العنصرية..

صوت العنصرية يرتفع في الملاعب الإنكليزية

رياضة كرة القدم فرحة وليست ضغينة

لندن

أعلن لاعبو كرة القدم في إنكلترا وويلز مقاطعة وسائل التواصل الاجتماعي الجمعة، بهدف الضغط على منصات الإنترنت، لتقديم المزيد من الجهود لمكافحة الإساءات العنصرية.

وبعد سلسلة من الإساءات البارزة، جمعت رابطة اللاعبين المحترفين الدعم من اللاعبين للابتعاد عن تويتر وفيسبوك وإنستغرام من التاسعة من صباح الجمعة إلى التاسعة من صباح السبت.

ودعت الرابطة كافة نجوم كرة القدم في العالم إلى المشاركة في محاربة حالة العنصرية التي طغت على ملاعب كرة القدم في إنكلترا وخارجها خلال الأسابيع الأخيرة. وتجاوب اللاعبون معلنين دعمهم ومشاركتهم في المقاطعة عبر وسم #كفى بوسائل التواصل الاجتماعي.

عنصرية عابرة للملاعب

سجلت حوادث الهتافات العنصرية تزايدا في الأعوام الأخيرة في الملاعب الأوروبية، ما دفع رئيس الاتحاد القاري السلوفيني ألكسندر تشيفيرين إلى إبداء “خجله” بسببها ومن تقليل المسؤولين من أهميتها.

وكان لاعبو المنتخب الإنكليزي من ذوي البشرة السمراء، مثل داني روز ورحيم سترلينغ وكالوم هودسون أودوي ضحايا هتافات عنصرية لدى مشاركتهم الشهر الماضي مع منتخب بلادهم في مباراة ضد مونتينيغرو ضمن التصفيات المؤهلة لنهائيات كأس أوروبا 2020 والتي انتهت بفوز الإنكليز بنتيجة خمسة أهداف مقابل هدف.

وعلى إثر هذه الحادثة، وجه الاتحاد الأوروبي لكرة القدم خمس تهم لمونتينيغرو (الجبل الأسود)، إحداها تتعلق بالعنصرية، عقب إطلاق الجماهير أصوات “القرود” خلال مباراة مونتينيغرو الأخيرة ضد الإنكليز.

وأدان لاعبا المنتخب الإنكليزي لكرة القدم، رحيم سترلينغ وكالوم هودسون، الإساءات العنصرية معتبرينها “غير مقبولة”. وقد قال لاعب تشيلسي الشاب كالوم هودسون أودوي، “إنه لتصرف خاطئ أن نسمع أنا وداني روز أصوات قرود من الجماهير”. وتابع اللاعب البالغ من العمر 18 عاما، “هذا أمر غير مقبول وأتمنى أن يتعامل الاتحاد الأوروبي مع الأمر بالطريقة المثلى”.

وقال جون موراي، مراسل “بي.بي.سي” لكرة القدم، إنه سمع تلك الهتافات طيلة المباراة، وتحدث مع مصورين على أطراف الملعب، وصفوا له الإساءات التي تعرض لها لاعبو إنكلترا بأنها “مثيرة للاشمئزاز”. وقال مدرب المنتخب الإنكليزي، غاريث ساوثغيت، “هذا غير مقبول. لقد سمعت الإساءات بحق روز، حينما حصل على إنذار”.

وعلق داني روز مدافع فريق توتنهام بعد استهدافه بنداءات تشبهه بالقرد، قائلا إنه لا يستطيع انتظار انتهاء مسيرته هربا من العنصرية في رياضة كرة القدم، مضيفا أن “رياضة كرة القدم لديها مشكلة مع العنصرية… لا أريد أن يمر أي لاعب في المستقبل بما مررت به خلال مسيرتي المهنية”. وقال “قليل ما تقوم به سلطات رياضة كرة القدم وشركات منصات التواصل الاجتماعي لحماية اللاعبين من هذا الانتهاك المثير للاشمئزاز”.

وألقى روز باللوم على المسؤولين في عالم اللعبة لأنهم يقومون بفرض غرامة محدودة على الأندية أو الدول التي لا تستطيع التحكم في سلوك مشجعيها، قائلا “عندما لا نعاقب الدول سوى بغرامة توازي ما أنفقه خلال حفلة في لندن، ماذا يمكننا أن نأمل؟”، مشيرا إلى أن جهود مكافحة هذه الظاهرة مجرد “مهزلة”.

تعليقا على هذه الحادثة التي طالت روز، أشار نجم أرسنال السابق إيمانويل فريمبونغ، إلى أنه لم يفاجأ بسماع داني روز وهو يعبر عن غضبه الشديد في الآونة الأخيرة، بسبب طريقة تعامل مسؤولي رياضة كرة القدم مع العنصرية. وقال “لا يقوم أي مسؤول بأي شيء، ولن يتغير شيء ما دامت الدول التي تصدر جماهيرها هتافات عنصرية تتعرض لعقوبة مالية تصل إلى نحو عشرة آلاف يورو”.

واحتفل لاعب مانشستر سيتي رحيم سترلينغ إثر تسجيله الهدف الخامس لمنتخب بلاده، عبر وضع يديه على أذنيه، مشيرا إلى أن هذه الطريقة كانت ردا على الإساءات العنصرية، وقال إنها “الطريقة الأفضل لإسكات الكارهين”. وطالب سترلينغ مسؤولي رياضة كرة القدم باتخاذ “موقف مناسب”، ومواجهة الإساءات العنصرية.

هتافات داخل الملاعب الإنكليزية

رغم التحسن الذي شهدته مشكلة العنصرية في رياضة كرة القدم الإنكليزية مقارنة بسبعينات وثمانينات القرن الماضي، إلا أنها ما زالت مستمرة، بل إن الإحصاءات التي أعدتها منظمة “كيك إت أوت” الخيرية، والتي تنشط ضد العنصرية في رياضة كرة القدم، تشير إلى أن عام 2018 شهد سادس ارتفاع على التوالي، في البلاغات عن العنصرية في اللعبة الإنكليزية.

وأظهرت أرقام المنظمة أن هناك 520 بلاغا عن التمييز العنصري، جرى تلقيها في الموسم الكروي 2017-2018، مقارنة بـ 469 في موسم 2016 - 2017.ويشارك في الدوري الإنكليزي لكرة القدم لاعبون من كافة أنحاء العالم، ويعد اللاعبون سود البشرة ومن الأقليات العرقية الأخرى جزءا كبيرا من كافة فرق الدوري.

وأدان مانشستر يونايتد الإهانات العنصرية التي تعرض لها مدافعه آشلي يونغ على وسائل التواصل الاجتماعي، وذلك عقب الخروج من ربع نهائي دوري أبطال أوروبا على يد برشلونة الإسباني.

واستُهدف يونغ (33 عاما) على تويتر عقب الهزيمة فى ملعب “كامب نو”، على خلفية تحميله جزئيا مسؤولية الهدف الأول الذي سجله المضيف الكاتالوني، النجم الأرجنتيني ليونيل ميسي.

وأدان يونايتد بشدة التعليقات العنصرية التي نشرت على وسائل التواصل الاجتماعي، مشددا في بيان له على عدم وجود “مكان للعنصرية في لعبتنا، أو في المجتمع ككل، ونحن ملتزمون بالعمل من أجل جعل رياضة كرة القدم خالية من كل أشكال التمييز”.

وناشدت  منظمة “كيك إيت أوت” منصة تويتر التحرك بعد سلسلة من الحوادث المماثلة، مضيفة “هناك لاعب أسود آخر هذه المرة هو آشلي يونغ، استُهدف بالإساءة العنصرية على وسائل التواصل الاجتماعي”، قائلة “مرة أخرى، نجد أنفسنا نطرح السؤال نفسه؛ متى سيتم اتخاذ إجراء جاد من أجل التصدي للتمييز المتفشي على منصتكم؟”.

وجاء رد تويتر سريعا، حيث تمت الإشارة إلى أن التعليقات المعنية انتهكت سياسة مكافحة السلوك المسيء، وأنه سيُطلب من أصحاب الحسابات إزالة هذه التعليقات قبل السماح لهم بالتغريد مجددا.

وفي حادثة مماثلة، تم فتح تحقيق من قبل الاتحاد الإنكليزي، عندما انتشر فيديو يحمل أغاني عنصرية ضد محمد صلاح لاعب فريق ليفربول، رددها عدد من أنصار فريق تشيلسي يسيئون له خلالها بالقول إنه يستخدم القنابل القاتلة، وذلك قبل مواجهة ليفربول وتشيلسي في المرحلة الـ34 من دوري البريميرليغ. وأدانت إدارة ليفربول في بيان لها الفيديو المسيء لمحمد صلاح، واصفة الفيديو بالخطير والمزعج خاصة وأنه يحمل نزعة عنصرية وطائفية، وردت إدارة تشيلسي ببيان مماثل واصفة محتوى الفيديو من بعض مشجعي الفريق بالسلوك العنصري الخبيث.

وقالت إدارة الفريق آنذاك، إنها تتبع إجراءات صارمة ضد أصحاب هذا السلوك في حالة تأكد أنهم من أعضاء النادي أو من المشتركين في بطاقات حضور مباريات الفريق الخاصة. هذه الواقعة ليست الأولى؛ فقد تعرض محمد صلاح أيضا في شهر فبراير الماضي لهتافات عنصرية من مشجعي فريق ويستهام يونايتد عقب مباراة الفريقين التي انتهت بالتعادل في المرحلة الـ25 من الدوري الإنكليزي.

وقالت صحيفة “ذا صن” الإنكليزية تعليقا على هذه الحادثة، إن مشجعي ويستهام حاولوا إخراج النجم المصري عن تركيزه من خلال إطلاق بعض الهتافات العنصرية ضده أثناء قيامه بتنفيذ ركلة ركنية.

وأبدت الصحيفة تخوفها من حدوث تلك الهتافات العنصرية التي قد تنذر بمواجهات مخيفة ترجع بالذاكرة إلى ما حدث سابقا حين تم إيقاف مباريات كرة القدم لفترة بقرار من رئيس الوزراء البريطاني السابق توني بلير بسبب صدامات عنيفة تضمّنت كراهية بين الجمهور الإنكليزي والإيطالي وقتذاك.

ويساهم عدم اتخاذ اتحادات كرة القدم إجراءات رادعة في انتشار العنصرية داخل ملاعب كرة القدم الأوروبية، رغم عدم وجود أي حجة لإفلات العنصريين من العقاب ومنعهم من دخول الملاعب، خاصة مع تقنيات الفيديو التي يمكنها أن تحدد بدقة من يقف وراء هذه الإساءات. واقتصر رد الاتحاد الإنكليزي لكرة القدم في الواقعة الأولى لصلاح على مجرد فتح تحقيق، وهو الأمر ذاته الذي يقوم به الاتحاد في الكثير من الحوادث المشابهة.

ويتكرر السيناريو ذاته، وربما يشكل تهاون الاتحاد الإنكليزي في الدفاع عن لاعبيه دافعا قويا لأولئك المشجعين لتكرار فعلتهم مرة تلو أخرى.

تأتى واقعة محمد صلاح كحلقة أخرى ضمن سلسلة من الحوادث العنصرية التي تنتشر في ملاعب إنكلترا حيث تعرض أحد مشجعي فريق توتنهام للإيقاف مدى الحياة بعدما ألقى قشرة موز على اللاعب الغابوني بيري إيميريك أوبامياني نجم فريق أرسنال خلال مواجهة الفريقين ليخرج اللاعب الغابوني باكيا من شدة الألم النفسي الذي تعرض له.

ومنذ أسابيع قليلة، ألقت الشرطة القبض على 4 مشجعين لفريق تشيلسى بعد إهانتهم للاعب الفريق رحيم سترلينغ، نجم فريق مانشيستر سيتي والمنتخب البريطاني وذلك خلال مباراة الفريقين على ملعب ستامفورد بريدج.

إيقاف المباريات

عودة هذه الظاهرة بقوة دفعت بعض الفنيين إلى دعم فكرة وقف المباراة إذا تعرض لاعبون لإساءة عنصرية. وأبدى مدرّب مانشستر سيتي بيب غوارديولا دعمه لاصطحاب لاعبي فريقه مانشستر سيتي إلى خارج الملعب في مثل هذه الحالات، مضيفا أن رياضة كرة القدم يجب أن تضرب مثالا في مواجهة العنصرية.

وقال المدرب الإسباني “يمكن اللجوء إلى هذه الطريقة، رياضة كرة القدم سلاح قوي للدفاع عن مبادئ الإنسانية. يدعو البعض إلى عدم خلط الرياضة بالسياسة، لكن هذا غير صحيح. ليست هذه مشكلة رياضة كرة القدم إنما هي مشكلة المجتمع ذاته. أعتقد أن الأمور تزداد سوءاً، أقصد في أوروبا وليس في رياضة كرة القدم”.

ويقول الباحثون في علم الاجتماع، العنصرية والتمييز موجودان في رياضة كرة القدم، لكنهما لا ينبعان من رياضة كرة القدم، إنهما نتاج المجتمع الأوروبي، المسألة تتعلق بمستوى التعليم والتآخي بين البشر. وأيّد الفكرة مدرب توتنهام، ماوريتسيو بوشيتينيو، حين قال إنه يفضّل أن ينسحب من المباراة ويخسرها، على أن يسمع هتافات مهينة بحق لاعبيه.

وأكد المدرب الأرجنتيني أن “المعايير الإنسانية وإظهار الاحترام للاعبين أهم بكثير من معايير الربح والخسارة”. ويرغب مدرب تشيلسي، ماوريتسيو ساري، في أن تصدر الجهات المسؤولة عن اللعبة قرارات واضحة تتضمن إيقاف المباريات لمواجهة أي إساءة عنصرية.

وقال ساري “أعتقد أننا نحتاج إلى قاعدة في هذا الصدد، قاعدة لا تطبق فقط في مباريات الدوري الإنكليزي الممتاز، وإنما تسري على جميع مسابقات رياضة كرة القدم في الدرجات المختلفة، قاعدة يمكن أن تسمح بإيقاف المباراة”.

ويرى مدرب ليفربول يورغن كلوب أن مغادرة الملعب بسبب بعض المتفرجين على المدارج الذين يرددون الإساءات العنصرية قرار يجب أن يعتمد على تقدير حكم المباراة إذا تصاعدت وتيرة هذه الإساءات.

وقال “يجب أن نبحث عن سبل للعقاب في مواجهة مثل هذه الحوادث. هذا تصرف لا يجب أن يقوم به مدربون، بل الحكام لأنني إذا طلبت من اللاعبين مغادرة الملعب وقال طاقم التحكيم، إن الأمر لم يكن بمثل هذه الخطورة فإن هذا يعني أن فريقي سيخسر المباراة، في حين أننا نعمل على تحقيق الفوز”.

ويرى الخبراء أن الرياضة لعبة تتداخل مع ما هو سياسي وتاريخي واجتماعي، لذلك استطاعت أن تنهل هي الأخرى من هذه المجالات وتتأثر بها، وبالتالي فقد أخذت بدورها نصيبها من داء العنصرية.