إعادة كتابة التاريخ بتزييف الحقائق..

كيف تغير الإعلام التركي القطري بمظهر الناقم على البشير

اللعب على الحبال

الخرطوم

غيّر الإعلام القطري والتركي موقفه جذريا من الرئيس السوداني عمر حسن البشير الذي أطاح به المجلس العسكري بعد انتفاضة شعبية استمرت لأسابيع، في خطوة تعكس صورة أخرى من صور التقلب في مواقف أنقرة والدوحة تجاه القضايا الإقليمية، ومحاولات القفز من المراكب قبل أن تغرق.

وباتت قناة الجزيرة القطرية ووكالة الأناضول الرسمية التركية وغيرهما من المؤسسات الإعلامية القطرية والتركية متحمّسة لمتابعة أخبار البشير واعتقاله والاتهامات الموجهة له ولآخرين من النظام باعتباره كان مقربا من السعودية والإمارات، وليس قطر وتركيا.

وتحاول وسائل الإعلام هذه إعادة كتابة التاريخ للظهور بمظهر الناقم على البشير في حين يعرف الجميع أنه جزء أساسي من المنظومة القطرية التركية الإخوانية وأن مناوراته في التقارب والتباعد مع السعودية والإمارات ما هي إلا جزء من ممارسته اللعب على الحبال، بضوء أخضر من الدوحة وأنقرة.

ولم تكن هذه هي الاستدارة الأولى في مواقف البلدين، اللذين تعددت خسائرهما في الملفات الإقليمية، فقد سبق أن فتحا الباب لأنشطة القاعدة وداعش في سوريا عبر التساهل مع شبكات التمويل والتسليح وغض البصر عن تدفق الآلاف من المقاتلين وفق خطة مرسومة مسبقا.

واضطر إعلام البلدين، لاحقا، إلى وصف التنظيمين بالإرهابيين أحيانا، مجاراة لموجة عالمية وضعتهما على القوائم السوداء، ما يهدد أي جهة تظهر دعمها أو حتى تعاطفها معهما بأن تكون ضمن هذا التصنيف.

وفجأة، صارت وسائل الإعلام التركية والقطرية تصف البشير بـ”الرئيس المخلوع″، مستعيدة خطاب الحراك الاجتماعي، الذي انتفض على حكم استمر ثلاثين عاما تحت قيادة جماعة الإخوان المسلمين المدعومة قطريا وتركيا، والتي كان رموزها وتجربتها مثار تغطية إعلامية وإشادات وحضور دائم في قناة الجزيرة.

وبعد أن كان قياديون بالاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، ومقره الدوحة، يصفون تجربة إخوان السودان بكونها تجربة التمكين الأنجح، ويدعون لها بالتوفيق ويحثون على دعمها بالاستثمارات، انقلبوا فجأة عليها، وأعلن الاتحاد انحيازه للربيع السوداني، متهما البشير بالدكتاتورية ومحيطه بالفساد.

ولتمرير الانقلاب الجديد في موقفها ومفرداتها في وجه البشير صديق الأمس، عمدت الأناضول إلى إيراد مواقف لأشخاص مجهولين قالت إنهم مواطنون سودانيون، بهدف تزييف الحقائق واتهام الرياض وأبوظبي بأنهما “ظلتا على طول الخط تدعمان البشير وتحرصان على إرضائه وتتجاهلان صوت الشعب السوداني”.

ونقلت على لسان مواطن سوداني مجهول الهوية، أن “الدولتين لم تفكرا أبدا في الوقوف مع الشعب السوداني إبان ثورته، ولم تحاولا حتى دعوة البشير إلى التوقف عن قمع الشارع السوداني وقتل مواطنيه، بل ساعدتا الرئيس المخلوع خلال الفترة الماضية، حتى يتماسك ويصمد أمام الثورة”.

واعتبرت أن إعلان كلّ من السعودية والإمارات “مباركتهما للمجلس العسكري محاولة لإعادة إنتاج النظام السابق، من أجل ضمان استمرار الأدوار والخدمات التي كان يقدمها لهما”.

وخلال سنوات حكمه، فتح الرئيس السوداني الذي تمت الإطاحة به تحت ضغط الشارع، أبواب البلاد أمام أنشطة قطر وتركيا ومنحهما امتيازات كثيرة خاصة في التمركز على البحر الأحمر.

ويعتقد متابعون للشأن السوداني أن الاستدارة التركية القطرية ضد البشير وتجربة حكمه، لا تستطيع أن تغير من موقف الشارع السوداني الذي خبر طيلة ثلاثين سنة هوية البشير وداعميه في الداخل والخارج، خاصة أنه جعل من السودان فضاء ملائما للتآمر على دول الجوار ودول عربية وإسلامية عدة باستضافته لمطاردين في بلدانهم سواء من إخوان مصر أو تونس، فضلا عن تنظيم القاعدة وعلى رأسه أسامة بن لادن.