الرقص استكمال لعلاقة الأنثى بجسدها..

رقص المرأة من غواية منبوذة إلى فن تعبيري

الرقص استكمال لعلاقة الأنثى بجسدها

شيماء رحومة

“فكي ربطة شعرك وارقصي” هذا هو علاج المرأة الفعال مهما تباينت حالاتها المزاجية، فهي تجد فيه روحها، لأن الرقص استكمال لعلاقة الأنثى بجسدها، فهي تمتلك مهارات تربط بين حركة جسدها والإيقاع، فالرقص ينبع من ذاتها ويحرك كل تفصيل فيها جسديا وروحيا، وخير وصف لذلك قول مالكوم اكس “قال صديقي: إن حقيقة المرأة تظهر على وجهها عندما تندمج في الرقص”.

ومن هنا خلقت راقصات عربيات شهيرات علاقة مخصوصة مع أجسادهن، فعلى الرغم من النظرة الشبقية المتصلة بممارسة هذا الفن وما يرتبط به من ملابس مكشوفة على مواطن مثيرة من الجسد الأنثوي وحركات محملة بالإغراء والغنج، استطعن فرضه وتأسيس مدارس خاصة بهن.

ومن بين أشهر الراقصات الفنانتان المصريتان تحية كاريوكا وسامية جمال، فالأولى اتخذت اتجاه الراقصات الشرقيات والمصريات القديمات والتنويع على الحركات القديمة وتقديمها بشكل أكثر حداثة، أما مدرسة سامية جمال فقد لجأت إلى مزج الرقص الشرقي بالرقص الغربي. وكان لشخصية تحية كاريوكا الكاريزمية تأثير كبير، حيث كتب عنها أكثر من كاتب ومثقف عربي العديد من الدراسات، أهمها الدراسة التي كتبها المثقف الفلسطيني الراحل إدوارد سعيد.

ومن تونس لمع صيت الأختين زينة وعزيزة وتحولتا إلى مرجع في الرقص الفولكلوري خاصة بعد انضمامهما إلى فرقة العازف والمغني رضا القلعي. وكانتا تؤثثان الليالي بأجمل عروض راقصة، حيث لم يكن يحلو السهر إلا في ما يعرف بـ“الكافيشانطا”، حيث يجتمع التونسيون للاستمتاع بعروض الغناء والرقص والشعر.

ولا يزال التونسيون إلى اليوم أيضا يشبهون أي فتاة ترغب في الرقص بـ”زهرة لمبوبة” التي تغلغلت في التراث التونسي حتى ذهب في اعتقاد البعض أنها مجرد أسطورة.

هذه الأسماء لا تكاد تختزل لائحة من مشاهير هذا الفن الذي جال بين أرجاء القصور وكان مخططا ناجحا للإطاحة بأعتى السلاطين، ومن ذلك قصة ابنة الملك هيرودس الثاني، سالومي التي لعبت دورا خطيرا عن طريق رقصها المثير للغرائز، تسبب في قطع رأس يوحنا المعمدان (وهو من عمّد يسوع المسيح)، وفقدان زوجها هيرودس فيلبس الثاني مملكته، فحسب العهد الجديد في الكتاب المقدس طلبت من هيرودس رأس يوحنا بطلب من أمها هيرودية وقد نفذ هيرودس طلبها.

هذا الخضوع يترجم علاقة المرأة بجسدها، فهي لا تنفصل عنه بقدر ما تنصهر فيه وتوجهه لإبهار الآخرين والتأثير فيهم وفق أهوائها، إذ أنها لا تتعامل مع هذا الجسد كإفناء له، بل كإحياء له وكاعتراف به باعتباره هو الوجود بعينه.

لكن لماذا تحولت هذه الرحلة الطويلة المثمرة والمحملة بالنجاح مع الوقت إلى نظرة مقزمة؟ وما الذي عايشه هذا الفن حتى يشهد هذه التقلبات في زوايا النظر؟

في كتابه “الخيال ونقد العلم عند غاستون باشلار” تحدث الدكتور عماد فوزي شُعيبي، رئيس مركز المعطيات والدراسات الاستراتيجية دمشق، عن عقدة نوسيكا أو عقدة التعرّي عند الأنثى، وقال إنها ليست عقدة مرضيّة ولا تحتاج للعلاج لأنها عقدة حضاريّة والمقصود أنها جاءت مع الحضارة وبسببها.

هذه العقدة لم تكن في السابق حجر عثرة في طريق الراقصات بقدر ما هي اليوم تشكل وجهات النظر وتدين الفنانات، لا الملابس تغيرت، ولا الجماهير، حتى أن الجمهور الحالي أكثر انفتاحا من سلفه، فأين تكمن الفوارق تحديدا؟

تجيب زينب التوجاني، الباحثة التونسية في تحليل الخطاب الديني، على السؤال مشيرة إلى أن “الجسد الراقص يوحي حتى لو كان عاريا بموضوع عن غير الجسد نفسه”، موضحة أن “الرقص الشرقي يوظف الجسد الأنثوي للتعبير عن موضوع غير متصل بالجسد نفسه، بل بما يوحي به من رسائل كالجمال والاتساق والإيقاع، وهو أثر الجمال الذي ينشأ من اتساق الموسيقى مع الجسد المتفاعل والمتناسق مع الحركة والمتجاوز لجموده إلى عوالم الإيحاء والمعنى”.

وتضيف التوجاني، في حديث مع “العرب”، موضحة أن “ملابس الرقص وحركاته ليست مشكلة في ذاتها، بل المتلقي هو الذي يرى في تلك الملابس خرقا للأعراف ويحاسب الراقصة حسابا مزدوجا الأول في السر بالاستحسان والثاني في العلن بالرجم واللعن واللوم والتحريم والاستنكار”، ما يعني أن “مشكلة البعض مع الرقص كامنة في تصوراتهم وليس في الرقص نفسه”.

لكن، لا شك في أن البعض من الراقصات، ساهمن في رسم هذه الصورة السلبية، خاصة بعد أن أصبحت فضاءات التواصل أوسع. فمن قبل كان مجال احتكاك الراقصات مع الجمهور محدودا في أماكن خاصة لها شروط لارتيادها، أما اليوم فقد أصبح المجال متاحا أمام الجميع مع الفضائيات وقنوات اليوتيوب ومواقع التواصل الاجتماعي وغيرها من المنصات المنتشرة عبر الإنترنت.

وواجهت الفنانة نجلاء التونسية في الفترة الأخيرة موجة انتقادات كبيرة طالت سمعتها، حيث وصفت بأنها تتاجر بجسدها تحت مسمى الفن. وحاولت نجلاء الدفاع عن نفسها بتوظيفها لأسماء نجمات عالميات ظهرن بإطلالة مشابهة، لكن يرد البعض مؤكدين أن هناك فوارق وأن المقارنة لا تستقيم.

الرقص الشرقي ينحصر غالبا بالنساء، إلا أن ذلك لم يمنع الرجال من التجربة حتى أن رجلا من بريطانيا تتلمذ على يد الفنانة المصرية تحية كاريوكا وكون مدرسة أنتجت جيلا من الراقصين.

حين يرقص الرجل
واليوم يكافح راقصون تونسيون أمثال الراقص ومصمم الرقصات رشدي بلقاسمي الذي اعتلى بإصراره وتحديه للمجتمع خشبة مسرح قرطاج، وأعتى مسارح أوروبا، مؤكدا لـ”العرب” أن الرقص بصفة عامة ليس حكرا على المرأة، ويمكن للرجل أن يلقنه للمرأة”.

وهناك أيضا الفنان الاستعراضي رشدي علوان الذي يعتبر أن الرجل أقدر على تعليم المرأة الرقص، قائلا “المرأة مهووسة بجمالها ومظهرها الخارجي حتى تكون حلوة في أعين الرجال، لذلك هو الشخص القادر على إبراز هذا الجمال فيها”.

ويضيف علوان، لـ”العرب”، “نجد أن الرجل اقتحم العديد من المجالات (الأنثوية) وتميز فيها عالميا كالطبخ والحلاقة والأزياء، فالرجل لا يمكنه الاستغناء عن المرأة وهي كذلك لا يمكنها الاستغناء عنه”، مضيفا أن “الرقص هو اللغة الأولى التي عبر بها الإنسان، وتتقاسمها كل الشعوب، فلا فرق بين الرجل والمرأة، على أن يكون هذا الرقص مدروسا وله قواعد وغايته فنية بالأساس، غير أن الشعوب العربية تعيش انفصاما”. وختم علوان بقوله “كل الرجال يرقصون، لكن هناك من يجرؤ وهناك من لا يجرؤ”.

وتدعم هذا الحديث، زينب التوجاني مشيرة بقولها إلى أنه “حري بالناس أن يواجهوا بصدق رغباتهم المكبوتة ويتعلموا التمييز بين الأجساد العارية التي تستدعي الآخر للممارسة الجنسية وبين الأجساد وهي تعبر فنيا عن مضامين لها علاقة برسالة الجميل في المطلق وهي رسالة شبيهة برسالة المقدس. ولذلك كان الرقص أولى العبادات التي تقدم للآلهة قبل أن يستقل بذاته ليمسي فنا من فنون البشر ولا نستثني الرقص الشرقي الذي يعتقد الباحثون أن له علاقة بالطقوس الفرعونية المقدسة. ولذلك نعتبر أن مشكلة هذه الفنون تتعلق بالتقبل لا بالفن نفسه أو بالجسد العاري”.