البحث عن "شريك" جديد..

لهذا السبب فشلت قطر باستخدام السودان لأجنداتها الإقليمية!

تعليق الخطوط القطرية رحلاتها إلى الخرطوم

الدوحة

وصفت أوساط عربية قرار الدوحة بوقف رحلات الخطوط القطرية من وإلى السودان بكونه يعبر عن غضب قطري من مواقف الرئيس السوداني عمر البشير الذي كان لسنوات “صديق قطر” أكثر من كونه قرارا بسبب مبررات تجارية.

وتوالت في الأسابيع الأخيرة رسائل الدوحة إلى الرئيس السوداني سواء عبر قناة الجزيرة التي نقلت تسريبات مجهولة عن لقاء سوداني إسرائيلي، أو عبر وكلائها في الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين الذين هاجموا “الاستبداد والدكتاتورية” في السودان.

وقررت الخطوط الجوية القطرية، تعليق جميع رحلاتها من وإلى السودان، اعتبارا من بداية أبريل المقبل.

ووفق تعميم قطري صادر بهذا الشأن، فإن آخر رحلات الخطوط القطرية من وإلى السودان ستكون بتاريخ 31 من الشهر الجاري.

وتعزو القطرية هذه الخطوة إلى أزمة النقد الأجنبي التي يمر بها السودان، وإلزام سلطة الطيران المدني السودانية لخطوط الطيران المختلفة ببيع تذاكر السفر بالجنيه السوداني.

ويعتقد مراقبون خليجيون أن الخطوط الجوية المدعومة من الدولة لن تقف عند ديون السودان، لو بقي في دائرة أصدقائها، مشيرين إلى أن الدوحة كانت تريد من الخرطوم أن تخوض معاركها بدلا منها، وخاصة في ما يتعلق بأزمتها مع الدول الأربع المقاطعة لها.

وحرص السودان على بناء علاقات متوازنة في الخلاف بين قطر والدول الأربع بأن حافظ على دوره في التحالف العربي لدعم الشرعية في اليمن. كما عمل على تقوية علاقاته السياسية والاقتصادية والأمنية مع مصر، وهو ما قد يكون أحد العناصر الرئيسية في الاستدارة القطرية تجاه السودان.

وفيما حصل السودان على دعم مباشر لتوفير المواد البترولية من الإمارات في الأزمة الاقتصادية والاجتماعية التي يعيش على وقعها، فإنه ظل ينتظر الدعم القطري ولكن دون جدوى.

ولم تصدر عن زيارة الرئيس السوداني إلى الدوحة أي خطوات دعم عملية رغم الوعود العلنية التي قدمها أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني للبشير. وكان الشيخ تميم قد أكد، عند انطلاق الاحتجاجات، “وقوف بلاده مع السودان وجاهزيتها لتقديم كل ما هو مطلوب لتجاوز المحنة التي يمر بها”.

وفي قلب هذه الأزمة، أوكلت قطر للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، وهو ذراع سياسية لجماعة الإخوان التي تمولها الدوحة وتتحكم فيها، الهجوم على الرئيس السوداني واتهامه بالدكتاتورية والاستبداد، ورد البشير بدوره برسائل مضادة بأن اعتبر أن أزمة حكمه تعود إلى غضب الشباب من التشدد المستحكم الذي أنتجه تحالفه مع الإخوان.

وظهر إلى العلن برود في العلاقة بين الخرطوم والتحالف القطري التركي، بعد الضجة التي تلت القبول بالاستثمار التركي في جزيرة سواكن، والتي كان الهدف منها عزل السودان عن محيطه العربي، وهو ما اعتبرته الدوحة وأنقرة تراجعا من الخرطوم عن تعهداتها.

وكان آخر مظاهر الحملة القطرية على الخرطوم تسريب قناة الجزيرة للقاء بين صلاح قوش المدير العام لجهاز الأمن والمخابرات السوداني برئيس الموساد الإسرائيلي يوسي كوهين على هامش مؤتمر ميونيخ للأمن الذي انعقد الشهر الماضي، وسعت إلى ربط اللقاء بالدول المقاطعة، في حركة وصفها المراقبون بالتلبيس الموجه.

وسارع الجهاز إلى إصدار بيان أكد عبره أن الخبر عار من الصحة ويفتقد للمهنية والموضوعية، ولا يخدم القيم الصحافية التي تدعيها القناة، وتدعي التزامها بها.

ويقول المراقبون إن الدوحة، التي خسرت رهانات كثيرة كان أبرزها دعمها لجماعات الإسلام السياسي للوصول إلى الحكم في بلدان “الربيع العربي”، تخسر مجالا حيويا آخر بسبب رغبتها في توظيف السودان رأس حربة في أجنداتها الإقليمية دون مراعاة حجمه وتاريخه ومصالحه القومية، فضلا عن عمقه الجغرافي الذي يرتبط بشكل وثيق بدول مثل مصر والسعودية، وهو ما لا تقدر السلطات على القفز عليه مهما كانت الوعود والضغوط القطرية.

وأرادت الدوحة ركوب موجة الاحتجاجات للتخلي عن “شريك” قديم والبحث عن “شريك” جديد قد تأتي به هذه الموجة في خطوة استباقية لمآلات الأزمة السودانية، لكن تبدو حساباتها إلى الآن غير دقيقة.