نالت اهتمام النقاد..

"الرهينة" رحلة إلى عوالم القصور اليمنية القديمة

كبت تعيشه نساء القصر

عبدالرحمن الآنسي

رحلة إلى عوالم القصور اليمنية القديمة بأسرارها وغموضها وعلاقاتها تحكيها رواية "الرهينة"، تحمل بين سطورها أجواء ألف ليلة وليلة، ذلك الرهينة الذي بدأ العمل في قصر نائب الإمام يتعرّف إلى شقيقة الحاكم التي يُعجب بها، والذي فجأة يتحوّل غراماً يرمي بالرهينة في صراعاته الداخلية بين الحبّ والتمرّد والرغبة والثورة. 
كم هي جميلة هذه الرواية! إنها تجذبك ما إن تضع عينيك على سطورها الاولى فتجعل القارئ الفذًّ يقف بين حروفها حائراً يتساءل: "هل الكاتب كتب هذه الرواية لكشف أسرار الإمام العائلية ومناقشة من يقومون بوظيفة الطواشي (الخدم الخصي) الذين يستخدمهم الأمراء في قصورهم لخدمة خاصة الإمام، أو كما ذكرهم الكاتب بـ "الدويدار"، أم أنه كتب الرواية لكشف سياسة الإمام في حكمه للقبائل اليمنية"؟
الرهينة؛ هي رواية للأديب اليمني زيد مطيع دماج، تم اختيارها كواحدة من أفضل 100 رواية عربية في القرن العشرين. قبل أن نبدأ الحديث عن الرواية هناك ثلاث كلمات محورية تتكلم عنها الرواية، أولها كلمة "الإمام"، وهو لقب لحاكم اليمن وقتها، أما الكلمة الثانية فهي "الدويدار"، وتعني صبي يتميز بحسن المظهر والبداهة يقوم على خدمة حرم الإمام وخاصته، وأما الكلمة الثالثة فهي "الرهائن"؛ وهم من يأخذهم الإمام من شيوخ القبائل ورؤسائها لضمان ولائهم له، ومن هنا أتى اسم الرواية. 
في حقيقة الأمر الرواية تناقش سياسة عائلة الإمام الحاكمة في اليمن وتكشف أسرارها العائلية في نفس الوقت؛ فقد كانت العائلة الحاكمة تأخذ أبناء الشيوخ  ورؤساء القبائل ومن يتمرد على نظام الحكم حتى يضمن الإمام ولاءهم له وعدم انقلابهم عليه بحجة وجود أبنائهم كرهائن لديه. 
بعد أن يأخذ الإمام الرهائن ويضعهم في قلعة القاهرة (مكان رهائن الإمام أو وزيره)  يقوم باختيار صبيان من الرهائن وذلك ممن لا تتعدى أعمارهم سن الحلم لخدمة حرم الإمام وخاصته، ولكن ربما تتساءل: "لماذا الإمام يأخذ ما دون سن الحلم فقط؟ وهل عندما يأخذ الإمام هؤلاء الصبية أو كما يسمونهم بـ "الدوادرة" من رهائن القلعة يعاملهم معاملة الرهائن أم تختلف المعاملة؟" 


في حقيقة الأمر كان الإمام يأخذ من لم يبلغ الحلم وممن يتمتع بحسن المظهر وذلك لأنهم سيقومون على خدمة حرم الإمام وخاصته، وحتى لا تتطور علاقتهم بنساء القصر فيقومون بما يهين كرامة الإمام، لذا  فمن الطبيعي اختيار من لم يبلغ الحلم، ليس هذا فقط، فحتى الصبي قد يبلغ الحلم في أي لحظة أو حتى قبل أن يبلغ قد تهيئ له الظروف نساء القصر فيقوم بما لا يريده الإمام، ولذا فما إن يدخلوا القصر حتى يأمر الإمام بضرب خصيته حتى يفقده رجولته فلا يكون بمقدوره بعد ذلك ممارسة الجنس مع نسائه فيستخدمه بعد ذلك لخدمة خاصته دون أي خوف من خطر تواجد رجل بين نساء القصر؛ فهو بعد ذلك يعتبر وكأنه إحدى نساء القصر لا أكثر. 
يدخل الدويدار الجديد (الرهينة) قصر الإمام بعد أن أخذه عسكر الإمام من القلعة قسرًا فيلاقي دويدارًا آخر يعمل في ذلك القصر فيحتفي كلٌّ منهما بمعرفة بعض ويقوم الدويدار بتعريف الرهينة على من في القصر من نساء الإمام كـ "الشريفة حفصة" المطلقة فاتنة الجمال؛ ويطلق عليها الشريفة لأنها من سلالة النبي كما كانوا يدعون، هي أيضًا أخت نائب الإمام المدللة والغنية، فملكها يُعد أكثر من ملك والد النائب نفسه.
يقوم الدويدار بتعريف صديقه على القصر فيعرفه على الحمامات التركية التي سيخدم نساء القصر فيها عند الحاجة، ثم يعرفه على بقية نساء القصر وغرفة نائب الإمام وبقية الحجرات، فيرى العيش الكريم وما تتمتع به الحاشية من رغد العيش ولكن في نفس الوقت يلاحظ الكبت الذي تعيشه نساء القصر وتعطشهن لتواجد رجل يعيش بقربهن ولو حتى دويدارًا، من جهة أخرى يلاحظ تدهور صحة صديقة الدويدار لكثرة العمل ولمرضه دون أن يعتني به أحد أو يأبه لمعالجته فيموت أخيراً  ولا يمشي في جنازته سوى قلة قليلة مع بعض نساء القصر ومن بينهن السيدة حفصة التي أحبت الرهينة، وهذا إذا دلَّ فإنما يدل على أن السلطة الحاكمة تأخذ ما تريده من الآخرين ثم تتركه دون أن تأبه لعاقبته، وهذا ما سيجعل الرهينة يفكر بالثورة والهرب. 
 قررت الشريفة حفصة أن تعترف للرهينة بحبها في النهاية طالبةً منه أن تهرب معه مهما كانت طريقه وعره، وهذا يدل على مقدار الكبت الذي تعيشه نساء القصر وتعطشهن للحياة البسيطة دون حرس، ولكن الرهينة برغم حبه لها إلا أنه يرفض ما طلبت منه فارًا في الجبال وظلمات الأودية، فبعد موت صديقه قرر أن لا يمكث في القصر مخلفًا وراءه صوت حفصة المبحوح يترجاه أن ينتظرها لشدة تعلقها به، لكنه لم يتوقف برغم إشفاقه عليها لتعود إلى سجنها الواسع وآلامها من جديد.