بيع الخضر والفاكهة بأسعار زهيدة..

تقرير: كيف أشترى أردوغان أصوات الشعب التركي؟

خطة بديلة

أنقرة

لم يكن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان مقتنعا في قرارة نفسه بأن الشعارات والتصريحات القوية التي يطلقها في الفترة الأخيرة قادرة على جذب الناخب التركي المهموم بالوضع الصعب الذي يعيشه نتيجة الأزمة الاقتصادية الخانقة في البلاد، والتي تسببت فيها سياسات الرئيس نفسه.

والتجأ أردوغان إلى خطط بديلة تقوم على “شراء” أصوات الناخبين بتقديم خدمات سريعة وبأسعار زهيدة، من خلال نصب الخيم التي انتشرت على نطاق واسع بمناسبة الانتخابات، في تناقض تام مع تصريح له، السبت، أعلن فيه أن التصويت لن يكون على “سعر الباذنجان أو الطماطم أو الفلفل (…) إنها انتخابات من أجل بقاء البلاد”.

واصطف العشرات من الأشخاص أمام خيمة بيضاء ضخمة نصبت في ساحة تقسيم، في قلب إسطنبول، قبل وصول شاحنات تابعة للحكومة محملة بالخضر.

وأسس أردوغان 150 خيمة كهذه في إسطنبول وأنقرة لمحاربة الزيادة في أسعار الخضروات والفاكهة، التي أطلق عليها وصف “إرهاب الطعام”، متهما إياها بإفساد الرأي العام ضد الحكومة قبل الانتخابات المحلية الحاسمة.

وأدى انهيار الليرة التي فقدت 40 بالمئة من قيمتها مقابل الدولار، العام الماضي، إلى ارتفاع معدل التضخم إلى 20 بالمئة، في فترة ركود اقتصادي وصفها عدد من الاقتصاديين بضربة للنموذج الاقتصادي الذي يتفاخر به أردوغان.

وسألت امرأة في منتصف العمر بائعا في أحد “أكشاك الخضروات” الجديدة المنتشرة في إسطنبول “أين البصل؟ لا يمكنني طهي الفاصوليا الخضراء دون بصل”، “أين الباذنجان والفلفل؟ ما هي الفائدة من هذا الكشك إن لم تتوفر كل هذه الخضر؟”.

وتقول سيمرا، والتي تدعم حزب العدالة والتنمية الحاكم، “يفعلون أشياء مثل هذا في كل انتخابات. إنهم يقولون إنهم يساعدوننا، لكنني لا أعتقد أن هذه الأكشاك ستكون هنا بعد يوم الاقتراع”.

ويتوفر نصف البضائع المعلن عنها فقط في ساحة تقسيم، ويزورها حوالي 3 آلاف شخص يوميا لشراء مستلزماتهم الغذائية.

ولم تخدم المبادرة قاعدة أردوغان وناخبي حزب العدالة والتنمية من الطبقة العاملة فقط، بل اصطف السوريون والأفغان كذلك لشراء المنتجات الطازجة، التي أصبحت حصرية للعائلات ذات الدخل المحترم.

ويقول مراقبون للحملات الانتخابية إن مرشحي الحزب الحاكم بدت عليهم، ولأول مرة، مخاوف جدية من خسارة مواقع مهمة في المدن الكبرى، بسبب الأزمة الاقتصادية التي أفقدت الحزب شعبيته وجزءا كبيرا من القاعدة التي اكتسبها ليس بشعارات أردوغان، ولكن بالوضع الاقتصادي الملائم الذي كان سائدا.

وقال غاريث جنكينز، الباحث في “برنامج دراسات طرق الحرير”، إن ذلك يظهر أن “حزب العدالة والتنمية لم يعد يعتبر نفسه قادرا على الفوز في انتخابات عادلة. ولا شك أنه على حق”.

وتزايد الوعي في الشارع التركي بأن سياسة الحكومة ساهمت في التضخم والبطالة. وقال نوري غولر، وهو عامل متقاعد من مصنع الشاي، “اعتدت شراء كيلوغرامات من الفلفل. لكني لا أستطيع شراء أكثر من كيلوغرام واحد. لذا، فكل ما يقولون في التلفزيون غير صحيح”.

واتسمت الحملة الانتخابية التي تندرج ضمن سلسلة مرهقة من الاستحقاقات بدأت عام 2014، بحدة النبرة، وقد اتهم أردوغان في خطاباته معارضيه بالارتباط بـ”الإرهاب”.

كما أن شروط الحملة كانت تفتقر إلى التوازن، إذ قامت المحطات التلفزيونية بنقل جميع خطابات أردوغان اليومية بكاملها، من غير أن تخصص الكثير من الوقت لمعارضيه وبرامجهم.

وفي وقت يؤكد أردوغان أن “بقاء الأمة” على المحك، داعيا إلى “دفن” أعدائها “في صناديق الاقتراع”، تدعو المعارضة من جهتها إلى اغتنام هذه الانتخابات الأخيرة قبل استحقاق 2023 لمعاقبة السلطة على سياستها الاقتصادية.