مقترحات الأدب..

الخلاص الرومانسي

ناتسومي سوسيكي انتصر لعالم الفن والأدب والإبداع

هيثم حسين

يقدّم الأدب مقترحات، تكون غرائبية أحيانا، لما يصفه بعض الأدباء بالخلاص الرومانسي من أعباء العالم، وتراهم بذلك يفترضون تقديم ما يعتقدون أنه أنسب لمواجهة الشرور والقباحات التي تقضّ مضاجعهم، وتدفعهم إلى التغرّب عن واقعهم وحياتهم.

ينشد الأدب تقديم ما يمكن أن يطلق عليه خارطة طريق أدبية للوصول إلى الغاية الإنسانية المتمثلة بالسلام والعيش المشترك والتسامح وتقبل الآخر المختلف، بحيث تكون القصيدة الشعرية واللوحة الفنية، العمل الدرامي أو الكتاب الأدبي، من المشتركات الدافعة للتقارب، والمساهمة بلعب دور مهمّ في تفهّم المتغيرات والتكيف مع مقتضيات العصر.

حين يوقن الأديب بأنه طالما كان العيش في العالم الذي لا يستطيع مغادرته أمرا شاقا، فإن عليه أن يجعله مريحا ولو قليلا، كي يقوى على احتمال حياته العابرة فيه، ولو لفترة قصيرة من الزمن، وهنا يتجلى نداء الشاعر وتظهر موهبة الفنان. والقول إنّ كل مبدع هو عظيم القيمة، لأنه يخفف من قسوة عالم البشر ويثري قلوبهم، يحمّل الأدباء مسؤولية جمالية كبرى.

من الروائيين الذين سعوا إلى التقاط جانب من هذه المفارقة، الياباني ناتسومي سوسيكي (1867-1916) في روايته “وسادة من عشب” حيث عمل على نقل جزء من الحيرة التي تعتمل في عقل راويه، وهو رسام وشاعر، ينتصر للشعر والفن، يمجد الأدب والإبداع، يمضي في رحلته إلى الجبال، يحاول التقاط مكامن الجمال في العالم الذي يبحر في ثناياه، يبحث عن اللوحة المثلى والقصيدة المشتهاة، ويلقي بآرائه وتنظيراته عن العوالم التي يعيشها وتعيش في داخله، وتنعكس كمشاهد في محطات حياته بحثا عما يرنو إليه من حلم مثالي.

انتصر سوسيكي لعالم الفن والأدب والإبداع، ينوه إلى أن بوسع قصيدة أو لوحة أن تطرد كل ضجر من هذا العالم، حيث يصعب العيش، فهي تعرض أمام عيني المرء عالما من الجمال، وكذا تفعل الموسيقى والنحت. ويجد أنه لا حاجة إلى تقديم هذا العالم من خلال الفن، إذ يكفي أن تتأمله مباشرة كي تعثر على قصيدة حية ونبع من غناء.

لعلّ وصفة الخلاص الرومانسي تتبدّى متناقضة مع وصفة العصر بما تفرضه من واقعية تصل حدود القسوة أحيانا، وتتجاوز حدود الوحشية في أحيان أخرى، لكنّ البحث عن مقترحات للخلاص من سطوة الشرور يظلّ إحدى أبرز علامات الأدب قديما وحديثا، وإحدى أهمّ القضايا التي تشغل بال الروائيين في كلّ مكان.

ولعلّ القول إنّ الأدباء هم حرّاس الأحلام، أو مظهّرو الكوابيس، يحمل في حالتيه جزءا من الشاعرية، والصحّة كذلك، لأنّهم حتّى حين يكشفون عن فداحة الجرائم التي تعرضت لها شرائح بشرية هنا أو هناك، فإنّهم يوظّفونها في سياق لعن الخراب وتقديم مقترح غير مباشر بوجوب تجاوزه إلى ما هو أبعد، إلى البحث عن الجوهر الكامن داخل الإنسان، وعن تثوير الإيمان بقدرته على تحجيم جزء من الشرّ، ولو بالتحايل عليه بفكرة رومانسية حالمة.