الدوافع وأوجه التطابق..

تقرير: خطاب الكراهية بين داعش واليمين المتطرف

تنظيم داعش

محمود محمدي

عرض مرصد الأزهر لمكافحة التطرف، رؤية تحليلية تتناول أوجه التطابق بين الاستراتيجية الداعشية في التعامل مع الآخر، واليمين المتطرف؛ حيث لم يختلف الطرفان في شيء قط، موضحًا أن هذا الأمر ينذر بوقوع العالم كله في براثن إرهاب أسود لا يعرف عن الإخوة الإنسانية شيئًا؛ إذ إن العنف لا يرتبط بدينٍ، ولعل مشاهدة الأزمات التي لا تنقضي في حق الأبرياء ما يدعو إلى إعادة النظر والتأمل في امتداد خطابات الكراهية والعنصرية التي تجاوزت الحدود وعبرت القارات، بحسب المرصد.

واستهل المرصد تقريره باقتباس من كلمة فضيلة الإمام الأكبر شيخ الأزهر الشريف، في تعليقه على حادث الهجوم الإرهابي على مسجدين في نيوزيلندا؛ حيث قال: إن تلك المذبحة الإرهابية الشنيعة التي حرص مُنفذوها على تصويرها وبثِّها على الهواء للعالم كله، لا تختلف كثيرًا عن مشاهد قطع الرقاب المُروِّعة التي ارتكبتها عصاباتُ داعش الإجراميَّة، فهما فرعان لشجرةٍ واحدة، رُوِيت بماء الكراهية والعنف والتطرُّف، ونزَعت من قلوب أصحابها مشاعرَ الرحمة والتسامح والإنسانيَّة، بل ما كان لهما أن يتوحَّشا بهذا الشكل المُرعِب لولا حساباتٌ سياسيَّةٌ وعنصريَّةٌ ضيِّقة، غضَّت الطرف عن جرائمهما، وسمحت لهما بالانتشار والتوحُّش.

وأوضح التقرير، أن حادث نيوزيلندا الإرهابي يعد ناقوس خطر يدق على أبواب العقلاء، وصيحة تحذيرٍ لأصحاب التُّهم المُعلّبة التي دأب أهلها على إلصاقها بالإسلام والمسلمين - كي يتوقفوا عن سياسة الكيل بمكيالين، فليست الجريمة باسم العرق أخف وطأة من الجريمة باسم الدين، بل إننا نؤمن أن التطرف سمة تجذب وتوظف تحت عباءتها كل السياقات والنصوص والاستثناءات التاريخية لتجعلها قاعدة لعملها الإرهابي.

وأشار إلى أن التدقيق في خطاب الإرهابي «برنتون تارنت» -منفذ الهجوم على المسجدين- المشحون بالغضب والكراهية تحقيقًا للرغبة في صناعة البطل الأبيض، نجد أنه ينفِّذ نفس الإستراتيجية الداعشية في التعامل مع الآخر ولم يختلف عنها في شيء قط.

 

الدافع والمحرِّك

 

سلّط التقرير الضوء على دوافع إرهابي المسجدين لكي يرتكب تلك المجزرة؛ حيث أوضح أن الخطوات الأولى التي مر بها «إرهابي نيوزيلندا» كانت توافق تمامًا الخطوات الداعشية، بدءًا من الغضب والأوهام المبنية على قناعات انتقائية، وانتهاءً بالقتل عن قناعةٍ تصاحبها سعادة وشعور-متوهَّمٌ- بالبطولة.

ولفت إلى أن التشابه بين ما فعله إرهابي نيوزيلندا وجرائم داعش، ظهر حينما قال ذلك الإرهابي إنه يدافع عن حقوق أمته وأنه يفعل هذا لأجل عودة الأمة البيضاء إلى مجدها، كذلك مثلما يزعم التنظيم الإرهابي أنه ينتقم للأمة ويتحدث باسمها ويناضل من أجلها.

وفي الوقت الذي ترفض فيه الجموع الحاشدة سواء في الشرق أو الغرب، هذين التيارين، وتلفظهم النفوس السويَّة والقلوب النقيَّة، أعلن «داعش» رفضه للآخرَ وتراه مغتصبًا ولا يستحق العيش على نطاق الأماكن التي تستولي عليها، وكذلك يرى هذا الإرهابي أن غير الأوروبيين الذين لا ينحدرون من جنس أبيض، غير مرحب بهم في أوروبا أو بلاد «الأمة البيضاء» حسب تعبيره.

 

توظيف الدِّين

 

وكما تلاعب «داعش» ووظِفت المرأة قضيةً أصيلة في تسويغهم العنف الممنهج ضد الدول والأفراد - نجد هذا الإرهابي ينتهج الفلسفة ذاتها؛ فيعتمد في دوافع هجومه على أسباب كثيرة منها: «أنهم يغتصبون النساء البيض»، وهذا تمامًا ما تنص عليه أدبيات «داعش»؛ حيث يبرر عناصر التنظيم هجومهم على الآخرين بأسباب كثيرة من ضمنها امتهان المرأة المسلمة وتدنيس عِرضها وشرفها.

وعلى صعيد الدِّين، نجد التقارب الفكري بين هذين النموذجين الكريهين للتطرف والإرهاب، فبينما يكره الدواعش «غيرَ المسلمين» كونهم لا يؤمنون بأفكارهم ذاتها، يرفض «إرهابي نيوزيلندا» كلَّ مَن ليس من الجنس الأبيض، رافضًا وجودهم محرّضًا ضدهم وداعيًا إلى اغتيالهم حقيقةً وحكمًا.

وأشار تقرير المرصد، إلى أن النمط الداعشي ظهر مرة أخرى في أفكار إرهابي نيوزيلندا حين هاجم الأطفال المسلمين وحرَّض الشعوب الغربية عليهم؛ إذ إنهم حسب رؤيته «أطفال غزاة لا يظلون أطفالًا، بل يكبرون ويتزوجون، ومن ثم يوجدون المزيد من الغزاة ليحلوا محل شعبك، ويأخذوا الثروة ويهزوا الثقة الاجتماعية».

 

التغيير العنيف

 

ولفت المرصد إلى أنه في الوقت الذي يسعى فيه عقلاء العالم لمدِّ يد التعاون وبناء جسور سلام ومحبة بين الشرق والغرب؛ حيث قام الأزهر الشريف وحاضرة الفاتيكان بتوقيع وثيقة الإخوة الإنسانية، التي تؤسس لتمديد العلاقة وترسيخها بين الشرق والغرب، وتؤكد حقَّ الإنسان في حياة كريمة دون النظر إلى العِرْق والدِّين واللون، رافضة نسبة التطرف والإرهاب إلى دين من الأديان - تُصرُّ بعض السياسات والكيانات المتطرفة على زرع ألغام في طريق الحرية والسلام، فمرة «داعش الشرق» وأخرى «داعش الغرب» وبينهما تضيع دماء الكثير من الأبرياء.

وتمامًا كما تفعل «داعش الشرق» يخاطب هذا الداعشي الغربي الشباب محبِّبًا لهم الموت على الحياة، صانعًا لهم بطولة وهمية على مذبح الكذب والدمار، مؤكدًا أن الموت في سبيل الحفاظ على الأمة البيضاء وتحمل مسؤوليتها هو ما يجب أن يُسخِّروا أرواحهم لأجله، وفي سبيل ذلك يمهد لهم أن العالم سيرفضهم، وأن الكثيرين سيصفونهم بالمجرمين والأشرار، إلا أن هذا يجب ألا يكون سببًا في تراجعهم عن نصرة شعبهم.

وكما تؤمن تيارات ما يسمى بـ«الإسلام السياسي»، بأن التغير الجذري يبدأ من الوصول إلى قمة التسلسل الهرمي للسلطة، يقرر «إرهابي نيوزيلندا» أن تغيير المجتمع الغربي لن يحدث إلا بالوصول إلى أعلى قمة السلطة في البلاد الغربية؛ لتصحيح المسار وإعادة هيمنة العِرْق الأبيض وسيادته على العالم، الأمر الذي يشير إلى صناعة خطابات الكراهية وتمويلها على مستويات مختلفة من العالم لمصالح بغيضة لا تخفى على عاقل.

 

الذئاب المنفردة

 

وأوضح التقرير، أن أخطر ما يلفت النظر في بيان ذلك الإرهابي استخدامه النمط الذي تطلق عليه داعش «الذئاب المنفردة»، وهي تخويل السلطة لكل أحد بممارسة العنف ضد كل مَن تطاله يداه في أي مكان في العالم، وبأيِّ سلاح كان وبأيةِ طريقة ممكنة، مستخدمًا المغزى الداعشي ذاته من الذئاب المنفردة؛ لزرع الخوف والقلق في نفوس المسلمين والعرب بما يردعهم ويحقق السيادة للجنس الأبيض.

وعلى صعيد الإرهاب النفسي الذي تمارسه الجماعات الإرهابية كافة، جاءت كلمات «تارنت» ترهب جموع الغربيين من وجود المسلمين على أراضيهم، ما ينتهك ويستنزف موارد الأمة البيضاء لصالح «الغزاة» –حسب تعبيره - مكررًا هذا اللفظ مرات عديدة ما يجذر نزعة الغضب والانتقامية في نفوس الشباب المتحمس ويسهل لهم طريق العنف.

 

وفي ختام التقرير، أوضح المرصد أن في هذا البيان ما يثبت براءة الإسلام من الإرهاب، وأن العلاقة بينهما منقطعة لا سبيل إلى وصلها؛ اللهم إلا بالتحايل والكذب والادعاء، والتلاعب المقصود لأغراض دنيئة باتت واضحة للجميع، كما بات واضحًا أن الإرهاب والتطرف ليسا صناعة إسلامية ولا علاقة لهما بالدِّين، وإنِّما هما وجهان لعملة واحدة تمثل خللًا فكريًّا لا تقبله النفوس السويَّة، والعقول النّقية.