عندما تضيع أخلاق المهنة..

طبيب يرفض عمل تقرير طبي لطفل تعرض لاعتداء جنسي

تعبيرية

تعز

هرعت إلى السوق لكي تبحث عن مشترٍ لأسطوانة الغاز الوحيدة التي تمتلكها، كي توفر تكاليف المواصلات لنقل طفلها إلى المستشفى، بعد تعرضه لاعتداء جنسي.

باعت أسطوانة غاز مطبخها ووصلت المستشفى، لكن الطبيب رفض إعطاءها تقريرا كاملا عن حالة صغيرها متذرعا بالقول: ”أصحاب ابنك بيكونوا ينظروا له نظرة مش كويسة.. أنا برجع أكتب له في التقرير أنه محاولة فقط“.

لترد الأم: ”أنت طبيب اكتب في التقرير ما يمليه عليك ضميرك وشرف المهنة التي التزمت به وحلفت اليمين“.

إلهام امرأة عشرينية العمر تعيش في إحدى قرى تعز، وتعرض طفلها الذي لم يكمل عامه التاسع لعملية تحرش، وبعدما لاحظت التغييرات التي طرأت عليه حملته إلى المشفى وعرضته على الطبيب وفوجئت برفض الطبيب كتابة التقرير الفعلي للحادثة تحت ذريعة "أن الأطفال سيعزفون عن اللعب والاختلاط معه".

تقول إلهام: جلست حوالى أسبوعين الاحق الدكتور كل يوم في المستشفى عشان أخذ التقرير.. مرة يقولوا مش موجود ومرة يقولوا مشغول ومرة في العمليات، وأنا ما عندي قيمة المواصلات عشان أجلس الاحقه كل يوم من مكان لمكان.. ليش مش راضي يجيب لي التقرير؟ ايش مصلحته؟ ليش خايف أني أطالب بحق ابني؟“.

هذه هي المعاناة الحقيقية التي تفتك بآلاف اليمنيين عندما تضيع أخلاق المهنة.. ماذا بعد؟؟

ارتفاع معدلات العنف الجنسي

هناك مؤشرات في ارتفاع كبير في معدلات العنف الجنسي لدى الأطفال والفتيات بشكل خاص خلال فترة الـ3 سنوات الاخيرة في اليمن، بسبب الحرب والصراع وانهيار منظومة العدالة للأطفال والمنظومة الأمنية وغياب منظمات الدفاع المدني التي تقدم خدمات حماية ومناصره للأطفال.

ويقول أحمد القرشي، مدير عام منظمة سياج للطفولة، إن جرائم العنف الجنسي من أخطر وأشد الجرائم فتكا بالمجتمع لأنها تتسبب بعقد نفسية عند الأشخاص الذين يتعرضون للعنف الجنسي وهم أطفال وتتولد لديهم الرغبة في الانتقام عندما يكبرون.

ويضيف "الجريمة تكون في اتساع وتكاثر مستمر، وعدم وجود ردع للمنتهكين يمثل خطورة على أطفالنا جميعا ليست فقط على الأطفال الضحايا.. هناك دراسات تقول إن أكثر من 10 -15 طفلا تعرضوا لعنف جنسي ولم يفصحوا لأسباب كثيرة جدا من ضمنها الخوف وعدم وجود مؤسسات لتقديم خدمة قانونية وتوعية لأسر الضحايا".

ويتابع القول: ”مؤسسات الأمن والقضاء غير قادرة على بسط سلطتها في جميع أراضي اليمن، وهذه المشكلة عندما لا تجد ردعا تتسع وتصبح تمثل تهديدا على أسرنا جميعا وليست محصورة في مناطق معينة".

ويشدد على ”أن نحشد المجتمع لنواجه هذه المشكلة، مشيرا أن الأطفال يُغتصبون ولا يجدون من يقدم لهم دعما قانونيا أمام المحكمة“.

ويرى القرشي أن هذه فجوة كبيرة جدا جدا يتحمل وزرها المسؤولون اليمنيون الذين في المؤسسات الحكومية وتتحمل وزرها المنظمات الدولية التي تدير المساعدات الإنسانية وتذهب بها بعيدا عن مشكلات المجتمع.

ويختم حديثه بالقول: لا يكفي البوستر أو الملصق لمثل هذه القضايا الضحايا يحتاجون الى محامين في المحاكم، يحتاجون الى قضاء وأمن قادر على القيام بواجباته.

ويتأثر الطفل ذكرا كان أو أنثى، الذي يتعرض لأي من أنواع التحرش الجنسي نفسيا إذا لم يتم التعامل مع حالة الطفل الضحية بشكل سريع والاستجابة السريعة من قبل الأسرة والمجتمع وذوي العلاقة.

آثار مدمرة على الضحايا

وتقول رضية، وهي مسؤولة دعم نفسي، إن الإسعاف النفسي الأولي والاحتواء الأسري المجتمعي والدعم النفسي التخصصي من خلال الاحالة الى طبيب مختص هي اهم خطوات يجب اتباعها من قبل الاسرة وذلك للتخفيف من ردود افعال حدث التحرش الجنسي واجتياز المعاناة الجسمية والنفسية والمعالجة الآنية واعادة دمج الطفل مع المجتمع مرة اخرى.

وتشير إلى أن الآثار النفسية التي يسببها التحرش والتي قد تظهر في الطفولة او في مراحل اخرى من حياة الطفل تختلف تبعا للعوامل التالية: عمر الطفل – نوع الاعتداء – تكرار الاعتداء - شخصية الطفل – تعامل الاسرة مع الطفل – وجود الابوين بالقرب من الطفل – تلقيه اسعافا نفسيا أوليا – واساليب عم اسري ومجتمعي – ادارة حالته من قبل مختص – نظرة المجتمع للضحية – تهديد المعتدي على حياته.

وتتابع القول: هناك آثار نفسية أخرى منها الخوف الشديد من المعتدي والذي يظل يهدده اليأس والشعور بعدم الامان وخاصة اذا كان المعتدي من الاقارب، والشعور بالذنب والعار خاصة اذا تعامل معه المجتمع كمذنب لا ضحية وحاول نبذه مجتمعيا وحاول الاطفال الابتعاد عنه وتجنبه.

وتؤكد أن هذا يؤدي إلى حدوث أعراض نفسية تطرفية فيكون العائد أحد الأمرين اما الانعزال والانطواء والبعد عن الاخرين والحزن والاكتئاب الشديد واضطرابات نفسية شديدة، او مواجهة المجتمع بعنف مضاد لعنف المجتمع الذي تم ممارسته عليه، فيحاول الانتقام ويمارس التحرش بالاطفال كما حدث له وتحوله الى شخص عدواني.. وقد يجد لاحقا صعوبة في ممارسة حياته الزوجية بسبب التبول اللاارادي“.

وتشدد ”رضية“ أن ”من المهم تقديم الإسعاف النفسي الأولي للطفل الذي تعرض للتحرش وحمايته من نفسه والشخص الذي يهدده وتقديم الدعم النفسي والتخصصي لكي يستطيع أن يجتاز آثار الحدث الذي تعرض له وإعادة دمجه في المجتمع ويكون عضوا فعالاً، لا عبئا عليه".