حرب الشرعية لم تعد ضد الحوثيين..

تحليل: ابعاد تلويح قوى سياسية يمنية بحرب ثالثة ضد الجنوب

خطاب مسؤولي الحكومة اليمنية بعد برلمان سيئون موجه ضد القوى الجنوبية

صالح أبوعوذل
كاتب وباحث وسياسي مستقل، رئيس مؤسسة اليوم الثامن للإعلام والدراسات، ومقرها العاصمة عدن

 دخلت الحرب في اليمن عامها الخامس، دون أي مؤشرات على قرب حدوث تسوية سياسية تنهي القتال الدائر منذ مارس (آذار) 2015، حينما شن الحوثيون الموالون لإيران حربا واسعة مدعومة بالطيران ضد عدن العاصمة التي فر إليها الرئيس الانتقالي عبدربه منصور هادي في الـ21 من فبراير (شباط) من العام ذاته، قبل ان تتدخل عشر دول عربية وإسلامية بقيادة السعودية لردع الحوثيين ومنع سيطرتهم على عاصمة الجنوب التي اعتبرتها السعودية خطا أحمر على حلفاء إيران.

 

الحوثيون، وهم أقلية زيدية في شمال اليمن، نجحوا في السيطرة على مدن رئيسية ووصلوا إلى الجنوب وساحل البحر العربي وخليج عدن وباب المندب، بفضل الدعم الإيراني والسيطرة على الجيش اليمني الذي يقول يمنيون إنه بني على أساس طائفي، جراء تحكم النظام السابق في قياداته الزيدية، الطائفة التي ينتمي إليها الحوثيون.

 

طائفية الحوثيين ومحاولة تصدير فكرهم صوب الجنوب السني، ربما أحبط عملية احتلالهم عسكريا لجغرافيا ما كان يعرف بجمهورية اليمن الجنوبية الشعبية التي كانت قائمة إلى مايو (أيار) 1990، قبل أن تدخل في وحدة سلمية انتهت بالحرب بعد مرور ثلاثة أعوام على توقيع اتفاقيتها.

 
تحليل: جهود تشريعية دولية وعربية نحو مواجهة الإرهاب 

اعتقد الجنوبيون أن الحوثيين الذين تحالفوا مع العديد من القوى الشمالية، لعل أبرزها نظام الرئيس السابق علي عبدالله صالح، سوف يرسخون الاحتلال الشمالي العسكري لبلادهم، وهو ما دفعهم إلى الانخراط في المقاومة الجنوبية التي نجحت خلال ثلاثة أشهر من القتال في تحرير معظم مدن الجنوب بما في ذلك العاصمة عدن وقاعدة العند العسكرية الاستراتيجية.

 

تولدت المقاومة الجنوبية المسلحة للتواجد الشمالي منذ وقت مبكر، لكن عملياتها العسكرية لم تنفذ إلا بعد أن ارتكبت قوات شمالية في محافظة الضالع مجزرة بحق المدنيين، في أواخر العام 2013م.

 

ونجحت الأمم المتحدة ومبعوثها الخاص إلى اليمن البريطاني مارتن غريفيث في إيقاف القتال الدائر قرب ميناء الحديدة الاستراتيجي غرب البلاد، غير أن تلك الجهود وما نتج عن المشاورات من تفاهمات، لعل من أبرزها تسليم الميناء لطرف ثالث محايد، لم تصمد طويلا.

 
تقرير: كيف عمقت حكومة هادي جراح الجنوبيين بسيئون 

مع دخول أبريل (نيسان)، صعد الحوثيون من هجماتهم ضد القوات التي تقاتل في صف الحكومة، وتمكنوا من السيطرة على مواقع عسكرية في ريف إب اليمنية جنوبي صنعاء العاصمة التي يتحكم فيها الحوثيون.

 

التقدم الحوثي جاء في أعقاب إقالة الرئيس اليمني لقائد عسكري محسوب على تنظيم الإخوان وهو عبدالكريم الصيادي، الذي كان يقود اللواء 30 مدرع، والذي كرمه الحوثيون لاحقا نظير ما قالوا إنه انضمامه إلى صفهم في مواجهة التحالف العربي.

 

أدرك التحالف العربي بقيادة السعودية خطورة الموقف والتقدم الحوثي ناحية مدينة الضالع الجنوبية التي تحقق فيها أول نصر عسكري ضد الحوثيين في مايو (أيار) 2015، فأوكل المهمة للقوات الجنوبية التابعة للمجلس الانتقالي الجنوبي، وقد تمكنت قوات الحزام الأمني والمقاومة الجنوبية في الضالع من تحقيق انتصارات نوعية ضد الحوثيين واستعادوا الكثير من المواقع التي كانت قد سلمت للحوثيين من قبل اللواء 30 التابع لإخوان اليمن.

 

أظهرت الحكومة اليمنية الانتقالية مرونة جديدة مع الحوثيين على الرغم من عملياتهم العسكرية في الضالع وقصف المدينة بصواريخ بالستية، حيث أعلن الرئيس اليمني عبدربه منصور هادي عن مد يد السلام لحلفاء إيران لإيقاف الحرب والخروج بتسوية سياسية تحول دون استمرار نزيف الدم اليمني، غير أن هذا الموقف الحكومي قابله الحوثيون بالمزيد من التصعيد العسكري، وتقدمت ميليشياتهم صوب بلدة يافع الجنوبية والواقعة في الحدود مع محافظة البيضاء الشمالية.

 

ومع هذا التصعيد خرج وزير الخارجية اليمنية خالد اليماني للتأكيد على أن الحرب في اليمن قد قاربت على الانتهاء، وأن المسألة تتطلب فقط "الحكمة اليمانية".

 
تقرير: ذكرى إعلان الحرب على الجنوب تاريخ لا ينتسي 

وتقدمت الحكومة اليمنية بمشروع قرار للبرلمان اليمني يطالب بتصنيف الحوثيين كجماعة إرهابية، وهو الموقف الذي قوبل بتأييد شعبي، على اعتبار أن الحوثيين هم جزء من المليشيات الإيرانية كحزب الله والحرس الثوري التي وضعتها الولايات المتحدة على قوائم الإرهاب.

 

 إلا أن وزير الخارجية خالد اليماني سرعان ما تدخل ونسف التوجه الحكومي، ونفى عدم رغبة بلاده في وضع الحوثيين كجماعة إرهابية.. مبررا أن ذلك قد يعرقل عملية السلام التي يرفض الحوثيون الالتزام بها وبما وقعوا عليه سابقا، وآخرها اتفاق السويد، والمتضمن انسحابهم من ميناء الحديدة الاستراتيجي.

 

لا شك في أن الأزمة العربية مع قطر قد ألقت بظلالها على الحرب في اليمن، فحكومة الشرعية اليمنية التي تتخذ من الرياض وعواصم عربية أخرى مقرا لمسؤوليها، أظهرت مرونة مع الحوثيين الذين استغلوا ذلك في تعزيز قدراتهم العسكرية وتجنيد مرتزقة أفارقة تم الزج بالكثير منهم للقتال.

 

فحلفاء قطر الذين يمتلكون نفوذا كبيرا في القرار الرئاسي اليمني، أعلنوا عن تشكيل تحالف سياسي يمني ضموا إليه بعض الأحزاب والتنظيمات المنضوية تحت لواء (الإسلام السياسي) في اليمن، اشترطت هذه القوى أن تسلم لها محافظات الجنوب المحررة مقابل المضي في محاربة الحوثيين، وهي شروط يرى البعض أن الهدف منها صرف الأنظار عن الحرب ضد الحوثيين بحروب جانبية ضد الجنوبيين المتحالفين مع السعودية والإمارات.

  
تحليل: جهود تشريعية دولية وعربية نحو مواجهة الإرهاب 

فقد أقر تحالف (الإسلام السياسي)، المعلن عنه في مدينة سيئون يوم 14 أبريل (نيسان) 2019، تحت اسم (التحالف الوطني للقوى السياسية اليمنية)، على ضرورة حل قوات الحزام الأمني والنخبة المتخصصة في محاربة الإرهاب باعتبار أنها قوات غير تابعة لحكومة الشرعية، على الرغم من ان هذه القوات شكلت بقرار جمهوري صادر من الرئيس هادي.

 

وضع تلك الأحزاب ما وصفتها باستراتيجية مهمة لحل القوات الأمنية في عدن وحضرموت وشبوة من الجذور، هو توجه لإيقاف الحرب التي تخوضها تلك القوات ضد التنظيمات الإرهابية، التي يؤكد التحالف العربي أنها تتلقى تمويلا من الدوحة التي أعلنت السعودية والإمارات ومصر والبحرين مقاطعتها على خليفة تورطها في دعم التنظيمات الإرهابية باليمن والمنطقة.

 

التوجه اليمني الحكومي نحو حل قوات الحزام الأمني والنخبة يأتي بسبب أن هذه القوى تشكل عائقا في طريق استعادة القوى اليمنية سيطرتها على حقول النفط في شبوة وحضرموت، على الرغم من التفاهمات التي أبديت بشأن مصالح القوى اليمنية في الجنوب.

 

زعيم إخوان اليمن الملياردير حميد الأحمر، أعلن من سيئون تبنيه مناهضة المطالب الجنوبية بالاستقلال، وشدد على التصدي لما وصفها بالمشاريع الصغيرة، في إشارة الى مطالب الجنوبيين بالاستقلال.

 

عودة حميد الأحمر الذي فر إلى تركيا مع دخول الحوثيين صنعاء، جاءت عقب تفاهمات مع بعض الأطراف الإقليمية، فالزعيم الإخواني الذي يتشارك مع الحرس الثوري الإيراني في اقتصاد شركة سبأ فون للهاتف النقال في اليمن، يرفض الاعتراف بالرئيس اليمني عبدربه منصور هادي، ويرى أن البرلمان اليمني الذي أعيد إحياؤه سيكون مقدمة لمرحلة انتقالية جديدة برئيس جديد، يصر الأحمر على أن يكون من الموالين له.

 

يرى حميد الأحمر أن الدولة الاتحادية التي يطرحها الرئيس هادي هي الفرصة الأخيرة التي تعيد سيطرته على جزء من حقول النفط في حضرموت، لكن هذا المشروع الاتحادي يستحيل تحقيقه في محافظات شمال اليمن، وهو ما دفع القوى اليمنية وأحزاب (الإسلام السياسي) إلى التلويح بحرب ثالثة ضد الجنوب على غرار الحربين السابقتين في 1994 وفي 2015، والأخيرة لا تزال مستمرة بالنسبة للجنوب على الحدود الدولية السابقة.

 

وترى هذه القوى أن إدخال الجنوبيين في معارك استنزاف مع الحوثيين، الذين دفع بهم المال القطري المرسل حديثا إلى حدود البلدين السابقين، قد يدفع القوى الجنوبية التي تطالب بالاستقلال إلى القبول بهذه القوى في الجنوب، وهو ما دفع مسؤولين في الحكومة إلى التلويح بدعم الحوثيين في حربهم ضد من يصفونها بالقوى الانفصالية.

 

هذا الانعكاس في التحالفات اليمنية وتصويب الحرب ضد الجنوب ربما يدفع التحالف العربي بقيادة السعودية إلى التفكير في تحالفات جديدة قد تحفظ الانتصار الوحيد في الجنوب والبحث عن وسائل أخرى على الأقل تدفع الحوثيين إلى القبول بتسوية سياسية يلتزم بموجبها الحوثيون بعدم تهديد الأراضي السعودية.

 

كما لا يستبعد أن تدعم بعض الأطراف الاقليمية التوجه الإخواني للسيطرة على الجنوب مقابل قبول الحوثيين بالتسوية السياسية، لكن هذه الحلول مؤقتة، فالحوثيون والشماليون عموما تولدت لديهم نزعة الكراهية تجاه دول الجوار وابرزها السعودية، فلا يكفي أن تقدم الجنوب كورقة تنازل مقابل أن يكف الحوثيون أذاهم عن السعودية، كما أنه من المستحيل أن يقبل الجنوبيون بأي شكل من أشكال الوحدة مع الشمال، بما في ذلك دولة الأقاليم الستة التي قد ينقلب عليها اليمنيون الشماليون، على غرار الانقلاب على اتفاقية وحدة مايو (أيار) 1990، وهو ما يصعب المسألة وقد يولد صراعات جهوية وطائفية، لما تضع حلول مستدامة، تمنح الجنوب كحليف حقه في السيادة على ارض وتحفظ الانتصار الذي تحقق ضد حلفاء ايران، خاصة وان هناك تهديدات حوثية واضحة باجتياح الجنوب مرة أخرى.