ظاهرة متشعبّة ومتفشيّة جدًا في الشوارع..

لعمالة الأطفال في لبنان أسباب عدة

ارشيفية

بيروت

ما هي أهم الأسباب التي تدفع بأطفال لبنان إلى العمل باكرًا، حيث أصبحت عمالة الأطفال في لبنان ظاهرة بارزة ومتفشية في الأزقة والشوارع وفي مختلف المهن المضنية أحيانًا.

قد تلتقي به عند قارعة الطريق يبيع العلكة وأنواع السمسمية والمأكولات، أو قد تراه عند الميكانيكي يلقي بجسده الصغير فوق السيارة الضخمة غير عابئ بخطورة الأمر، وقد تأسف حينها عليه وعلى عمره الغض الذي يفنيه باكرًا في العمل المضني، إلا أنك ستتابع طريقك وتأخذك مشاغل الحياة ويبقى الطفل يبيع العلكة والجسد الصغير " رهين" الآلة الضخمة.

ففي كل محلّ ومطعم ودكان ومتجر.. تجد أطفالاً يعملون.

وتبقى عمالة الأطفال ظاهرة متشعّبة ومتفشيّة جدًا في كلّ أزقة وشوارع المدينة.

فهذه " البراعم" الصغيرة تدهسها عجلة الحياة باكرًا وتشكل ما نعرفه ب"عمالة الأطفال" وفي دراسة أعدتها الدكتورة ناهد رمزي بالمجلس العربي للطفولة والتنمية التابع للجامعة العربية تبين أن هناك عشرة ملايين طفل عربي دخلوا سوق العمل قبل السن القانونية.

وتدعو الدراسة إلى وقف تسرب الأطفال إلى سوق العمل بالشكل الذي يؤثر على مسار خطط التنمية على المدى البعيد، وتطلق الدراسة تحذيرًا من خطورة تشغيل الأطفال في أعمال غير قانونية، مؤكدة على أن عمل هؤلاء الأطفال يتم في غفلة من القانون، ويعملون في أعمال هامشية لا يتم تسجيلها بشكل رسمي، كما أنهم لا ينتمون إلى نقابة أو هيئة تعمل على حماية حقوقهم من سطوة أصحاب العمل، كما يحرمون من الضمان الاجتماعي، أو التأمين الصحي، ولا يحصلون غالبًا على إجازات مدفوعة الأجر، ولا ينال بعضهم أجرًا مقابل عمله إذا كانوا يعملون لحساب أهلهم، وفي كل الأحوال تضيع حقوق هؤلاء الأطفال لأنهم لا يملكون الحماية النقابية، ولا يستطيعون اللجوء إلى السلطات الحكومية لرعاية مصالحهم أو حماية حقوقهم، لأنهم غالبًا ما يكونون في حالة مخالفة للقانون، ورغم وجود اتفاقيات دولية تنظم تشغيل الأطفال، وتحدد السن القانونية بحيث لا يقل عن الخامسة عشرة أو الثانية عشرة، إلا أن معظم الدول العربية آثرت الأخذ باتفاقية أخرى تعطي الحق لكل دولة في تحديد سن التشغيل للأطفال وظروفه، وفق طبيعة الحياة الاقتصادية والاجتماعية في كل دولة.

العمالة في لبنان

في العام 1991 تألفت في لبنان اللجنة النيابية لحقوق الطفل ومهمتها وضع التشريعات الضرورية من أجل وضع اتفاق حقوق الطفل التي وقعها لبنان في العام ذاته موضع التنفيذ، كما انشىء في العام 1994 المجلس الأعلى للطفل الذي كلف وضع خطط وبرامج خاصة بوضع الأطفال في لبنان، والملاحظ عدم تطبيق التشريع المتعلق بتشغيل الأطفال من ضمن قانون العمل اللبناني الذي عدلت بنوده في هذا الشق في يوليو 1996 حيث رفع الحد الأدنى لتشغيل الأطفال إلى 13 سنة بدلاً من ثماني سنوات، على أن يكون رب العمل مسؤولاً عن التحقق من عمر كل من الأطفال العاملين، كما حدد بنود  هذا التشريع الحد الأقصى المسموح به لساعات العمل بسبع ساعات يوميًا تتخللها ساعة استراحة، كما يمنع تشغيل الأحداث قبل إتمامهم السن السادسة عشرة في أعمال تهدد حياتهم، كما يمنع توظيفهم في أعمال صناعية أو منهكة لصحتهم قبل إتمامهم الخامسة عشرة من العمر.

عمل وحشي

تصف الناشطة الإجتماعية لحقوق المرأة والطفل ليلى اندراوس في حديثها لـ"إيلاف"، القانون اللبناني السابق الذي يقر بالـ8 سنوات لعمالة الأطفال ب"الوحشية"، وتميز بين "عمل " الأطفال الذي لا يتعدى الساعة الواحدة خلال النهار و"عمالة" الأطفال المرهقة والمضنية، وتوضح بأن كلمة طفل تطلق على كل من كان أقل من 18 عامًا، وتشير الى أن رفع سن العمالة إلى 13 سنة كاملة " أخذ في الاعتبار الوضع الاقتصادي الرديء جدًا، بالإضافة إلى عدد الأطفال غير المنتمين إلى مدارس، كما تطرقت إلى إلزامية التعليم الذي لم يقر حتى اليوم، وتقول اندراوس:" كان مستثنى في الماضي من قانون العمل كل العاملين في البيوت وفي الأعمال الزراعية.

أعداد الأطفال

ماذا عن أعداد الأطفال العاملين ومناطق تواجدهم، وهل هناك دراسة إحصائية في هذا المجال، تجيب اندراوس بأن هناك " بداية" دراسة لهذا الموضوع بالتعاون مع اليونيسف إلا أن هناك العديد من الأسباب التي تتضافر لتجعل من الأمر صعوبة قصوى منها، عدم تواجد الأطفال مع أهلهم الأصليين، وعدم تصريح الأهل ورب العمل بأعمار أوليائهم إلا أن الظاهر والمحسوس هو تشغيل الأطفال في ظروف صعبة وقاسية.

من يراقب ويحاسب؟ المفروض وزارة العمل تقول اندراوس وذلك من خلال قيامها بجولات متتالية على المناطق المعنية، وتضيف، "عمالة الأطفال متفشية في كل بلدان العالم وبكثرة في البلدان النامية لأنها تخفض كثيرًا من أسعار الإنتاج وهي تتضارب اليوم مع اتفاقيات اقتصادية كثيرة لأنها تساعد على المنافسة اقتصاديًا ويبقى أن عمالة الأطفال من أكثر أعمال العنف التي تمارس على الأطفال ونتائجها وخيمة على الصعيد الإنساني والبدني وهناك حقيقة مجردة مفادها أن أي طفل يعنف في صغره يشكل قنبلة موقوتة في المستقبل.

وضع العمالة الاجتماعي

وتضيف اندراوس:"في أي حال يمكن تعداد الملاحظات الآتية عن الوضع العام لعمالة الأطفال في لبنان.

إن الفقر هو من أهم أسباب عمل الأطفال، ومثلت الأحداث اللبنانية حافزًا أساسيًا على زيادة نسب عمل الأطفال، إذ أن فئات كثيرة لم تعد قادرة على تعليم كل أفراد الأسرة، فبقي البعض منهم من دون تحصيل علمي، ودفع بهم الأهل إلى سوق العمل باكرًا لمساعدتهم على إعالة بقية أفراد العائلة، إلا أن الفقر ليس السبب الرئيسي، فقد يعود هذا الموضوع إلى أسباب تقليدية تتعلق بمتابعة الأطفال خطى آبائهم في أعمالهم اليدوية أو أعمال أسرهم الحرفية.

العمالة في لبنان هي في سن مبكرة، حيث الطفل لم يتمم بعد كل طاقاته الجسدية والنفسية، ولذلك انعكاسات سلبية مباشرة على قدرة هذا الطفل على الانخراط في المجتمع والاندماج فيه وكل ما من شأنه أن ينعكس أيضًا على شخصيته وبالتالي دفعه نحو مسائل يكتشفها إما بطبيعته الفضولية أو بالهواية، وفي هذا الإطار تطرح مشكلة الدور المستقبلي لهذا الطفل وتفاعله مع المجتمع.

فضلاً عن أن هناك استغلالاً بشعًا لعمالة الأطفال إذ لا يعطى الطفل الحد الأدنى للأجر ولا تتوافر له الضمانات اللازمة، ويتم استثمار عمالته بما يشبه الاسترقاق،

وتضيف اندراوس:" رغم ندرة الإحصاءات الحديثة، إلا أنه يمكن الإشارة إلى أن سوق العمل في لبنان كانت تستقطب سنويًا بداية السبعينات نحو 27 ألف يد عاملة جديدة من دون وجود رقابة على هذه اليد. وقد أدت الحرب والحاجات الاجتماعية إلى دخول فئات جديدة إلى سوق العمل منها الأطفال.