تقارير..

ماذا تريد كينيا من الصومال؟

باحثة متخصصة في الشئون الأفريقية والحركات المتطرفة

د/ نرمين توفيق

في الأيام الأخيرة حدث تصعيد دبلوماسي بين دولتين استراتيجتين من دول منطقة القرن الأفريقي وهما الصومال وكينيا، حيث استدعت كينيا لوكاس تومبو سفيرها لدى الصومال، وطالبت محمد نور ترسن سفير الصومال لديها، بمغادرة البلاد بسبب نزاع على مناطق التنقيب عن النفط في منطقة الحدود البحرية بينهما؛ بعد اتهامها للصومال بتجاهل المعايير الدولية في حل النزاعات الحدودية والخلافات السياسية من خلال بيع حقول نفطية في المناطق المتنازع عليها بين الدولتين في مزاد علني أثناء مؤتمر لندن في 7 فبراير الجاري.

وذلك بعدما أفادت تقارير إعلامية بأن الرئيس الصومالي محمد عبدالله فرماجو ينوي بيع 50 حقلا نفطيا يقع بعضها في المنقطة المتنازع عليها بين كينيا والصومال لشركات عالمية في هذا المزاد.

وأوضحت وزارة الخارجية الكينية أن استدعاء سفيرها في الصومال جاء إثر "طرح الحكومة الصومالية عطاءات التنقيب عن النفط والغاز في المنطقة البحرية الكينية، الواقعة على الحدود مع الصومال"، وهي منطقة متنازع عليها بين الطرفين، ووصفت الخارجية الكينية الخطوة الصومالية بـ"المؤسفة والفاضحة"، مؤكدة أنها طالبت السفير الصومالي محمود أحمد ترسن بمغادرة البلاد دون تحديد مهلة زمنية لعودته.

على الجانب الأخر أصدرت الحكومة الصومالية بيانا ردت فيه على قرار الحكومة الكينية، حيث أشار البيان إلى أن الحكومة الفيدرالية الصومالية تؤكد لشعبها أنها قائمة للحفاظ على سيادة البلاد ووحدة أراضيها، وأعربت الحكومة عن استيائها مما ورد في تصريحات وزارة الخارجية الكينية معتبرة أن تلك التصريحات، التي وصفتها بالبعيدة عن الواقع، تضمنت إساءة إلى كرامة الصومال ومساسا بحسن الجوار بين الشعبين الصومالي والكيني.

وأكدت الحكومة أن مؤتمر لندن بشأن النفط في الصومال تم فيه عرض خريطة الحقول النفطية في المناطق البحرية الصومالية، مضيفة أنه لم يتم أثناء المؤتمر بيع حقول نفطية في مزاد علني.

وأضاف البيان أن الحكومة الصومالية واثقة بالدعوى القضائية التي قدمتها إلى محكمة العدل الدولية، معبرة عن أملها في أن تنظر المحكمة في النزاع في الحدود البحرية بين الصومال وكينيا بشكل عادل ودعت إلى انتظار قرار المحكمة.

التصريحات السابقة تعكس التوتر بين الطرفين، غير أنه لا يرجع إلى الحادثة السابقة، بل إن الأمر يعود لسنوات، حيث يتهم المحللون الصوماليون كينيا بأنها حاولت منذ البداية استغلال حالة الضعف وأحداث الفوضى الموجودة في الصومال؛ لوضع يدها على منطقة بحرية تتبع سيادة الصومال وتقدر بـ 142 ألف كم2، لأنها غنية بالموارد، غير أن الحكومة الكينية ترفض تلك الاتهامات.

وسنحاول في السطور القادمة استعراض طبيعة الأزمة بين الطرفين من خلال المحاور التالية:

أولا- جذور الأزمة :

قامت ثلاث قوى استعمارية كبرى وهي فرنسا وبريطانيا وايطاليا بتقسيم الصومال قبل الاستقلال وتوزيع أقاليمه إلى خمس جهات هي:

أوجادين أو الصومال الغربي لصالح إثيوبيا، وإقليم إنفدي (NFD) لصالح كينيا، فضلا عن الصومال الفرنسي( جيبوتي)، والصومال الإيطالي، والصومال البريطاني، ورسمت هذه القوى حدوده السياسية وفق مصالحها دون مراعاة لسكانه، حتى من استقل من أجزائه كجيبوتي وضعوا له شروطا تحول دون انضمامه مستقبلا إلى الصومال الأم؛ بهدف بقاء هذا التمزق مسار صراع مستمر بين الصوماليين وكل من إثيوبيا وكينيا وجيبوتي؛ من أجل تمكن الدول الغربية من التدخل في منطقة القرن الأفريقي في الوقت الذي تريده، ومنذ استقلال الصومال رسميا عام 1960 تعيش الأجيال المتلاحقة على أمل أن يتوحد كامل تراب الصومال تحت راية واحدة وهو الصومال الكبير، وعلى هذا الأساس أداروا الصراع في الداخل والخارج.

ثانيا- تصعيد كينيا لمسألة الخلاف على الحدود البحرية مع الصومال:

تسعى كينيا إلى أن تكون لاعبا إقليميا في منطقة القرن الأفريقي، وهذا جعل من مصلحتها الحفاظ على حالة عدم الاستقرار الموجودة في الصومال منذ انهيار نظام الرئيس سياد بري في بداية التسعينيات من القرن العشرين.

وظهر بوادر النزاع الحدودي البحري بين الصومال وكينيا في عهد الرئيس شريف شيخ أحمد، عندما حاولت الحكومة الكينية عام 2009 توقيع مذكرة تفاهم مع الصومال بزعامة رئيس الوزراء عمر عبدالرشيد علي شرماركي في نيروبي، أثناء سعي الصوماليين والمجتمع الدولي لإخراج الصومال من المرحلة الانتقالية فيما عُرِف بوثيقة "خارطة الطريق لإنهاء المرحلة الانتقالية"؛ حيث كانت مسألة ترسيم الحدود البحرية مع كينيا جزءًا من تلك الخارطة، إلا أن البرلمان الصومالي آنذاك رفض تلك الاتفاقية.

واعتبر أعضاء البرلمان أن الاتفاقية أداة كينية لنهب مناطق بحرية صومالية وتشكل تهديدا على سيادة الصومال، وأنها تستغل الضعف الذي تعاني منه الصومال، لما ورد فيها من تحديد سير الحدود البحرية إلى الشرق وذلك بمحاذاة خط العرض من النقطة التي يلتقي فيها البلدان على الأرض، بينما ترى الحكومة الصومالية أن خط الحدود يجب أن يستمر إلى جنوب الشرق إلى البحر بمحاذاة الصومال.

ثالثا- تدخل كينيا في الصومال عسكريا عام 2011:

تدخلت كينيا عسكريًّا في جنوب الصومال في أكتوبر2011 تحت ذريعة محاربة حركة الشباب المجاهدين التي اتهمتها بخطف وقتل موظفي إغاثة أجانب داخل أراضيها؛ وفي ديسمبر من العام نفسه قررت أن تضم قواتها إلى قوات بعثة الاتحاد الأفريقي في الصومال«أميسوم».

وكانت هذه هي المرة الأولى التي تتدخل فيها كينيا عسكريا في الصومال بشكل مباشر، غير أن هذه المناوشات ليست حديثة، وإنما تعود إلى مرحلة استقلال كينيا عن بريطانيا؛ بسبب ضم الاستعمار البريطاني إقليم إنفدي (NFD) (Northern Frontier District) الإقليم الشمالي لها، ورفضت عقب الاستقلال إعادته إلى الصومال بالرغم أن 90% من سكانه صوماليون؛ مما أدى إلى اندلاع مناوشات عسكرية بين الصومال وكينيا خلال الفترة 1963-1966م، وهو ما دفعها إلى التعاون الوثيق مع إثيوبيا لإنشاء جبهة مشتركة ضد المطالب الصومالية.

ومنذ هذا الوقت اختلفت أدوات التدخل الكيني في الصومال، فتارة كان التدخل سياسيا عبر استضافتها لمفاوضات المصالحة الوطنية الصومالية التي عُقِدَتْ في مدينة ألدوريت 2002-2004، وتارة عسكريا غير مباشر بدعمها لبعض حركات المعارضة للأنظمة المتعاقبة، ليصل الأمر في 2011 إلى تدخل عسكري مباشر في الأراضي الصومالية.

وأثار هذا التدخل خلافات سياسية في الصومال بين مؤيدين ومعارضين له، فالمؤيدين رأوا أنه يأتي لمحاربة خطر حركة الشباب، والمعارضون أكدوا أنه يأتي في سياق السيطرة على الثروات الطبيعية للبلاد، وأن شعار محاربة الإرهاب الممتد في مناطق القرن الأفريقي يظل مجرد عبارات للاستهلاك الإعلامي، وأنها ما تدخلت إلا للسيطرة على الثروات الموجودة فوق تراب وشواطئ الصومال، وللسيطرة على ميناء كيسمايو الاستراتيجي بجنوب الصومال، والسعي لإقامة منطقة عازلة بطول 100 كم داخل الأراضي الصومالية الملاصقة للحدود الكينية.

وهذا التدخل جعل كينيا مرمى لضربات حركة الشباب المجاهدين والتي استطاعت تنفيذ عمليات قوية داخل العمق الكيني، مثل:

أ- احتجاز الرهائن في مول ويست جيت التجاري بكينيا في سبتمبر 2013

هاجم 4 عناصر مسلحين من حركة الشباب مول ويست جيت التجاري بكينيا في سبتمبر 2013، حيث أطلقوا النار بشكل عشوائي واحتجزوا عشرات الرهائن، وخلال الهجوم والاشتباكات مع قوات الأمن، التي امتدت على مدى أربعة أيام، تم قتل 70 شخصا، وأدت هذه الحادثة إلى إغلاق كينيا هذا المول لمدة عامين بعدها.

ب- الهجوم على جامعة غرسيا بكينيا 2015

قامت عناصر من حركة الشباب المجاهدين بالتسلل داخل الحدود الكينية واقتحام جامعة غرسيا التي تقع شمال شرق كينيا وتبعد عن الحدود الصومالية بحوالي 150 كم، وأوقعت عدد كبير من القتلى معظمهم من طلاب الجامعة بلغ 147 شخصا، ويعد هذا الهجوم الأكثر دموية في كينيا منذ الاعتداء على السفارة الأمريكية في نيروبي في 1998 والذي راح ضحيته 213 شخصا وأعلن تنظيم القاعدة مسؤوليته عنه.

ج- الهجوم على القاعدة العسكرية للقوات الكينية في مدينة (عيل عدي) جنوب غربي الصومال 2016

شنت حركة الشباب المجاهدين في يناير 2016 هجوما شرسا على قاعدة عسكرية للقوات الكينية في عيل عدي بجنوب غرب الصومال قتلت فيه أكثر من 100 جندي كيني، وأسرت أعدادا منهم، كما استولى المقاتلون على مدرعات وعربات وكميات ضخمة من الأسلحة والذخائر والعتاد العسكري... وكل هذه الأمور تعكس التوترات الموجودة بين كينيا والصومال.

رابعا- اللجوء إلى محكمة العدل الدولية:

نعود مرة أخرى للحديث عن أزمة الحدود البحرية بين الطرفين، فبعد رفض البرلمان الصومالي لمذكرة التفاهم التي وقعتها كينيا مع الحكومة الانتقالية في 2009، تجدد النزاع حول الحدود البحرية بين الدولتين مباشرة في 2012 بعدما حددت كينيا ثمانية امتيازات بحرية مطروحة للترخيص للتنقيب عن البترول، يقع سبعة منها في المنطقة المتنازع عليها مع الصومال.

وبدأت شركات دولية القيام بعمليات التنقيب بعد تعاقدها مع الحكومة الكينية، وهو ما أثار غضب الحكومة الصومالية والتي طلبت من الشركات الدولية العاملة في التنقيب في المنطقة المتنازع عليها الانسحاب من المنطقة التي تقع في المياه الصومالية، ووفقا لمسؤولين حكوميين، توقفت الشركات الدولية من عمليات التنقيب في المنطقة المتنازع عليها، غير أن شركة “إي أن آي” الإيطالية رفضت وقف عمليات التنقيبت؛ مما دفع الصومال إلى تقديم شكوى ضد هذه الشركة إلى الحكومة الإيطالية للضغط عليها لوقف أعمالها التنقيبية في المياه الصومالية التي تتعارض مع القوانين التي تنظم الحدود البحرية، إلا أن روما لم ترد على طلب الحكومة الصومالية.

بعد ذلك توجهت الحكومة الصومالية إلى بدء مفاوضات مع نظيرتها الكينية لحل النزاع الحدودوي البحري بين الدولتين عبر المفاوضات والقنوات الدبلوماسية وبدون تدخل أية جهات خارجية، إلا أن الحكومة الصومالية أعلنت فشل المفاوضات بينها وبين الحكومة الكينية بشأن النزاع الحدودي البحري، ورفعت إلى محكمة العدل الدولية شكوى ضد كينيا في ٢٨ من شهر أعسطس ٢٠١٤، بهدف حسم النزاع بين الدولتين بواسطة المحكمة الدولية.

وأكد المحامون الذين يمثلون الصومال في قضية النزاع الحدودي البحري بين كينيا والصومال أمام محكمة العدل الدولية أن المنطقة المتنازع عليها بين الدولتين تقدر بـ حوالي 142.000 كم مربع، وأشار رئيس الهيئة الوطنية للبحوث والدراسات البحرية وقتتها الأدميرال فارح قري في تصريح لإذاعة مقديشو صوت الجمهورية الصومالية المتنازع عليها تقع في المياه الصومالية، منوهًا بأن مساحتها تمثل 19% من الأراضي الصومالية، وأكدت الصومال في المذكرة التي قدمتها إلى محكمة العدل الدولية في يوليو 2015 أن المناطق التي تدعيها كينيا واقعة في المياه الصومالية، وفقا لما ذكره مركز مقديشيو للدراسات والبحوث في تقرير بعنوان "قراءة في قضية النزاع الحدودي البحري بين الصومال وكينيا".

وعقدت المحكمة أول جلسة استماع للمحكمة في الفترة 19-23 سبتمبر 2016، وقدم الصومال وثائق تثبت الحد البحري الصحيح، ثم في الجلسة الثانية في أواخر عام 2017، فاز الصومال بأولى جولات النزاع؛ بعدما رفض قضاة محكمة العدل الدولية، المزاعم التي توجه بها محامو كينيا، الأمر الي دفع كينيا للدفع بزعم عدم اختصاص محكمة العدل الدولية، والمضي قدمًا في مشاريعها النفطية، ولم تصدر محكمة العدل الدولية حكما نهائيا حتى الآن في هذا النزاع.

خاتمة

يتضح من العرض السابق أن كينيا ليس لديها ما يثبت أحقيتها في المنطقة البحرية المتنازع عليها مع الصومال، باسثتناء اتفاقية كانت قد وقعتها مع إحدى الحكومات الانتقالية للصومال في وقت كان فيه الصومال مضطربا بالإضافة إلى أن البرلمان الصومالي رفضها، وفي ذات الوقت لم تحصل كينيا على حكم من محكمة لاهاي الدولية بأحقيتها بهذه المنطقة.

وأخيرا يمكن القول أن الاجراءات التصعيدية التي اتخذتها كينيا باستدعاء سفيرها من الصومال، والطلب من سفير الصومال لديها مغادرة البلاد، تزيد من التوتر في منطقة القرن الأفريقي وهي منطقة ملتهبة بالأساس، تؤثر على استقرار منطقة شرق أفريقيا ودول حوض النيل والخليج العربي، وأي تصعيد للأمور لن يكون في صالح كينيا ولا الصومال ولا دول الجوار؛ لأنه سيعطي الفرصة بشكل أكبر لحركة الشباب المجاهدين للقيام بالمزيد من الأعمال الإرهابية في المنطقة، واللجوء إلى ضبط النفس والوسائل الدبلوماسية هو الخيار الأفضل لكينيا والصومال وباقي دول المنطقة، وبما أن الدولتين ارتضتا اللجوء إلى محكمة العدل الدولية فعليهم انتظار الحكم الذي ستصدره المحكمة الدولية.