صفقة القرن..

"تحليل إخباري": "صفقة القرن".. هل تحصد الفشل

"صفقة القرن" تُمنى بفشل ذريع

القدس

تفيد كل الدلائل على أن مساعي جاريد كوشنر، صهر الرئيس الأميركي دونالد ترامب ومستشاره الأول لعملية التسوية في الشرق الأوسط، ومبعوث ترامب للمفاوضات الدولية جيسون غرينبلات لدول مجلس التعاون الخليجي الهادفة جمع 65 مليار دولار، منها 25 مليار لدعم الفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة المحاصر على مدار عشر سنوات و40 مليار دولار لدول المنطقة (مصر الأردن ولبنان) باءت بفشل كامل، وان "فريق كوشنر فشل في الحصول على أي تعهد رقمي بشأن دعم الخطة القائمة على تحقيق السلام على أسس الإنعاش الاقتصادي والفوائد المالية للفلسطينيين" كما قال مصدر مطلع لـ"القدس".

وبحسب المصدر فقد "أخبر البحرينيون والإماراتيون كوشنر وغرينبلات بأنهم سيقبلون بما تقبل به المملكة العربية السعودية، في حين أخبره السعوديون بأنهم سيقبلون بما يقبل به الفلسطينيون، الأمر الذي يعيدنا إلى المربع الأول في التقدم بتحقيق بنود خطة سلام الرئيس ترامب" مشيرا الى أن "هذا لا يعني أن الخطة المقرر لها أن تعلن بعد الانتخابات الإسرائيلية سيتم وضعها على الرف، ولكن حشد الدعم لها تراجع كثيرا في الأشهر الأخيرة".

وفي هذا السياق عبر كل من ديفيد ماكوفسكي، مسؤول البرامج الفلسطينية - الإسرائيلية في منظمة "معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى" الذي انبثق عن منظمة اللوبي الإسرائيلي إيباك، ودينيس روس، الذي عمل مبعوثا أميركيا لمفاوضات السلام الفلسطينية الإسرائيلية لعشرات السنين تحت إدارات جمهورية وديمقراطية مختلفة، ويعمل حاليا كمستشار أول في" معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى" في حديث لهما يوم الخميس الماضي (28/3/2019) في المعهد الملكي للخدمات المتحدة (RUSI) في العاصمة البريطانية لندن (ووزعته المنظمة)، عبرا عن قناعتهما بفشل مبادرة الرئيس الأميركي ترامب (صفقة القرن) فشلا كاملا.

ويعتبر الباحثان ماكوفسكي وروس من أشد أنصار إسرائيل في العاصمة الأميركية، وتدرجا بالفعل إلى قمة سلم التفاوض الأميركي مع الفلسطينيين، ونقلا وجهات النظر الإسرائيلية في معظم الأحيان. وقام ماكوفسكي في عام 2013 / 2014 في المفاوضات الأخيرة تحت رعاية وزير لخارجية السابق جون كيري (إدارة أوباما) بإعداد الخرائط التي تُبقي على المستوطنات الإسرائيلية تحت السيطرة الإسرائيلية في أي خطة انسحاب من الضفة الغربية مقابل أراض للفلسطينيين في النقب.

وما جاء واضحا في مداخلات الرجلين هو أن اتفاق السلام، الذي لا تزال تفاصيله سرية، محكوم بالفشل. وقال ماكوفسكي "لو تركت تفاصيل الخطة (التي يعمل عليها كوشنر وغرينبلات) للمستشارين العارفين، فإنهم سينصحون بعدم متابعة هذه الصفقة" لأن مخاطر فشلها عالية جدا، وأن "كل فشل يأتي مع تكلفة باهظة".

يشار إلى أن هذه هي المحاولة الرابعة لتحقيق صفقة سلام شاملة تحت الرعاية الأميركية، في الوقت الذي وصلت الفجوة بين الطرفين، الفلسطيني والإسرائيلي إلى حد يصعب جسره بعد عقود من الجهد، وارتفعت حدة عدم ثقة الطرفين أحدهما بالآخر، إلى حدود غير مسبوقة في حين أن ثقة الفلسطينيين بالولايات المتحدة كوسيط نزيه تبخرت بشكل كامل بعد الخطوات المتتابعة التي اتخذتها إدارة الرئيس ترامب في تبني المواقف الإسرائيلية مثل الاعتراف بالقدس المحتلة عاصمة إسرائيل ونقل السفارة الأميركية إليها في تحد واضح للإجماع الدولي، ومن ثم محاولة تصفية القضية الفلسطينية عن طريق إنهاء قضية اللاجئين والعمل على إفلاس وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا"، ومن ثم قطع كافة المساعدات للفلسطينيين، وأخيرا إغلاق القنصلية الأميركية في القدس التي عملت كبعثة للفلسطينيين منذ 175 عاما.

وقال روس حول هذه النقطة، ان عامل الثقة بين الأطراف تبدد بشكل كامل، وأنه ليس هناك أدنى حد من الاعتقاد لدى أي من الطرفين، الفلسطيني والإسرائيلي بأن احتمال التوصل إلى اتفاق لا يزال قائما. وقال إنه بدون إيمان لا توجد فرصة للتوصل إلى اتفاق "ما فقد بالكامل هو الشعور بأن هناك إمكانية للتوصل إلى اتفاق مهما كانت ضئيلة. يجب إعادة صياغة هذه الإمكانية بطريقة ما".

ويعتقد خبراء ومراقبون أن إحياء عملية السلام يشكل تحديًا كبيراً بحد ذاته، ولكن ما يجعل الأمر أكثر صعوبة بالنسبة لإدارة ترامب هو حقيقة أن الثلاثي الذي فوض بهذه المهمة - صهر ترامب كوشنر، وجيسون غرينبلات، وسفير ترامب في إسرائيل ديفيد فريدمان، يرتبطون ارتباطًا وثيقًا بحركة المستوطنين غير القانونية في الضفة الغربية المحتلة.

يشار إلى أن مؤسسة كوشنر العائلية قامت بتمويل الاستيطان بأكثر من 18 مليون دولار (مستوطنة بيت إيل حسب سجلات العائلة) فيما جادل فريدمان ، الذي احتفظ بمقعد في مجلس إدارة مستوطنة بيت إيل، ودافع عن المستوطنات ونفى ان تكون (خلافاً للقانون الدولي) غير قانونية فيما أكد غرينبلات بدوره، وفي تحد واضح لخبراء القانون الدولي أن المستوطنات "ليست عقبة في طريق السلام".

وتماشيا مع نهج الرئيس ترامب تجاه الشؤون الخارجية، فقد تجنب كوشنر الأنظمة والهياكل والمعايير التي تُستخدم عادة كأدوات أساسية للدبلوماسية، ويتفق مع ترامب بأنه لا يحتاج إلى أي من أجهزة الحكومة الأميركية أو أفكار الخبراء الأكثر تجربة والأقدم والأكبر سناً في الشرق الأوسط، ومن وجهة نظره العالمية المحدودة للغاية ، فالامر ليس إلا مجرد صفقة عقارية أخرى كبيرة.

ووصف ماكوفسكي في مداخلته الخميس الماضي نهج الثلاثي (كوشنر، غرينبلات، فريدمان) بأنه "حفرة مقفلة". ويرى خبراء آخرون أن هاجس السرية ورفض التشاور مع مفاوضي السلام في الشرق الأوسط يعرفون ببساطة أنهم إما مصابون بجنون العظمة والغطرسة، أو أن الخطة لا تعدو كونها الرؤية الإسرائيلية، ويعملون على حشد دعم عربي لها قبل إصدارها. كما يبدو أن كوشنر يعتقد بأن مشروعه، الذي وصفه ماكوفسكي بانه "اقتصاد زائد زائد"، سيقنع القيادة الفلسطينية بالتخلي عن بعض، إن لم يكن جميع "القضايا الساخنة" حق عودة اللاجئين، والحدود على ما كانت عليه قبل عام 1967، والأمن وقضية القدس المحتلة كعاصمة للدولة الفلسطينية القابلة للحياة، في مقابل منافع اقتصادية.

ورغم الرفض الفلسطيني الكامل للتوجهات والخطط الأميركية، وقطع العلاقات أيضا بشكل كامل بين الفلسطينيين وواشنطن، فمن الواضح أن كوشنر-الذي يعاني من العديد من المشاكل القانونية، يعتقد أن الفوائد من صفقة القرن ستتدفق مثل الماء في الصحراء، وأن هذا الدعم سيأتي معظمه من سخاء دول الخليج ، على وجه الخصوص، المملكة العربية السعودية، خاصة وأنه (كوشنر) على علاقة خاصة مع ولي العهد السعودي والحاكم الفعلي محمد بن سلمان، ولكن يبدو أن الدعم الذي راهن عليه كوشنر لم يخرج إلى السطح" بحسب المصدر.

ويعتقد الخبراء ان السعوديين ليسوا مستعدين لتسويق خطة "صفقة القرن" ما لم تفصح الولايات المتحدة عن تمسكها بحل الدولتين والقدس الشرقية المحتلة عاصمة لها. وقال روس حول هذه النقطة إن "القادة العرب لن يقولوا علانية للفلسطينيين أنه يجب عليكم قبول صفقة كوشنر".

وأضاف إنه في أفضل الحالات، يمكن للقادة العرب أن يقولوا "لدينا أسئلة وتحفظات، لكن من الممكن أن تشكل أفكاركم أساسا للمفاوضات. وبعبارة أخرى، نقطة البداية وليس أكثر من ذلك". وفي مثل هذه الحالة (جعل صفقة القرن بداية للتفاوض) فان روس يعتقد بأن الأوروبيين سيؤيدون العودة للتفاوض "الأمر الذي من شأنه أن يترك الرئيس الفلسطيني محمود عباس في مأزق، مما سيضطره إلى القدوم إلى طاولة المفاوضات".

ويعتقد الخبراء أن الطريقة الوحيدة التي يمكن أن تبث الحياة في صفقة القرن هي حقنها بالمطالب الفلسطينية الرئيسية.

يشار إلى أنه لا يوجد أي أمر معروف عن "صفقة القرن" التي أعدها كوشنر بمساعدة غرينبلات وكوشنر، وسرب البيت الأبيض بأنها مكونة من 50 صفحة، إلا أنه من الواضح بأنها لا تعالج مطالب الفلسطينيين بدولة فلسطينية عاصمتها القدس.

ويقول ماكوفسكي بأنه يعتقد أن الصفقة "تم إعدادها من أجل الفشل" ، وأن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو "كان يعتمد على عباس ليقول لا" ، وبالتالي تسليم الأحزاب اليمينية المتشددة النتيجة التي أرادوها بعد دعمه في الانتخابات.

المصدر "القدس"