اختيار "البركاني" رئيساً لمجلس النواب..

كيف يتسلل رجالات "صالح" من جديد إلى السلطة في اليمن؟

انعقد مجلس النواب اليمني في مدينة سيؤون لأول مرة منذ أربع سنوات (وكالة سبأ)

محمد الشبيري

منذ الإطاحة بنظام الرئيس اليمني الراحل، علي عبدالله صالح، إثر احتجاجات شعبية ضمن ثورات الربيع العربي في العام 2011، عَمَدَ رجالات حكمه في حزب المؤتمر الشعبي العام إلى التواري عن المشهد العام في البلاد، وصُنفت العديد من الأسماء النافذة باعتبارها "رموزاً للفساد"، طيلة ٣٣ عاماً قضاها في الحكم منفرداً أحياناً، أو بالشراكة الشّكلية، أحايين أخرى.

وعلى الرغم من أن "المؤتمر" حظي بنصيب الأسد في أول تشكيلة وزارية بحكومة الوفاق الوطني التي أعقبت إزاحة رئيسه عن كرسي الرجل الأول، إلا أنه حاول أن ينأى بنفسه عن تصدر المشهد السياسي، وبدا كما لو كان حزباً معارضاً، في وقت شهدت فيه البلاد تعقيدات شتى أبرزها على الصعيد الاقتصادي، هي في الأساس إحدى نتائج تفرد الحزب بحكم البلاد إبان حقبة صالح التي امتدت أكثر من ثلاثة عقود، أخفق خلالها في بناء دولة مؤسسات حقيقية، واكتفى بجعل البلاد رهينة في قبضة "لوبيات مصالح" ونافذين كبار، وشركات ضخمة تتبع مسؤولين حكوميين ومقربين من الرئيس والحزب.

وبرأي مصطفى نصر، رئيس مركز الدراسات والإعلام الاقتصادي، فإن المؤتمر لم يغادر السلطة حتى نتحدث عن عودته إليها من جديد، فالرئيس هادي وعدد من الوزراء ومحافظي المحافظات ينتمون للحزب ذاته، وهؤلاء هم من يدير دفة البلاد منذ مغادرة صالح الحكم في 2011.

التخفف من المسؤولية

يعتقد المراقبون أن المؤتمر الشعبي العام الذي وفد إلى الحياة حزبا حاكما، ظل في السلطة الحالية بطريقة أو بأخرى، مستدلين على ذلك بأن الرئيس الحالي عبدربه منصور هادي، وهو نائب صالح لثمانية عشر عاماً (1994-2012)، وانتخب رئيساً للبلاد في 25 شباط (فبراير) 2012، احتفظ بمنصب رئيس الحزب بعد سلفه، وهو ما أبقى المؤتمر حاضراً في الحكومة، وغير بعيد عن مراكز صنع القرار.

ووفق هذه الرؤية، فإن الخبرة المتراكمة في إدارة الدولة ساعدت كثيرا على إبقاء الحزب شريكاً في السلطة، وإن كان بزخم أقل مما كان عليه في فترة الاستحواذ الكلي على مقاليد الحكم طيلة سنين الحكم ال٣٣ عاما التي مضت.

يقول نصر ل"اندبندنت عربية "للأسف لا يوجد معيار للكفاءة في التعيينات التي تتم حاليا، وإنما معايير أخرى تتعلق بالعلاقات الشخصية، ونفوذ الأطراف المحلية والإقليمية سواء كانت أحزاباً سياسية أو دولاً أو غيرها".

وتابع، "بالنسبة للملف الاقتصادي للأسف ما يزال التعامل معه بنوع من اللامبالات رغم أهميته بالنسبة للمواطن اليمني، إذ ما يزال أداء كثير من الوزارات دون المستوى، وتعمل وكأنها في جزر منعزلة عن بعضها".

الانشطار الأول

والحقيقة أن حزب المؤتمر انقسم على نفسه منذ ثورة فبراير 2011، بعيد الإطاحة بصالح، وتشبث فريق من الحزب برئيسه السابق، ضد فكرة الثورة، فيما قفز العديد من قياداته إلى مركب الرئيس هادي، محاولين التخفف من تركة الحكم الطويلة التي اتهم فيها الحزب بممارسة المحسوبية والفساد، حتى وصلت البلاد إلى طريق مسدود، أدى في نهاية المطاف للاحتجاجات الشعبية الكبيرة التي شهدتها معظم محافظات البلاد.

وبمساعدة دول التحالف العربي، وعلى وجه الدّقة السعودية، حاول هادي استقطاب أكبر عدد من القيادات الحزبية المعروفة، وجلبها معه إلى مقر اقامته المؤقت بالعاصمة الرياض، بل ذهب الرجل إلى أبعد من ذلك، حين التقى منتصف اغسطس (آب)  2018، قيادات مؤتمرية في العاصمة المصرية القاهرة من أجل إعادة ترتيب أوراق الحزب و"لملمة الشتات ونبذ الخلافات"، وفق ما جاء في كلمة ألقاها هادي أمام الحضور حينذاك. 

نسخة مع "الشرعية" ونسخة مع "الانقلاب"

منذ أن انقلب الحوثيون على السلطة في اليمن أواخر أيلول (سبتمبر) 2014، شهد المؤتمر الشعبي العام انقساماً حاداً في صفوفه، على مستوى القيادات والقواعد، وتشكلت حينها ما يسمى باللجان الشعبية، ومثّل المؤتمر نواتها الصلبة، انحازت منذ اليوم الأول إلى مشروع الانقلاب الحوثي، وأعلنت على لسان العديد من كوادر الحزب وعلى رأسهم صالح أنها تقاتل في خندق واحد مع الحوثي ضد من تسميهم "العملاء والمرتزقة"، في إشارة إلى كل مناوئي انقلاب الحوثي من القوى السياسية اليمنية الأخرى التي أيدت تدخل دول التحالف العربي لدعم الشرعية في اليمن ضد المشروع الحوثي الذي يعتبرونه يدّ إيران في اليمن.

في الجانب الآخر، استطاع الرئيس هادي اقناع الكثيرين بضرورة الوقوف إلى جانب الشرعية، ونجح إلى حد بعيد في ذلك، كان أبرز تلك الوجوه أحمد عبيد بن دغر، رئيس الوزراء السابق، وسلطان البركاني، الذي تم التوافق أخيراً على اختياره رئيساً لمجلس النواب اليمني في جلسته التي انعقدت بحضور عربي ودولي في مدينة سيؤون بمحافظة حضرموت جنوب شرق البلاد، والذي يعد أحد القيادات البارزة بالحزب، إضافة إلى قيادات وسطى، ومشائخ قبليين لهم وزنهم القبلي والحزبي في المجتمع.

العودة من بوابة المحاصصة

مارسَ المؤتمر ما يمكن تسميته ب"المظلومية" خلال السنين السبع الماضية، رغم بقائه في السلطة أو قريبا منها، ليعود من جديد بشخصيات ذات ثقل ويعرفها الشارع اليمني.

واستطاع حافظ معياد، وهو أحد أبرز العقول الاقتصادية إبان حكومات صالح المتعاقبة، أن يعود من جديد للعمل الحكومي متبوءاً منصب محافظ البنك المركزي اليمني، واستطاع خلال أسابيع من إصدار قرارات مهمة ساعدت على استقرار سعر صرف العملة المحلية مقابل العملات الأجنبية، وهو ما أعطى مؤشراً ايجابياً لصالح رجالات الحزب، غير أنه لا يمكن إغفال تأثير الدعم الإقليمي الذي تحظى به حكومة معين عبدالملك، في ظل وضع عام بالغ القسوة تشهده البلاد.

ومع التوافق بين الكتل البرلمانية على اختيار البركاني رئيساً لمجلس النوالب، هل يمكن القول إن ذلك سيشكل دفعة قوية لعودة رجال الرئيس الراحل علي عبدالله صالح إلى السلطة من جديد؟

المصدر"اندبندنت"