التعامل الخاطئ..

كيف أصبحت قضية النساء في المملكة العربية السعودية

تحولات جذرية

سالمة الموشي

شهدت المرأة السعودية تحوّلا عميقا خلال السنوات القريبة الماضية. لقد أصبحت قوة جديدة لها حضور جلي في الحياة العامة، وذلك بفعل الإصلاحات السياسية والاجتماعية التي تنتهجها القيادة الحالية للخروج من دائرة الانغلاق والتصنيف النوعي للنساء، وهي اليوم قادرة على المضي بعيدا عن التحركات النفعية.

لكن، وكما يتضح من الواقع فقد أصبحت قضية النساء السعوديات اليوم موضوعا قابلا للتسييس لأعلى درجة. وأصبحت رمزا مشحونا بالتشويش حيث وظّفت لغة الحقوق وموضوع حريات النساء في السعودية بما لا يخدم الحراك النسوي في مختلف التوجهات.

في إحدى جلسات منتدى التنمية، الذي انعقد في الكويت مؤخرا، طرحت بنود لأجندة المرأة الخليجية المستقبلية خلال السنوات العشر القادمة.

تضمّنت البنود “مواجهة العنف اللفظي والجسدي ضد المرأة وإعادة النظر في وضع المرأة في التراث وتعزيز الحريات المدنية والسياسية للمرأة الخليجية وتعزيز حضورها في سوق العمل ودعم الحراك النسوي السعودي”.

وهذا البند الأخير، الخاص بالحراك النسوي، جدير بالتوقف عنده وقراءته من زاوية مختلفة. تمارس الوصاية المجتمعية على الحراك النسوي من منطلقات غير شفافة ليس من الداخل فحسب بل أصبح شأن المرأة السعودية أمرا متنازعا عليه، حيث تقوم دول مجاورة بممارسة وصايتها بدعوى الدعم والمساندة الأمر الذي لا يبدو منطقيا ولا عمليا حيث المرأة الخليجية تعيش المعطى والظرف الاجتماعي ذاته ولا ينبغي وضع المرأة السعودية كاستثناء. مع أن هذه التضامنية قد تحمل فكرة جيدة في الظاهر ولكنها على المستوى الداخلي ليست إلا تجديفا ذا نزعة استعلائية.

يُظهر هذا البند أيضا المرأة السعودية قاصرة غير قادرة على إحداث الحراك الفعلي إضافة إلى إظهار الدولة بمظهر الضد في ما يتعلق بالحراك النسوي. وهذا يتنافى مع الواقع السعودي الذي يمضي في خطوات الإصلاح الحقوقي وتغيير معطيات الواقع في ما يتعلق بالمرأة السعودية.

احتدام التوتر بين السياسي والحقوقي النسوي حول دور وأوضاع النساء في السعودية وعلى نحو متزايد والذي يتمثل مرة في المزايدات عليه ومرة في التضليل الإعلامي بحيث أصبح وضع المرأة بؤرة تركيز لأوراق وأجندات خارجية، الأمر الذي يستوقف الحراك النسوي للنظر في كونه في مأزق لا يمتّ للتغييرات المتوقعة بصلة.

في الغالب يسعى الداعون لحقوق الإنسان، وفي ما يخص المرأة السعودية تحديدا، إلى سوق الكثير من المسوغات للتدخل الكبير في ما يخص حقوق النساء.

وتبني هذا النهج في الخطاب الإعلامي كنموذج حقوقي له مسوغ سياسي ومرحلي بينما وجهه الآخر يطرح كنموذج للنفاق الدولي والإعلامي في ما يخص حقوق النساء، الأمر الذي لا تنفرد به المنظمات الحقوقية فحسب بل هو مثال للاستراتيجية الحقوقية الزائفة لتفعيل اتفاقية إلغاء كل أشكال التمييز ضد المرأة. بينما في حقيقة الأمر هي تظهر كأوراق رابحة بشكل ما سياسيا، كما حدث من دعم واستقبال لوزيرة الخارجية الكندية كريستيا فريلاند للفتاة السعودية رهف القنون في مطار تورونتو.

لا يمكن ببساطة فهم الحراك النسوي في السعودية دون التوقف عن رؤيته من خلال معطيات تطفو على السطح ولا تمثله، هروب بعض الفتيات، العنف تجاه المرأة، نزاعات تتعلق بالمعطى الاجتماعي أكثر من كونها مسارا نسويا يمثل حراكا لهوية نسوية. ما يظهر من أحداث يمثل رؤية ضبابية لحقيقة الواقع أو كما يقال هو “فشل في رؤية الغابة بسبب كل الأشجار التي تم قطعها”.

إن حراك المجتمع العالمي والإعلامي عمل على نشر المزيد من الأهمية لقضايا المرأة السعودية. فهل مثل هذه القضية تمثل هوية نسوية؟ حراكا نسويا؟ بالتأكيد لا يمثل هذا أيا منهما.

النسوية كحراك ثقافي هي قوى اجتماعية من شأنها أن تؤدي إلى التغيير الجذري وليس العمل على السطح. وهل يبدو أمر كالبند الخامس في منتدى التنمية المعلن في الكويت يقدم معطيات واقعية وداعمة للتحرك النسوي للسعوديات.

الحقيقة أن هناك خلطا بين الحركة النسوية التي تعمل بشكل بنيوي على تغيير البنية الثقافية التي نالت من وجود المرأة ككائن مستقل وبين تلك التي تعمل على التحرك المباشر في ما يخص الحقوق الخاصة والحجاب والولاية، وهي قيود مازالت قائمة، لذا تحاول الحركة النسوية الثقافية غير الراديكالية والإصلاحية أن تكون محركا للتغيير الثقافي.

بالنظر إلى الواقع الاجتماعي والسياسي الحالي يمكن النظر إلى الحراك النسوي في السعودية باعتباره نشاطا أكثر واقعية وقربا لتحقيق التوازن. النسوية تحرّك ثقافي يعمل لخلق وعي التغيير ونقد الممارسات المجتمعية والعرفية والقانونية التي تتعرض لها النساء. لهذا فالنسوية الثقافية هي بديل معتدل لتفكيك التأويلات المعادية للحركة النسوية وتغيير الصورة النمطية لما تعنيه مرادف النسوية والحقوقية. وهو ما يمثله الوعي بالمصير الذي تحدث عنه غرامشي بقوله إن الإنسان عبر الوعي الذي يمكن أن يحصّله من خبرات التاريخ يمكنه أن يصنع مصيره، وأن الظروف الموضوعية التي تحيط به اقتصاديا وسياسيا واجتماعيا، تحدّد إطار عمله، إلا أنها لا تفرض عليه أي حتميات.