(اليوم الثامن) تبحث في مصالح الكبار بالقارة السمراء..

تحليل بحثي: استقرار القارة الأفريقية.. استثمار مؤجل

قيام الاتحاد الإفريقي في يوليو 2002 بهدف تمكين أفريقيا لتجسيد إرادتها المستقلة - ارشيف

د. نبراس المعموري

رغم الثروات الطبيعية التي تتمتع بها القارة الافريقية و التي تعد الأكبر على مستوى قارات العالم، الا ان الفقر سمة باتت تعرف بها القارة، و لعل هذه الثروات كانت سبب رئيسي في  سيطرة الاستعمار المستمر عليها ، فاقتصاديا تمتلك أفريقيا ثروات هائلة متمثلة بالثروة الفلاحية حيث يعمل ثلثا سكان القارة في الزراعة تقريبا بسبب التنوع البيئي والمناخي، كما أن إفريقيا تتميز بوجود غابات هائلة إذ تساهم صناعة الخشب ب 6% من إجمالي الناتج الداخلي للقارة الإفريقية و يتم تصدير هذه الأخشاب إلى عدة دول كالاتحاد الأوربي و اليابان و اسرائيل ، أما في المجال البحري فالدول الإفريقية تمتلك مخزون هائل من الثروة السمكية وتقوم بإنتاج 4.5 مليون طن من الأسماك في منطقة غرب إفريقيا.

 كما تمتاز أفريقيا بوجود كميات كبيرة من المعادن كالذهب في جنوب إفريقيا  وزيمبابوي والسودان، ومعدن النحاس في زامبيا و السودان و الكونغو، و البترول، و تمتلك إفريقيا لوحدها ما يناهز 124 مليار برميل من احتياطي النفط أي بنسبة 12 بالمائة من نسبة الاحتياط العالمي في دول ليبيا والجزائر و مصر و السودان و نيجيريا وغينيا الاستوائية، وتتوفر أيضا على مخزون هام من اليورانيوم في جنوب إفريقيا و النيجر و ناميبيا، و تملك إفريقيا وحدها نسبة 18 بالمائة من إجمالي الإنتاج العالمي لهذه المادة، و خزان احتياطي يبلغ ثلث إجمالي احتياط العالم، كما أن إفريقيا تعتبر من أكبر المنتجين للألماس العالمي بما يناهز 40 بالمائة من إجمالي ألماس العالم، و يتركز في كل من دول أنجولا و بتسوانا والكونغو الديمقراطية وجنوب أفريقيا و ناميبيا، و الغريب في الأمر أن بعض الحروب الأهلية بالقارة تم تمويلها بهذه المادة لدرجة أصبح يطلق على الألماس القادم من تلك المناطق بألماس الدم الذي كان اداة مهمة لتمويل النزاع والاقتتال الداخلي.

وامام ارتفاع معدلات العنف والنزاع الداخلي حاول الاتحاد الافريقي خلال أعمال القمة الثانية والثلاثين للاتحاد، والتي انعقدت في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا ايجاد صيغة للتعاون الافريقي المشترك بصدد اللاجئين والإرهاب والتعاون الاقتصادي، ومبادرة إسكات البنادق بحلول عام 2020 التي كانت محل ترحيب كبير من قبل مجلس الأمن الدولي عبر قراره 2457  لغرض تخليص القارة الافريقية من النزاعات وتهيئة الظروف المواتية للنمو والتنمية، وجعلها خالية من النزاعات، رغم ان المنظومة الاممية تدرك جيدا إن إسكات البنادق في أفريقيا يتطلب مشاركة جميع الأطراف ذات العلاقة، وتعزيز المجتمعات بمؤسسات قوية وحوكمة  جيدة مرهونة بحلول للازمات الاقتصادية، والكوارث الطبيعية.

 المشاكل التي تعاني منها القارة الافريقية 

اولا: تعاني 22 دولة  افريقية  على الاقل من نزاعات مسلحة بشكل أو بآخر مثل جنوب السودان وأفريقيا الوسطى والكونغو الديمقراطية و غيرها.

ثانيا: ارتفع مستوى الديون الخارجية في دول إفريقيا وفقاً لمؤسّستي صندوق النقد الدولي والبنك الدولي؛ من 25.2% من الناتج المحلي الإجمالي عام 2010 إلى 34.5% عام 2015، كما ارتفعت عام 2017 إلى 535 مليار دولار، ولا شك أن الاعتماد على هذه القروض الخارجية يخلق قيدا من التبعية قد لا يمكن التخلي عنها وعلى مدى أكثر من 40 عاما تلقت فيها الدول الأفريقية المساعدات والقروض الخارجية مازال يثار العديد من التساؤلات: ماذا حققت تلك المساعدات؟ ولماذا لم تؤد إلى تحسين مستويات المعيشة أو توفير شروط تحقيق التنمية المستدامة؟

ثالثا: بلغ حجم الأموال المهربة وفق تقرير صحيفة " وول ستريت جورنال" الأمريكية بصورة غير شرعية خارج القارة الافريقية ما قيمته 60 مليار دولار سنويا ، و هذا يحرم أكثر القارات فقرا في العالم من رؤوس الأموال وعائدات ضريبية من شأنها أن تسهم في تعزيز النمو الاقتصادي.

رابعا: أدى ازدياد الفقر وتراجع الظروف المعيشية في جميع أنحاء القارة إلى خلق أرض خصبة لانتشار الأمراض المعدية، وتدهور الحالة الصحية، و حوالي نصف السكان لا يستطيعون الحصول على المياه المعقمة وخدمات الصرف الصحي الكافية، و ذكرت منظمة الصحة العالمية في عام 2001 أن ما يقرب من 3000 شخص يموت كل يوم بسبب مرض الملاريا، كما توفي أكثر من 17 مليون أفريقي بسبب فيروس نقص المناعة البشرية / الإيدز، و يقدر حاليا أن أكثر من 28 مليون من 40 مليون شخص يعيشون مع هذا المرض في جميع أنحاء العالم هم في أفريقيا، كما ان هناك أكثر من 12 مليون يتيم في أفريقيا فقدوا أمهاتهم أو كلا الوالدين بسبب الإيدز، اضافة ان 20 مليون إنسان أفريقي يواجهون الموت جوعا في عدد من الدول الأفريقية .

خامسا: تعاني دول أفريقيا من انتشار الفساد المالي والاداري، و حسب تقرير الشفافية الدولية لعام 2017  فقد تمكنت خمس دول أفريقية فقط من تجاوز مؤشر مدركات الفساد بحصولها على نتائج تفوق 50 نقطة من أصل 100، وهي بوتسوانا وجزر الرأس الأخضر وموريشيوس وروندا وناميبيا. واشار تقرير اللجنة الاقتصادية للأمم المتحدة بأن خزائن حكومات الدول الأفريقية تفقد سنويا ما قدره 148 مليار دولار بسبب الفساد وحسب تقارير البنك الدولي؛ فقد ساهم الفساد في تحويل 400 مليار دولار من أموال القارة إلى حسابات وعقارات في الخارج، منها 100 مليار دولار متأتية من نيجيريا لوحدها.

سادسا: هناك 30 مليون لغم في أفريقيا وحدها من إجمالي 110 ملايين لغم خلفتها الحروب في العالم تشل حركة التنمية في 18 دولة أفريقية من بينها 23 مليون لغم في مصر منذ الحرب العالمية الثانية.

سابعا: انخفاض مستوى التعليم وارتفاع الأمية بنسبة تصل إلى 60% في العديد من الدول الأفريقية، لا سيما ان التقديرات المتعلقة بالنمو السكاني المتوقع تبين أن أفريقيا هي أسرع المناطق نموا في العالم، مع تزايد أعداد فئة الشباب، التي ستبلغ حوالي 60% من مجموع السكان بحلول عام 2050، وهؤلاء الشباب بحاجة إلى التعليم وفرص العمل والسكن والرعاية الصحية .

ثامنا: المشكلات التي خلقتها الحدود المرسومة بين الدول الإفريقية و الطريقة التي اتبعها الأوربيون في تقسيم إفريقيا فيما بينهما أثناء مؤتمر برلين 1885، حيث لم تراعي الدول الأوربية أي اعتبارات خاصة مثل التجانس العرقي و اللغوي و التكامل الاقتصادي والإرث الحضاري، لغرض خدمة المصالح الاوربية و الاستحواذ على مناطق النفوذ، و قد ترتب على هذه الحدود مشاكل و نزاعات بين الدول الافريقية عقب فترة الاستعمار، و خاصة تلك الدول التي لها قبائل رعوية، و يوجد في إفريقيا ما يفوق 50 وحدة سياسية، منها 13 وحدة سياسية لا توجد لها منافذ بحرية.

أن معظم المشاكل والأزمات التي تطرقنا لها و التي تعاني منها أفريقيا اليوم ترتبط بميراث الفترة الاستعمارية وغياب العمل المؤسساتي الرصين القائم على حكم رشيد و قيادة صالحة ، ادى في النهاية إلى سوء إدارة الدولة وتفشي الفساد اضافة الى التحديات الخارجية التي تجعل من مسالة التنمية والنهوض أمرا صعب التحقق، و يمكن التطرق بهذا الصدد الى المحورين  الامريكي و الصيني واثرهما على مستقبل القارة الافريقية.

مصالح الولايات المتحدة الامريكية في القارة الافريقية

رغم الخطاب الامريكي المتعلق بالديمقراطية و حقوق الانسان، الا ان الحقيقة و فق التجارب الماضية  تلخص؛ ان علاقات الولايات المتحدة مع إفريقيا قبل عام 2000 لم تتجاوز الاهتمام بالروح المعادية للشيوعية وتعزيزها في القارة، إضافة إلى تقديم قروض مالية مقيدة، و قد وصف مراقبون وخبراء سياسة الولايات المتحدة في إفريقيا في ظل إدارة الرئيس السابق "باراك أوباما" بـ"الاستباقية"؛ حيث تحدثت إدارته باهتمام عن الحفاظ على الحكومة الدستورية في بعض الدول الإفريقية، وفرض عقوبات على زعماء "الجماعات الإرهابية"، لا سيما ان اميركا  استطاعت من  تمديد عقد إيجارها لقاعدة ليمونيه العسكرية في جيبوتي لمدة عشرة أعوام أخرى مقابل ايجار سنوي بقيمة 38 مليون دولار، و يعد ايجار القاعدة أحد أهم مصادر الدخل القومي لجيبوتي، ويضم المعسكر حوالي أربعة آلاف جندي أميركي بما يجعله القاعدة العسكرية للولايات المتحدة الامريكية الدائمة في أفريقيا، و تعد جيبوتي التي هي عضو في جامعة الدول العربية مركز انطلاق الاستراتيجي للولايات المتحدة في حربها ضد "الإرهاب" في كل من أفريقيا وشبه الجزيرة العربية و بالذات اليمن والصومال.

 اما ما يتعلق بالجانب الاقتصادي فقد دعمت الولايات المتحدة تجارتها مع إفريقيا من خلال قانون النمو والفرص في إفريقيا "أغوا" (AGOA)  و الذي يهدف إلى إقامة علاقات تجارية قوية مع بلدان مختارة في المنطقة، و وضع سقف زمني لهذه الاتفاقية  لمدة عشر سنوات من حزيران 2015 و لغاية أيلول 2025 . و بموجب قانون "أغوا" (AGOA)  ارتفع مجموع صادرات الولايات المتحدة إلى أفريقيا 22% أي ما يعادل 10 مليار دولار، وارتفع إجمالي واردات الولايات المتحدة من أفريقيا بنسبة 40% أي 50 مليار دولار، كما ازداد امريكا على أفريقيا فى الحصول على مصادر الطاقة، و يقدر 15% من البترول الذى تحتاج إليه الولايات المتحدة يأتي من وسط وغرب أفريقيا.

ورغم ضخامة الاستثمار الأميركي في إفريقيا؛ لا تزال علاقة الولايات المتحدة التجارية مع إفريقيا في مستوى غير متطور، بل وتشهد انخفاضًا منذ عام 2011 ،  لا سيما أن المشاكل التي تعاني منها الولايات المتحدة المتعلقة بعجز الميزانية؛ قيد حركتها في افريقيا، فضلا عن وجود جماعات مدنية وحقوقية تطرح دائما مشكلة غياب الديمقراطية و انتهاكات حقوق الإنسان في العديد من البلدان الأفريقية، اضف الى ذلك انتخاب الرئيس ترامب لم يؤدي إلى تغييرات جذرية في السياسة الخارجية الأمريكية تجاه أفريقيا، بعد قيامه  بخفض المساعدات التنموية الموجه للخارج، و التي تمثل 1% من الميزانية الفدرالية، و كانت حصة إفريقيا من هذه المساعدات مرهونة في الغالب باحترام قضايا حقوق الإنسان و تنمية الديمقراطية، كما ظهر جليا أن ادارة ترامب لا تمتلك أي خطة بديلة اتجاه إفريقيا للحد من التوسع الصيني و الأروبي  فيها. 

الدور الصيني في افريقيا

أبرز ما يميز الدور الصيني في أفريقيا استخدامه أدوات القوة الناعمة، مثل الدبلوماسية الشعبية والثقافية والمساعدات الاقتصادية والإنسانية، كما تمتلك الصين المال والإرادة السياسية فضلا عن غياب المعارضة الداخلية، وهو ما يحرر سياستها الأفريقية من أي التزامات تتعلق بمسائل الحريات وحقوق الإنسان.

 وتعد الصين أكبر شريك تجاري لأفريقيا منذ عام 2009 حيث بلغ حجم التجارة الثنائية نحو 11 مليار دولار عام 2000، ثم ارتفع هذا الرقم ليصل إلى ما يقرب من 60 مليار دولار عام 2006 ، ثم إذا به يقفز إلى نحو 210 مليارات دولار عام 2013، كما ارتفعت الاستثمارات الصينية في أفريقيا إلى نحو ثلاثة اضعاف العقد الماضي، وتعد جنوب أفريقيا وأثيوبيا من بين الدول التي تتصدر الطليعة فيما يتعلق بالاستثمارات الصينية، بينما تحتل زامبيا وأنغولا ، و لابد من الاشارة ان الهدف الاساس من  الاستثمار الصيني هو الحصول على الموارد النفطية والمعدنية التي تملكها بعض الدول الأفريقية، كنيجيريا والجزائر والكونغو إلخ... والدليل أن 90 بالمائة من صادرات الدول الأفريقية تجاه الصين تخص فقط النفط والمعادن والغاز، ما جعل الميزان التجاري يميل أكثر للصين على حساب هذه الدول التي تبقى اقتصاداتها متذبذبة بسبب تذبذب أسعار النفط على المستوى العالمي.

وتشير دراسة أجرتها "وكالة ما كنزي الأمريكية" أن أكثر من 1000 شركة صينية تعمل حاليا في أفريقيا. بعض المصادر تتحدث عن 2500 شركة، 90 بالمائة منها شركات خاصة، و توقعت أن تصل قيمة الأرباح المالية التي تجنيها الصين من أفريقيا في حلول 2025 إلى 440 مليار دولار، أي بزيادة قدرها 144 بالمائة.

 ومع ذلك هناك انتقادات لطبيعة الدور الصيني ا في أفريقيا فرغم الاستحواذ الواضح على النفط والمواد الخام الأخرى في أفريقيا، وتأمين حلفاء يصوتون لها في الأمم المتحدة، الا انها  لم تهتم بمشروعات البنية التحتية او المبادرة بالاعفاء من مليارات الديون المستحقة على الدول الأفريقية.

يقتضي الحديث عن الإمكانيات الأفريقية في تحقيق نهضة قارية؛ البحث في الاجراءات السياسية والاقتصادية على صعيد القارة و هي:

  • الشراكة السياسية و الاقتصادية للقارة الافريقية: سياسيا اعلن عن قيام الاتحاد الإفريقي في يوليو 2002 بهدف تمكين أفريقيا لتجسيد إرادتها المستقلة سياسيا واقتصاديا ويوفر لها الآليات المؤسساتية التي تمكنها من تحقيق التنمية المستدامة وأسباب التخلف، و خلق فضاء قاري على غرار التكتلات الأخرى في أوروبا و وآسيا وأمريكا. لقد بدأ الاتحاد الإفريقي مهامه سياسيا واقتصاديا، إلا أنه واجه مشاكل عدة تتمثل بتمويل الاتحاد نتيجة عجز مجموعة من الأعضاء عن أداء مستحقاتهم السنوية، كما أن الاتحاد افتقر إلى آليات فرض السلم و منع نشوب النزاع و فرض مسألة حقوق الإنسان، و تكريس الديمقراطية في معظم الدول الإفريقية، بالإضافة إلى تحدي المشاكل الاجتماعية، والاقتصادية، و تأسيس منظمة التجارة العالمية التي اثرت على الاقتصاد الإفريقي، وزيادة نفوذ التكتلات الكبرى المتمثلة في المنظمات الجيوثقافية المرتبطة بالقوى الأجنبية على حساب المنظمات الإقليمية الإفريقية.
  • التعاون بين الكيانات الإفريقية : انشأ بهذا الخصوص العديد من التجمعات الإقليمية الجديدة، كما تطورت تكتلات قارية أخرى كانت قائمة، و تهدف تلك التجمعات إلى إيجاد فضاء اقتصادي و سياسي خاص من خلال إقامة اتحاد شامل قائم على الاستراتيجية التنموية التكاملية تشمل الاستثمار في كافة المجالات، و إلغاء القيود على حرية انتقال الأشخاص و رؤوس الأموال و الإقامة و الملكية، كما تسعى إلى احتواء بؤر التوتر و تسوية الصراعات فيما بين الدول الأعضاء، لتحقيق وحدة إفريقية قارية شاملة، مثل اتحاد شرق أفريقيا ، و تجمع السوق المشتركة لشرق وجنوب أفريقيا المعروف "بالكوميسا"، و المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا "الإيكواس" ومجموعة تنمية الجنوب الأفريقي "سادك .. الخ . و على الرغم من التقدم الذي تحرزه بعض التكتلات الاقتصادية الإفريقية النشطة، إلا أن بلوغ مسألة التكامل الاقتصادي تعتريه صعوبات جمة أبرزها: عدم وجود ارادة سياسية من أجل تنفيذ خطط التكامل، و تغليب الصراعات السياسية على المصالح الاقتصادية، وعدم موائمة البنى التحتية مع التكامل المادي. ورغم كل هذه الصعوبات تبقى تلك التكتلات الاقتصادية إطار مؤسساتي قاري يتيح فرص كبيرة لتحقيق التنمية لشعوب القارة بعد ان يتم تأهيل تلك المجموعات و مواءمتها مع الاستراتيجيات و سياسات البلدان الإفريقية، لا سيما هناك عائد ديمغرافي يمكن استثماره من خلال التعليم الجيد، وتدريب المعلمين، والتكنولوجيا والابتكار، وهو ما من شأنه أن يؤدي إلى تعزيز الإنتاجية، وإيجاد فرص العمل.

تقدم أفريقيا اليوم، صورة دينامية ولكنها متناقضة للتقدم المحرز والتحديات الكامنة، فمن ناحية، تخطّى النمو الاقتصادي في عدة بلدان أفريقية نظيره في أنحاء أخرى من العالم، فنسبة الالتحاق بالتعليم الابتدائي في أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى ارتفعت من 52% عام 1990 إلى 80% عام 2015، كما أن معدلات وفيات الأطفال شهدت انخفاضا، إلا أن بعض مناطق أفريقيا تواجه تهديدات وتحديات نتيجة العنف المسلح وانعدام الأمن البشري، وقد ترتب على استمرار النزاع أن ثلاثة من البلدان الأربعة التي تواجه حاليا تهديدا خطيرا بالمجاعة تقع في أفريقيا، وما يلفت الانتباه وطبقا للغة الأرقام والمؤشرات ، فقد شهدت بعض دول أفريقيا زيادة في الدخل الحقيقي بنسبة تتجاوز 30%، كما بلغت نسبة النمو المتوقعة في إجمالي الدخل القومي نحو 6% خلال السنوات العشر القادمة، ويوجد في أفريقيا سبع دول تعد بين الدول العشر الأسرع نموا من الناحية الاقتصادية في العالم وهذا مؤشر لا باس به لغرض تحقيق النهوض في القارة الافريقية

الخاتمة :

وصلت ظواهر التخلف والفساد والفقر في إفريقيا بشكل عام إلى درجة بالغة الخطورة، و أصبحت حكومات دول القارة مطالبة بالتغيير، لا سيما امام حجم الحركات التمردية والثورية التي تعيشها شعوب القارة المنددة بسياسات رؤساء تلك البلدان، و لغرض مواجهة حجم التخلف الذي تعاني منه القارة الافريقية، لابد من تنمية قدرات الطاقات البشرية، وتعزيز الكفاءات، واستثمار جميع الطاقات المتاحة للدول الإفريقية في مشاريع تنميتها واستغلالها بشكل علمي عبر التخطيط لإقامة صناعات صغيرة مطابقة للإمكانيات المتاحة في الدول الإفريقية نفسها، وكذلك وضع خطة للتعليم لتحقيق الاستقلال العلمي والتكنولوجي؛ لأن الاستقلال الاقتصادي و السياسي لا قيمة له ما لم يتحقق الاستقلال العلمي و التكنولوجي، اضافة الى اهمية خلق السوق الأفريقية الموحدة والعمل على إدماج اقتصادها بالتكنولوجيا، وتكامل البنية التحتية فيما بينها إلى جانب الإصلاح المالي والإداري

 و لأجل مواجهة المبادلات الاقتصادية الا متكافئة، لابد من تغيير الاسلوب البدائي في قطاعي الزراعة والمعادن إلى أسلوب عملي مختلف  يضمن إجراء عمليات تحسين مراحل تصنيع المواد الأولية لتنتج دخل جيد يمكنها من المضي في السير على طريق التنمية، لا سيما ان القارة تتوفر فيها المواد الأولية و اليد العاملة الرخيصة.

اما مشكلة  التمويل الخارجي يتعين على الدول الإفريقية أن تعمل على أن تدخر جزء من عملاتها التي تستورد بها المواد المصنعة من الدول الأجنبية، و توجه هذا الادخار للاستثمار في المواد المصنعة و الوسيطة و الضرورية و بذلك تحد إلى حد بعيد من القروض و التمويل الخارجي، و ما يتعلق بموازين القوى  ومواجهة تداعيات التفاوتات الدولية، لا يوجد حل إلا بالتكتلات الإقليمية سياسيا واقتصاديا، لغرض الإسراع إلى فض النزاعات وتثبيت دعائم التنمية و التكامل الاقتصادي.

و كل ذلك لا يمكن ان يتحقق ما لم يكن هناك ارساء لدعائم الديمقراطية، وإفراز كفاءات غيورين على المصلحة الوطنية، تتوحد على المستوى القاري مشكلين جميعا جبهة متجانسة أمام الاستعمار الجديد وأساليبه، و للقضاء على التفتيت و التقسيم و الخلافات التي ورثتها الدول الإفريقية نتيجة الاستعمار القديم. 

اخيرا.. مع اختتام أعمال القمة الأفريقية الثلاثين في أديس أبابا في يناير 2018، أعلن رئيس الاتحاد الأفريقي بول كاجامي" أن القارة الأفريقية لم تعد تنتظر الإحسان القادم من الدول الأخرى لتحسين أوضاعها، وإنما ستعتمد على نفسها في استغلال مواردها الهائلة للقضاء على الفقر وتحقيق التقدم والرخاء لشعوبها، والعمل بقوة على محاربة الفساد الذي يعرقل تحقيق التنمية في القارة ". وامام  مسار الثورات خاصة ما حصل في السودان مؤخرا والتي اصبحت يشكل خطرا كبيرا على مصالح الانظمة الدكتاتورية يثار السؤال الجدلي .. هل ستكتفي القمم الافريقية بالتصريح والتنديد والوعود، ام ستتحول وفق تحولات المرحلة السريعة والحرجة؛ لتكون حافزا للتحول الديمقراطي والتغيير الذي لابد ان تشهده القارة الافريقية ؟