تركز على دعم العملة اليمنية..

معهد واشنطن يقدم خارطة طريق اقتصادية للإغاثة باليمن

وزيادة إنتاج اليمن من النفط، والتخلص من كافة الضرائب والرسوم الجمركية والعوائق المالية على واردات ال

واشنطن

وضع خبيران في معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى، خارطة طريق اقتصادية للإغاثة الإنسانية في اليمن، تركز على دعم العملة اليمنية وإعادة دفع مرتبات الموظفين، وزيادة إنتاج اليمن من النفط، والتخلص من كافة الضرائب والرسوم الجمركية والعوائق المالية على واردات السلع الأساسية.

وأكد تقرير اشترك في إعداده ديف هاردن، المسؤول السابق عن المساعدات الأمريكية لليمن، والمدير الإداري لـ "مجموعة جورج تاون الاستراتيجية"، والخبير البريطاني "مايكل نايتس"، زميل أقدم في معهد واشنطن، وزار اليمن لمراقبة الظروف على الأرض - أن أزمة اليمن الإنسانية الأسوأ في العالم تتفاقم.

وقال التقرير: "تتفاقم الأزمة الإنسانية الأسوأ في العالم. ففي العام الماضي، كان ما يقدر بنحو 33٪ من سكّان اليمن يعانون بشدّة من انعدام الأمن الغذائي مقابل 25.1٪ في عام 2017، ويبدو أن وقف إطلاق النار الذي تدعمه الأمم المتحدة جعل مسألة حل هذه النكبة أقل إلحاحاً بكثير".

وأضاف: "ومع مضي عملية السلام المشوّشة قدماً، على الولايات المتحدة اتخاذ خطوات موازية عاجلة لمساعدة ملايين اليمنيين، ابتداءً من تحسين القدرة الشرائية لدى الأسر، مروراً بتحقيق استقرار العملة، ووصولاً إلى جعل الغذاء في متناول الجميع".

وأشار إلى أن اليمن عانى من الفقر وسوء التغذية والمياه غير الآمنة وسوء الصرف الصحي قبل الحرب، لكنّ القتال منذ عام 2015 أدى إلى تفاقم هذه المشاكل بشكل حاد. وبحلول نهاية عام 2018، قدّرت "منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة" أن 20.1 مليون يمني (69.5٪) كانوا يعانون من انعدام الأمن الغذائي، و9.8 مليون (33٪) من الانعدام الشديد - أي أكثر من ثلاثة أضعاف الرقم من عام 2010.

ورأى أن تطبيق عملية وقف دائم لإطلاق النار مع إنهاء عمليات التفتيش البحرية لـ"الأمم المتحدة" والتحالف لن ينهي الأزمة الإنسانية، فالواقع أكثر تعقيداً.

موضحاً "تأخذ آلية الأمم المتحدة للتحقق والتفتيش في اليمن ما معدّله اثنتي عشرة ساعة لتمرير سفينة قادمة، بينما يضيف التحالف بقيادة السعودية أربع ساعات إضافية إلى العملية من خلال عمليات التدقيق الخاصة به - من دون أن يتسبب هذا الأمر بحد ذاته بأي نوعٍ من التأخيرات الكبيرة التي من شأنها أن تعيق المستوردين أو تسبب طفرة كبيرة في انعدام الأمن الغذائي.

وتابع: "وحتى لو عاد ميناءا الحديدة والصليف في البحر الأحمر إلى مستويات الاستيراد المُثلى كما قبل الحرب، فستظل الأزمة تتأجج بسبب انهيار العملة وعدم دفع مرتبات الموظفين وازدياد تكلفة السلع الإنسانية".

وذكر أنه في عام 2015، كان الدولار الأمريكي الواحد يساوي 215 ريالاً يمنيّاً، لكنّ هذا الرقم ارتفع ليصل إلى 569 اعتباراً من شباط/فبراير 2019، مما زاد بشكل كبير من تكلفة السلع الضرورية.

ونوه التقرير أنه "عندما بدأت الحرب، كان اليمن يوظّف أكثر من 1.2 مليون عاملٍ مدنيٍ وعسكريٍ كانوا يُعيلون مباشرةً حوالي ستة ملايين شخصٍ. ومنذ تشرين الأول/أكتوبر 2015، أصبح تشعّب البنك المركزي إلى فرعيْن يسيطر عليهما الحوثيون والحكومة يعني انهياراً للوظائف المصرفية في صنعاء".

واستطرد "ولم يتقاضَ الموظفون أي معاشات تقريباً داخل المناطق التي يسيطر عليها المتمردون (يبلغ إجماليها عادة حوالي 2.1 مليار دولار سنوياً)، ولم تُعطَ إلا مدفوعات جزئية في المناطق التي تسيطر عليها الحكومة (عادة 1.6 مليار دولار في السنة). وحتى إذا تم إصلاح آليات الدفع، لا توفّر الحكومة إلا 1.6 مليار دولار سنويّاً، مقابل فاتورة سنوية لجدول الرواتب والضمان الاجتماعي تبلغ قيمتها حوالي 3.7 مليار دولار".

وأشار الى ازدياد تكلفة السلع الإنسانية، مؤكدا أن أسعار البنزين بلغت ثلاثة أضعاف، وتكلفة غاز الطهي ازدادت خمسة أضعاف، لافتا إلى أن السكان عاجزون عن دفع ثمن الغذاء.

وأضاف: "علاوة على ذلك، تقوم كلٌّ من حكومة الرئيس عبد ربه منصور هادي المعترَف بها دوليّاً والحوثيين بتمويل جهودهما الحربية من خلال فرض ضرائب إضافية على السلع الإنسانية المستورَدة، ولا يُجيد أيٌّ منهما تشغيل موانئهم بكفاءة كافية".

خارطة طريق اقتصادية

ورأى معهد واشنطن أن الحل الأكثر فعالية يتمثّل في تحسين القوة الشرائية للأسر، لكنّ القيام بذلك يتطلب توفير المزيد من السلع الأساسية في السوق، وتخفيض أسعار السلع، واستقرار العملة، وتحسين الدخل.

ولتحقيق هذه الغاية، وفق التقرير، "يجب على صانعي السياسات النظر في اتخاذ الخطوات العملية التالية: استخدام الدولار في اقتصاد اليمن، من خلال القيام بذلك، سيقوم "البنك المركزي" بتحويل الدولار الأمريكي والريال السعودي إلى عملتيْن قانونيتيْن يمكن تداولهما في اليمن.

وشدد على البنك المركزي اليمني أن يكون شريكاً وثيقاً مع "صندوق النقد الدولي" لإنجاز عملية التقييم التشخيصي وإعادة البلد بشكلٍ كامل إلى النظام المصرفي الدولي.

كما عليه أن يُضفي الطابع المؤسسي ويوسّع نطاق استخدام المدفوعات الإلكترونية و/أو الشيكات من أجل تخفيض نسبة الفساد والسماح بالتدفقات المالية عبر الخدمات المصرفية التي تجري عن طريق المراسلة.

وقال التقرير إن باستطاعة بعض تحركات الدعم البسيطة من الحكومة الأمريكية -مثل تمويل تطوير خط الأنابيب عبر "بنك التصدير والاستيراد الأمريكي" أو "مؤسسة الاستثمار الخاص لما وراء البحار"– أن ترفع نسبة إنتاج النفط وتزيد كثيراً إيرادات الحكومة اليمنية، والتي تتم معالجتها من خلال حسابٍ في "بنك الاحتياطي الفدرالي في نيويورك" تحت إشرافٍ دولي.

وبالمثل، كان مشروع الغاز الطبيعي المُسال في اليمن يولّد 300 مليون دولار سنوياً حتى عام 2013، ويمكن لشركة "توتال" الفرنسية أن تستأنف بسرعة عمليات التصدير بفضل البنية التحتية القائمة والضمانات الأمنية لمصنع الغاز الطبيعي المُسال ومحطته البحرية. وعلى وجه التحديد، من المرجح أن تقتنع "توتال" باستئناف العمل في حال وجود حماية دفاعية صاروخية إماراتية ومرافَقة بحرية أمريكية/إماراتية لناقلات النفط، مما يضيف على الفور 19٪ إلى عائدات الحكومة.

وشدد أن على "الأمم المتحدة" أن تساعد في تنظيم دفع الرواتب إلى المعلمين وعمّال الصرف الصحي وموفّري الرعاية الصحية في جميع أنحاء اليمن، والتي تغطيها جزئياً حكومة هادي والجهات المانحة الدولية في الوقت الحالي.

ولفت إلى أن التبرع الأخير لـ"منظمة الأمم المتحدة للطفولة" الذي بلغت قيمته 70 مليون دولار من السعودية والإمارات كان خطوةً في الاتجاه الصحيح، ولكن تخفيف الأزمة سيتطلب دفع رواتب شهرية.

وحالما تُخصص حكومة هادي عائدات النفط لهذه المدفوعات، على جميع الأطراف أن يساعدوا في ضمان أن يتم الدفع للعائلات العامِلة في جميع مناطق البلاد بشكلٍ منتظم وبشفافية تامة، باستخدام تقنيات مالية مؤهلة وجدول رواتب يمكن التحقق منه ومدعوم بمخطط بيومتري وطني.

تسهيل التجارة

وأوصى التقرير حكومة هادي والشركاء الدوليين أن يسرّعوا برنامج تسهيل التجارة الناشئ لتجّار القطاع الخاص، الذين يوفّرون جميع السلع الأساسية المستوردة في اليمن باستثناء 5٪. ولتحقيق هذه الغاية، يجب الضغط على وزارة المالية وعلى القطاع المصرفي التجاري في البلاد لإنشاء خطابات اعتماد لمجموعة واسعة من التجار في المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين والحكومة، مما يسمح لهم باستيراد السلع والأدوية الأساسية وفي الوقت نفسه استنفاد نسبة أكبر من القرض الذي قدّمته الرياض في آذار/مارس 2018 بقيمة 2 مليار دولار. بالإضافة إلى ذلك، يجب على السعوديين أن يساعدوا حكومة هادي على فتح ممرات تصدير إلى الشمال، ويجب على اليمن تعديل مرسومه رقم 75 لتحقيق المساواة في التعامل مع مراكز الاستيراد الخاصة بالحوثيين والحكومة والتخلص من حالات التأخير في واردات الوقود.

وأوصى بزيادة نقاط الولوج (الوصول) قدر الإمكان عبر قيام اليمن والبلدان المجاورة بفتح جميع الموانئ والمعابر البرّيّة/الجوّيّة بشكلٍ واسعٍ وفعّال قدر الإمكان، مؤكدا أنه من غير الممكن حل أزمة معقّدة بهذا القدر من خلال نقطة وصول رئيسية واحدة (ميناء الحديدة حالياً).

وأردف: "كما يجب التخلص من كافة الضرائب والرسوم الجمركية والعوائق المالية على واردات السلع الأساسية".

التداعيات على السياسة الأمريكية

وقال إن أمام الولايات المتحدة حوافز قوية لتخفيف حدّة الكارثة الإنسانية في اليمن، والتي لا تشكّل إهانةً لقيم الولايات المتحدة وقيادتها العالمية فحسب، بل أيضاً تهديداً للمصالح الأمريكية.

وتُلحق هذه الأزمة ضرراً كبيراً بعلاقات السعودية والإمارات مع الكونغرس الأمريكي، بينما تعزز إيران موطئ قدمها في المنطقة، ويطوّر تنظيم «القاعدة في جزيرة العرب» ملاذاتٍ آمنة جديدة في المجتمعات المحرومة. ويبقى دعم عملية السلام التي تقودها الأمم المتحدة وجهود التهدئة في موانئ البحر الأحمر أمراً أساسيّاً لتحقيق هذه المصالح، لكنّ اتخاذ تدابير اقتصادية تعود بالنفع المباشر على الشعب اليمني لا يقل أهمية.

وشدد معهد واشنطن على الإدارة الأمريكية "أن تنقل دبلوماسيين وخبراء تنمية وفرقاً معنيّة بالاستجابة الإنسانية من واشنطن وفرانكفورت وبودابست إلى الرياض وأبوظبي وعمّان وجيبوتي، مع مكاتب تابعة في عدن أو المكلا".

وخلص التقرير إلى أن أياً من الإدارتيْن الأمريكيتين الحاليّة والسابقة لم تقم بوضع ما يكفي من الأشخاص على الأرض بمستوياتٍ رفيعة كافية للتعاطي بشكلٍ مناسب مع المحاورين الرئيسيين، مما أعاق قدرة واشنطن على فهم الديناميكيات المعقَّدة الكامنة وراء هذه الحرب التي تتعدد فيها الجهات الفاعلة".