عواطف دخلت عصر الاتصالات..

فالنتاين يحيي العاطفة في قلب سياسي!

الحب كتطبيق

عبدالرحمن جعفر الكناني

لم تنتف أزلية الحب يوما، فهو يجري جريان الدم في عروق البشر، وعلى هواه تنتظم نبضات القلب أو تخفق، انفعال شعوري لا يقوى أحد على كبته، وإخفائه خلف حجاب لا يلغي وجوده المحسوس، ترتسم ملامحه بين قسمات الوجوه، وتتراسل اشعاعاته بنظرات العيون على مديات البصر، وتتوارد أنباءه دون الاعتماد على قنوات الاتصال، الخاضعة لجهاز رقابي.

ملامح الحب يسطع نورها في وجه سياسي أدرك لغة الحواس وأثر بريقها الثاقب، له الحق في الاحتفال بـ "عيد الحب" وسط حشد جماهيري، دون مسافات فاصلة، يتعالى التواصل فيه بوشائج صدق عاطفة، تجردت من البغض والتناحر والكبرياء.

 السياسة لا تحيا بواقع مجرد من لغة الحواس، فالإنسان لا يحيا متزنا في ظل فراغ عاطفي، والود بين عنصري الوجود الواقعي، سياسي وجماهير، يضمن للواقع توازنه المفقود، ويحرك آليات العمل السياسي الإنساني، الذي يبلغ صداه القلب قبل العقل.

الراهب فالنتاين قتل بقرار سياسي، وأجيال الجماهير المتعاقبة في كل مكان تبعث فيه الحياة في يوم مقتله، وتصلي على روح جمعت قلبين وفق شرائع الله، ولا تسامح جلادا رأى العاطفة كفرا.

العاطفة لا تقبل خطأ الخضوع لها، والسياسي لا تستهويه المفاجآة الطارئة، وهو الصانع الماهر لخارطة طريق، يستدل بها في مسار الوصول إلى عمق الهدف المرسوم.

أنها مزايا عصر الاتصال، الذي أتاح للسياسي أدوات، تيسر العمل خلف أبواب مغلقة، لا يسمح لأحد سواه بدخولها، يرتب تفاصيل المشهد اليومي، فيرى وقائعه على الأرض عبر شاشة الكترونية، تستجيب لإرادته بلمسات ناعمة.

ولا شيء خارج نطاق السيطرة، فقد رتبت الأشياء كما رتبت الأبجدية في علوم اللغات، ورتب ميزان القوافي في بحور الشعر، والحدث أي حدث بيد صاحبه، المقتدر على إشعاله أو خفوته، طالما امتلك أدوات التنفيذ، وحدد آليات التأثير في خارطة المكان بتوقيت زمني دقيق.

لا شيء خارج نطاق السيطرة.. والآليات التقنية تنتج الحدث كما رسمت خارطته، بدقة الرسم الهندسي، فتجني نتائجه خالصة، لا لبس فيها، دون الحاجة إلى استحداث قانون طوارئ يخضع لقانون الفعل ورد الفعل.

وبين الحب والسياسة يتسع الفارق، فشتان ما بين فعل سياسي مجرد من أي أثر عاطفي، وبين الحب كقيمة إنسانية أزلية، قدرية، تتسامى به الروح في فضاءات النشوة، ترسم المشاعر المجردة من كل سوء خارطته الأبدية.

لعلنا نجد المفتاح لأبواب مغلقة على معرفة حسية لواقع يأبى البقاء حيا دون تآلف الروح والعقل، فأدركنا الحقيقة البعيدة عن الأنظار في عالم راهن لا يعرف الهدوء، في عصر القواعد لا المبادئ، وأبقت الباب مفتوحا على طقوس مشاعر عاطفية، ازدانت بألوان بهية في يوم عيدها، يعانق فيها السياسي جماهيره بلغة الحواس دون حواجز أو استعلاء.