عودة الكابوس مع دخول الليرة على مسار الانهيار..

بنوك تركيا تحاول بيع ديونها لصناديق أميركية وأوروبية

مكتب تبديل عملات في إسطنبول

أنقرة

فيما هبطت الليرة التركية إلى أدنى مستوياتها في 8 أشهر متأثرة بـ«أزمة انتخابات إسطنبول» السياسية التي قد تثير مزيدا من العواصف الاقتصادية، علق البنك المركزي التركي أمس مزادات الريبو لأجل أسبوع لفترة غير محددة، وذلك عقب تهاوي العملة المحلية. وقال البنك على موقعه الإلكتروني: «في ظل التطورات بالأسواق المالية، فقد تقرر وقف مزادات الريبو لأجل أسبوع لفترة من الوقت».
وتراجعت الليرة أمس أمام الدولار لتسجل 6.24. لتصل بذلك أدنى مستوى لها منذ سبتمبر (أيلول) الماضي، وانتعشت الليرة بصورة طفيفة لتسجل 6.22 ليرة أمام الدولار بعد صدور بيان البنك المركزي.
وسوف يؤدي قرار البنك لارتفاع تكاليف الاقتراض للبنوك في تركيا. ويحاول البنك المركزي وقف تراجع الليرة بصورة أكبر من خلال تقييد مبالغ الليرة التي يمكن أن تشتريها البنوك. ويواجه البنك ضغوطا من أجل رفع معدل الفائدة، إلا أنه مع ذلك أبقى على معدلات الإقراض عند 24 في المائة. ومن المقرر أن يعقد مجلس السياسة النقدية للبنك اجتماعه المقبل في 12 يونيو (حزيران) القادم.
في غضون ذلك، بحثت مجموعة من المستثمرين الدوليين مع مسؤولي البنوك التركية شراء ديون متعثرة في إطار خطة حكومية تركية لتخليص البنوك من هذه الديون في اجتماع نظمته مؤسسة الاستشارات «برايس ووتر هاوس كوبرز» في إسطنبول أمس (الخميس).
ويعد الاجتماع هو الأول من نوعه منذ كشف وزير الخزانة والمالية التركي برات ألبيراق، منذ شهور عن خططه للتخلص من ديون قطاعي الطاقة والعقارات المشكوك في تحصيلها، حيث سيتم نقل هذه الديون إلى صندوقين تديرهما البنوك والمستثمرون الدوليون والمحليون.
وقالت وكالة «بلومبرغ» الأميركية إن ممثلين لبنكي الاستثمار الأميركيين «غولدمان ساكس»، و«باين كابيتال» إلى جانب ممثلين عن البنك الأوروبي للإعمار والتنمية، ومؤسسة التمويل الدولية التابعة للبنك الدولي تدرس شراء جزء من الديون المتعثرة من البنوك التركية. وأشارت الوكالة إلى أن محادثات الأمس هي محادثات أولية لمناقشة تفاصيل عمل الصندوقين وهيكلهما والمسؤولين عن إدارتهما. وأكدت متحدثة باسم البنك الأوروبي للإعمار والتنمية حضور البنك الاجتماع، في حين رفض متحدثان من «جولدمان ساكس»، و«باين كابيتال» التعليق.
وتضررت البنوك التركية، بشدة، من ارتفاع حجم الديون المتعثرة والمشكوك في تحصيلها وطلب الكثير من الشركات المدينة إعادة جدولة ديونها. وتلقت البنوك طلبات لإعادة جدولة ديون قيمتها 28 مليار دولار في أعقاب تراجع سعر الليرة التركية أمام الدولار بنسبة 30 في المائة في العام الماضي.
وارتفعت نسبة الديون المشكوك في تحصيلها في مارس (آذار) الماضي من 2.9 في المائة من إجمالي القروض المصرفية تركيا في بداية 2018، لتصل إلى 4.04 في المائة.
وذكرت «بلومبرغ» في تقرير لها أن المصارف التركية، المثقلة بالديون، تستعد لمزيد من الضغوط والأنباء السيئة؛ جراء الفوضى السياسية، وهبوط الليرة لأدنى مستوياتها منذ 8 أشهر.
وأضافت أنه علاوة على كومة هائلة من عمليات إعادة هيكلة الديون، يواجه المقرضون في تركيا الآن خطر ارتفاع أسعار الفائدة، وضعف مستويات رأس المال؛ لا سيما بعد قرار إعادة الانتخابات المحلية على رئاسة بلدية إسطنبول.
وأشارت إلى أن انخفاض الليرة يجعل سداد القروض بالعملات الأجنبية أكثر تكلفة للشركات، وربما يعرقل الجهود الرامية إلى إخراج الاقتصاد من الركود، وهو أمر أساسي لهذه التسديدات.
وأوضحت أن المقرضين يواجهون ضغوطا جديدة، بعد أن أمرت السلطات التركية هذا الأسبوع بإعادة الانتخابات البلدية في العاصمة التجارية إسطنبول، ما يزيد من خطر الاضطرابات السياسية المتصاعدة.
ولفتت إلى أن نسب رأسمال البنوك تتعرض للضغط بالفعل بعد أن طلبت الشركات نحو 28 مليار دولار من إعادة هيكلة الديون بعد انخفاض بنسبة 30 في المائة في الليرة مقابل الدولار في العام الماضي.
وأشار التقرير إلى أن الحكومة ضغطت على المقرضين المملوكين للدولة (بنوك الدولة) من أجل تقديم المزيد من الائتمان قبل الانتخابات المحلية في 31 مارس (آذار) الماضي حيث تراجع أقرانهم التجاريون والدوليين.
وبلغت التزامات قطاع النقد الأجنبي في قطاع الشركات 315 مليار دولار في نهاية فبراير (شباط) الماضي، وهو ما يقترب من 40 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد. وأظهرت بيانات البنك المركزي التركي أن العجز يبلغ 197 مليار دولار، حتى عندما يحسب الصافي مقابل أصول العملات الأجنبية.
وقال الخبير الاقتصادي في «نومورا إنترناشيونال» ومقرها في لندن، إينان ديمير إنه «بعد فترة من الهدوء النسبي منذ شهر أكتوبر (تشرين الأول) التي أعطت المقرضين فرصة لالتقاط الأنفاس، عاد الكابوس... لأن الليرة تسير مجددا على طريق الضعف».
وأضاف أنه إذا ضعفت العملة أكثر ستواجه المزيد من الشركات صعوبات في خدمة ديون العملات الأجنبية، ما يزيد الضغط على البنوك لإعادة هيكلة المزيد من القروض، ما يقوض ربحيتها وربما رؤوس أموالها.
ويستعد المستثمرون بالفعل لمواجهة المزيد من الصعوبات للمقرضين في تركيا، حيث خسر مؤشر بورصة إسطنبول 18 في المائة على مدار الـ12 شهرا الماضية، مقارنة بانخفاض 9.3 في المائة في العام الأسبق، بينما تتداول البنوك حاليا بنصف القيمة الدفترية تقريبا.
وقال توماس نويتزيل، المحلل في «بلومبرغ إنتليجنس»، إنه «بدافع من تصاعد الفوضى السياسية في تركيا وتصاعد المخاوف من حرب تجارية أميركية صينية، من غير المرجح أن تختفي الضغوط المتجددة على الليرة في أي وقت قريب». وأضاف: «هذا يشكل تهديدا كبيرا لرأس المال لدى المقرضين المحليين، نظرا لأن نحو 40 في المائة من القروض البالغة 460 مليار دولار في تركيا غير مقيدة بالليرة».
وسجلت الليرة التركية أسوأ أداء لها منذ 24 سبتمبر الماضي متجاوزة مستوى 6.24 مقابل الدولار في تعاملات أمس (الخميس)، وهو أضعف مستوى في 8 أشهر بسبب القلق بشأن إعادة انتخابات رئيس بلدية إسطنبول والتوترات قبيل محادثات تجارة أميركية صينية.
وبعد تقديم طعون على مدى أسابيع من حزب الرئيس رجب طيب إردوغان (العدالة والتنمية) وحليفه حزب الحركة القومية، قضت اللجنة العليا للانتخابات يوم الاثنين الماضي بإعادة انتخابات رئيس بلدية إسطنبول التي فازت فيها المعارضة بهامش ضئيل.
وقال حزب المعارضة الرئيسي (الشعب الجمهوري) في تركيا، أمس، إنه طلب رسميا إلغاء تفويض إردوغان لأن المخالفات ذاتها التي يزعم حزب العدالة والتنمية أنها حدثت في انتخابات بلدية المدينة في 31 مارس شابت الانتخابات البرلمانية والرئاسية المبكرة التي أجريت في 24 يونيو 2018.
ويخشى المستثمرون من أن قرار إعادة انتخابات رئيس بلدية إسطنبول في 23 يونيو سيتسبب في شهرين إضافيين من عدم اليقين بشأن خطة تركيا لإعادة التوازن والاستقرار إلى الاقتصاد.