أثناء تفقدهم القاعدة وبمساعدة ومؤامرة داخلية، ونجا الرئيس هادي بأعجوبة من الأسر، والذي فر بعدها هارباً براً إلى عمان ثم السعودية، ولخطورة الموقف قامت السعودية ودول التحالف العربي بعملية عاصفة الحزم لمساندة الدولة الشرعية بقيادة هادي، وخلال يومين كانت أجزاء كبيرة من مناطق عدن قد أصبحت في قبضة الحوثيين.



أهداف «عاصفة الحزم».. بين النجاح والفشل

استطاعت عاصفة الحزم أن تحقق نجاحات ملموسة ضد القوى الحوثية في المناطق الجنوبية التي كانت مشبعة بروح المقاومة للاحتلال الشمالي سواء كان أثناء احتلال صالح أو الاحتلال الحوثي الجديد، فقد استطاعت مقاومة الجنوب من تحرير مناطق الجنوب وعددا من مناطق الشمال في صعدة والساحل الغربي بمساعدة دول التحالف، غير أنه للأسف قد وقعت العاصفة في العديد من الأخطاء الإستراتيجية لسوء تقدير الموقف من أماكن القوات الحوثية، وضعف وهشاشة ما سمي بجيش الشرعية، الذي ظل وإلى الآن يبتز انتصارات المقاومة، بينما الشرعية ممثلة بحزب الإصلاح ومليشياته لم تشارك في المعارك بشكل فعلي، فهناك مئات الآلاف في مأرب وهناك عشرات الآلاف في شبوة وحضرموت لم تدخل في المعركة، وظل حزب الإصلاح وما تسمى بالشرعية تحتفظ بها لأمر آخر، وهو عملية إخضاع أي تفكير للجنوبيين بالاستقلال وكذا الحفاظ على مصالحهم النفطية في الجنوب.
ثانياً، من الأخطاء الإستراتيجية للعاصفة أيضاً أنها اعتمدت على دعم القوى الإصلاحية والسنية، وابتعدت عن قاعدة كبيرة من العسكر والمقاتلين الجنوبيين، الذين واجهوا بأسلحتهم الشخصية القوات الحوثية كجبهة الضالع مثلاً التي لم يصلها الدعم إلا على أعتاب تحريرها وكانت أول محافظة تتحرر.
لم يكن في حسبان التحالف أن تطول الحرب لسنوات، ولم يكن بباله أيضاً أن عقيدة الحرب في اليمن يعني الفيد والاستنزاف، ولذلك استنزف التحالف من قبل القوى الحليفة له وخصوصاً حزب الإصلاح، الذي كدس ترسانة من الأسلحة في تعز ومأرب دون أن تدخل جبهات المواجهة. 
الخطأ الإستراتيجي الثالث ويتمثل في عدم معرفة التحالف من أن اتجاهات الحرب وقواها الفعلية قد بدأت في التغيير لحسابات سياسية وحزبية وشخصية، فقوى الشرعية وعلى رأسها الإصلاح تشعر بأن عملية الحسم العسكري ضد الحوثيين سيدفع بقوى جديدة للتربع على المشهد السياسي والعسكري، ولذلك فهي لا تحبذ الحسم وتفضل الحوار لتبقى على مواقعها.
إن اتجاهات الحملة الإعلامية والعسكرية التي تمارسها تلك القوى التابعة للشرعية قد أصبحت موجهة ضد الجنوب وقيادة المجلس الانتقالي، فلذلك هي تحارب شكلياً الحوثي في الشمال، وتحارب الانتقالي ومناصريه في الجنوب، وبكونها أصبحت عملياً الحلقة الأضعف إلا أنها تحاول الاستئثار بانتصارات الجنوبيين وأرضهم.
ولم يدرك التحالف أن اللعبة قد تغيرت فعلياً فأعداء الأمس قد يصبحون أصدقاء اليوم، وقد تجمع الأهداف المشتركة الفرقاء في الحرب.. ولذلك حزب الإصلاح والحوثيون والعفاشيون يشجعون على انتشار القاعدة في الجنوب وتمويلها، وإلى جانب شحنات الأسلحة والمخدرات والعمليات الانتحارية التي يبتلى بها الجنوب منفرداً دون أن يكون هناك تأثير لها في مرتكز صناعتها في مأرب والبيضاء وتعز.

وبدون مواجهة النخب والأمن الجنوبي بمساعدة الإمارات لكانت الجنوب واقعة تحت قبضة القاعدة والدواعش برعاية الحكومة الشرعية والإصلاح خصوصاً.​
*شبوة برس