مسارات مُتشابكة..

رحلة تحول تركيا والإخوان من الترابط الفكري إلى التوجه البراجماتي

أردوغان

وكالات

أثارت عملية ترحيل الإخواني محمد عبدالحفيظ، المحكوم عليه بعقوبة الإعدام إلى مصر، على خلفية الاتهامات الموجهة له باغتيال النائب العام هشام بركات، العديد من التساؤلات حول حدود العلاقة بين تركيا وجماعة الإخوان؟ خاصة أن جماعة الإخوان (أسسها حسن البنّا في مصر عام 1928) تمثل العمود الفقري فكريًّا لمحورية تلك العلاقة بين أنقره والجماعة؛ إذ يتشاركان نفس الرؤية لدول الشرق الأوسط؛ حيث دعمت أنقرة «الإخوان»، التي وجدت في الربيع العربي فرصة للانقضاض على الأنظمة الحاكمة في المنطقة، التي لطالما حظرت هذه الحركة.

ياسين أقطاي

بين البراجماتية والتوافق

يعدّ السمت البراجماتي من أهم السياسات، التي تتبناها تركيا في علاقاتها مع الدول والجماعات دون مستوى الدول، وما يعتريها من تقلّب بصورة دائمة في المصالح السياسية والأولويات، وبالتالي أبرزت تلك العملية العديد من الاستفهامات حول ما إذا كانت تركيا ستتخلى عن دعمها لجماعة الإخوان، التي توفر لهم الدعم المالي والسياسي وتأوي العديد من العناصر الهاربة منهم؟ أم أنَّ هناك نمطًا مُحددًا لتلك العلاقة يقوم على فكرة أن الإخوان بمثابة الأداة التركية التي تستخدمها للتعبئة والترويج لمشروعاتها الاستعمارية. وهل الإخوان كانوا دومًا يعرفون ذلك ويحاولون تقاسم الأهداف والوسائل؟ خاصة في ظل التوقيت الذي تشهد فيه استراتيجية الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بالمنطقة انعطافات مفتوحة على العديد من الملفات العالقة.

وفيما يلي، أبرز ردود الأفعال من الجانبين التركي وجماعة الإخوان بشأن ترحيل «محمد عبدالحفيظ»؛ حيث إن هناك العديد من المؤشرات على تعامل السلطات التركية مع هذه القضية بجدية، أهمها محاولات «ياسين أقطاي» مستشار الرئيس التركي؛ إذ حاول تبرير موقف السلطات التركية من عملية الترحيل، قائلًا: إن الشاب المصري وصل إلى مطار «أتاتورك» في إسطنبول قادمًا من مقديشو بتأشيرة غير مناسبة، وهذا ما دفع المسؤولين إلى ترحيله.

وأوضح «أقطاي»، أن تحقيقًا سيُفتح في مسألة ترحيل الشاب؛ لأن الشاب لم يطلب اللجوء السياسي إلى تركيا، وأن المسؤولين لم يعلموا بوجود حكم إعدام ضده إلا بعد ترحيله بأيام. (1)

على صعيد متصل، أوضحت شعبة الجوازات والأجانب في مطار أتاتورك الدولي، تفاصيل وملابسات الواقعة منذ وصول الشاب المصري إلى نقطة الجوازات، ومحاولته الدخول إلى الأراضي التركية، مضيفة: «بعد التدقيق تبيّن أنه لا يحمل الشروط المعتمدة في الحصول على تأشيرة دخول تركيا، فتمت إحالته إلى مركز تدقيق الجوازات، وبعد إجراء التحقيقات تبين أنه يخالف شروط الفيزا نوع B1، بعدها تم إصدار قرارٍ باعتباره مسافرًا غير مصرح له أن يدخل البلاد، وتمت الإجراءات اللازمة لإعادته إلى مقديشو».

وكشفت شعبة الجوازات، أن المتهم رفض الذهاب إلى مقديشو، مفسرًا ذلك برغبته في المتابعة إلى النقطة التالية حسب تذكرة سفره أي القاهرة، علمًا أنه تأخر عن موعد الطائرة المتجهة إلى القاهرة في تاريخ 17 يناير2019،  في الساعة 07:25، بسبب محاولته الدخول إلى تركيا بشكل غير قانوني، فتم تعديل موعد السفر للساعة 19:10 من اليوم نفسه.

وتابعت: «قبل لحظات قليلة من السفر، أبلغنا بأنه لا يريد الذهاب أيضًا إلى القاهرة، وبعد الانتظار في مطار أتاتورك الدولي تم تعديل التذكرة لتصبح عند الساعة 01:30 تاريخ 18 يناير 2019؛ حيث ركب الطائرة بمرافقة موظفي الخطوط الجوية التركية ليسافر إلى القاهرة، وخلال فترة وجوده بالمطار لم تتلق قوات الأمن بلاغات أو طلبات حماية دولية؛ حيث إنه لو كان هناك أي طلب من هذا القبيل كان سيتم إيقاف الترحيل لحين انتهاء الإجراءات الدبلوماسية».(2)

في السياق ذاته، ذكرت صحيفة «مللي غازيته» التركية، أن الشاب الإخواني وصل إلى مطار إسطنبول يوم 16 يناير الماضي، وتم ترحيله بعد يومين إلى مصر رغم تقدمه بطلب لجوء سياسي إلى تركيا، وتعدّ عملية ترحيل «عبد الحفيظ» من قبل السلطات التركية هي الأولى من نوعها لعضو في جماعة الإخوان إلى مصر.

ردود فعل الجماعة

 

تعرضت السلطات التركية لحملة انتقادات من شباب منتمين للجماعة يقيمون في تركيا، مؤكدين علم السلطات التركية بالحادثة ولم تتدخل لمنعها، وتجلت هذه الردود في إعلان الإعلامي المصري الإخواني «هيثم أبو خليل»، أن تركيا رحلت «عبدالحفيظ» إلى مصر ما يعدّ سابقة هي الأولى من نوعها(3)، كما دشنت مجموعة من شباب الجماعة حملات عدة للتنديد بتسليم مطالبين بالتحقيق مع قادة الجماعة الذين تقاعسوا عن التدخل لمنع ترحيله، بحجة أنه لا ينتمي للجماعة، وأنه ينتمي لما تسمى بـ«حركة الجهاد الإسلامي».

فيما شهدت جمعية  «رابعة» الإخوانية، التي تعتبر مقرًا لشباب الجماعة، اعتصامًا لعدد من عناصر الجماعة؛ اعتراضًا على عدم التدخل ومنع ترحيل «عبد الحفيظ»، فضلًا عن تقاعسهم لوقف ترحيل شاب آخر يدعى «عبد الرحمن أبوالعلا» جاء إلى تركيا قادمًا من السودان منذ 6 أشهر، واحتجز لفترة في مطار أتاتورك، قبل أن يتم إيداعه أحد السجون بغازي عنتاب.(4)

في المقابل، كشف «عبدالرحيم الصغير» نجل القيادي الإخواني محمد الصغير، أن قيادات الجماعة في إسطنبول تنصلوا من المتهم، وكتب الصغير على صفحته الرسمية عبر موقع التواصل الاجتماعي «فيس بوك»: «بخصوص الشاب الذي رحل لمصر، اتصلت الحكومة التركية على من يتواصلون معه، فقال لهم القيادي هذا جهادي ولا يتبع لنا.. سمعت التسجيل بأذني والله على ما أقول شهيد».(5)

بدوره، قال صابر أبو الفتوح، القيادي الإخواني: إنه علم من محمود غزلان، القيادي بالجماعة ذاتها، بدخول الشاب تركيا قادمًا من الصومال بتأشيرة مزورة، وقبض عليه لكونه ينتمي لأحد التنظيمات المتطرفة، وقال إنه أخبر السلطات التركية بانتمائه للتطرف، مضيفًا أنه أرسل محاميًّا تركيًّا للمطار لمعرفة سبب القبض عليه، وعلم المحامي بنقله لمكان آخر.

وأشار في تسجيل صوتي، إلى أن الشاب لم يكن يعلم بكيفية التواصل مع القيادات الإخوانية في تركيا، مؤكدًا أن إدارة الهجرة أبلغته أن الشاب مازال موجودًا في تركيا ولم يتم ترحيله لمصر بعد.(6)

أردوغان

سيناريوهات محتملة

يمكن القول إن العلاقة بين تركيا والإخوان قد تكون اصطدمت بتغيرات استجدت على برنامج وأولويات «أردوغان» في الشرق الأوسط، وأن العلاقات مع الجماعة قد تعيق مُستقبل دورها الإقليمي في المنطقة، خاصة في ظل حالة الرفض الإقليمي لوجود هذه الجماعة، ويمكن ربط هذا التحول رغم الإعلان الرسمي التركي بعدم معرفتها بهذه القضية بعلاقات تركيا بالفواعل الإقليمية والدولية، خاصة روسيا وسوريا، والاتفاق حول الخروج من إدلب، ودعم الجماعات المسلحة.

على جانب آخر، عند الحديث عن العلاقات «التركية- العربية» نجد أنها شهدت العديد من الأزمات والتحولات السلبية على خلفية دعم تركيا للعديد من الجماعات الإرهابية المسلحة ومن بينها «الإخوان» المصنفة إرهابية في معظم الدول العربية، بيد أن تركيا قد تستثمر ورقة الإخوان بمثابة ذريعة أيديولوجية وسياسية تعتمد على العلاقات الجيدة والحماية والمأوى، وكل ما توفره تركيا للإخوان وقياداتهم على أراضيها لتهديد الدول العربية وأمنها.

من جانب الإخوان؛ فإن التضارب الذي أصاب الجماعة فيما يتعلق بالتصريحات حول انضمام «محمد عبدالحفيظ» إلى الجماعة خاصة بعد قيامه بعملٍ إرهابي واضحٍ في مصر، فتنصلت الجماعة منه على أساس ألا تضع دليلًا على نفسها بأنّها مارست العنف، وهو ما يمكن أن تستجيب له السلطات التركية بترحيل «عبدالحفيظ»؛ ما يعني تغييرًا في سياستها مع أعضاء الإخوان.

وعليه، إن هناك العديد من المؤشرات التي تحمل دلالات عدة يمكن من خلالها فهم خريطة العلاقات بين أنقرة وجماعة الإخوان؛ كونها تستند على قاعدة براجماتية أكثر من كونها علاقة أيديولوجية، وإن كانت تحمل هذا النهج، فإن المصالح التركية في سياستها قد تدفعها إلى التخلي عن دعم الجماعة -إذا ما ارتأت ذلك لمصلحة أمنها ودورها الإقليمي-.