ترجمة..

تقرير: من أين تنبع أهمية الإمارات الإستراتيجية في الإقليم؟

5 قضايا بارزة تشرح الدور الإماراتي المتصاعد في المنطقة

أبوظبي

يعد “الاتجار بالدين” من أجل تحقيق أهداف سياسية ظاهرة قديمة تناولها علماء مسلمون مثل ابن رشد وابن خلدون في كتاباتهم منذ قرون. من جانبهم، آمن القادة في دولة الإمارات العربية المتحدة بمبدأ ورؤية جيفرسون بفصل الدين عن السياسة، مستعينين بالتاريخ وخبراتهم الشخصية وملاحظاتهم المدروسة. هذا الإيمان الراسخ بأن للدين مكانته الخاصة وتموضعه في حيزه الخاص، شكّل سياسات القادة الإماراتيين؛ فعلى الصعيد المحلي، اعتبر القادة الإماراتيون جميع التيارات السياسية المتسترة بالإسلام منظمات إرهابية، وشرعوا في نهج لنشر ثقافة التسامح، وتحقيق الازدهار الاقتصادي المستدام.

وعلى المستوى الخارجي، انخرطوا في حرب مستمرة ضد التطرف، وأثبتوا أنهم يشكلون حجر زاوية في الهياكل الأمنية الإقليمية، بما في ذلك حماية مسارات التجارة الدولية، التي تعتبر حيوية بالنسبة للشرق الأوسط وآسيا وأوروبا.

أولًا: القضية ضد الإسلام السياسي

هنالك عاملان رئيسان دفعا القادة الإماراتيين إلى اعتبار مجموعات الإسلام السياسي منظمات إرهابية: تجاربهم الشخصية مع جماعة الإصلاح – جماعة الإخوان المسلمين في الإمارات، وكذلك ملاحظاتهم الدقيقة حول مسارات الحركات الإسلامية منذ الاحتجاجات العربية عام 2011.

وبحسب الباحثة كورتني فير، التي درست تطور الإخوان المسلمين في منطقة الخليج، قاد سمو الشيخ محمد بن زايد مناقشات مع جماعة الإصلاح في عام 2003، لكنه لم ينجح في إقناعهم بقطع علاقاتهم مع منظمة الإخوان المسلمين الدولية وتقييد أنشطتهم المحلية. ومع ذلك، فإن قرار قادة دولة الإمارات باعتبار جماعة الإخوان المسلمين منظمة إرهابية هو حديث العهد للغاية، وجاء بناء على مراقبة ودراسة الاتجاهات الثابتة التي تتشاطرها جميع المنظمات الإسلاموية السياسية.

لاحظ القادة الإماراتيون بأن مؤسسي الحركات الإسلامية المتطرفة مثل القاعدة وداعش لديهم تجارب وعلاقات مع الإخوان المسلمين بطريقة أو بأخرى. لقد نزل المصريون إلى الشوارع في يونيو/حزيران 2013 للاحتجاج ضد الإخوان المسلمين، متهمين المجموعة بـ”إخونة الدولة” (أي ملء مؤسسات الدولة بموظفين من الإخوان المسلمين).

بالنسبة لقادة الإمارات، فقد وجدوا أن هذا الأمر شبيه بخبرتهم السابقة؛ إذ سبق أن فعل قادة جماعة الإصلاح الشيء ذاته عندما أشرفوا على الوزارات في دولة الإمارات خلال السبعينيات والثمانينيات، حيث أغرقوها بمناصرين لهم. علاوة على ذلك، لاحظ قادة الإمارات أن الإسلامويين –سنة أو شيعة– هم من أثاروا وغذوا كل الصراعات الدموية في المنطقة، سواء في سوريا أو ليبيا أو العراق أو اليمن، فخرجوا بمجموعة من القناعات:

أولًا: جماعات الإسلام السياسي لا تعترف أو تحترم الحدود الوطنية.

ثانيًا: هذه الجماعات تحمل أيديولوجيات طائفية وقبلية.

ثالثًا: هكذا جماعات تتحمل المسؤولية عن الكثير من سفك الدماء في العالم العربي، الذي ارتكب باسم الإسلام.

استرشد قادة الإمارات بتجاربهم وملاحظاتهم من أجل تنفيذ مشروع يهدف إلى إضعاف واستئصال المتطرفين. تألف المشروع من 4 أركان رئيسة: إجبار الإسلاميين على التوقف عن مزج الدين بالسياسة، ودعم الجماعات العلمانية المنظمة في المنطقة العربية، ونشر القوات الإماراتية لمحاربة الجماعات الإسلاموية المسلحة، وكذلك نشر ثقافة التسامح الإسلامية.

ثانيًا: محاربة التطرف

من أجل إجبار الإسلاميين على وقف “الاتجار بالدين” لتحقيق مكاسب سياسية، اعتبر قادة الإمارات أن منظمة الإخوان المسلمين (حاضنة جميع الجماعات الإسلامية المتشددة) منظمة إرهابية. وربما يعارض البعض هذا القرار على أساس “فرضية الاعتدال القائمة على الإشراك والتمثيل”، التي تزعم أن إشراك الجماعات التي تحمل فكرًا متشددًا في العمليات السياسية يؤدي إلى اعتدالها، كما هو الحال في الأحزاب المسيحية في أوائل القرن العشرين. لكن يمكن الجزم بأن هذا الأمر لا يتحقق بهذه الصورة، بل إن استبعادها من العملية السياسية يؤدي أحيانًا إلى إجبارها على الاعتدال، كما هو الحال في حركة النهضة التونسية.

بالإضافة إلى ذلك، قررت الإمارات دعم القادة والأحزاب والجماعات الليبرالية في جميع أنحاء المنطقة العربية ممن هم على استعداد لتحدي الإسلامويين المتطرفين؛ ففي مصر، أيدت الإمارات الاحتجاجات الواسعة ضد الإخوان المسلمين في يونيو/حزيران 2013، والخطوات العسكرية التي اتخذها المشير عبد الفتاح السيسي لإبعاد الإخوان المسلمين عن السلطة. علاوة على ذلك، دفعت الإمارات مليارات الدولارات للصندوق المصري من أجل منع الإسلامويين من استغلال الأزمة الاقتصادية في البلاد لتحريض المصريين ضد الحكومة المصرية الليبرالية.

كما أن دولة الإمارات لم تتردد في استخدام قوتها العسكرية في الخارج من أجل محاربة المتطرفين في سوريا وليبيا واليمن. ففي سوريا، لا تزال قناعة الإماراتيين راسخة بأن الجماعات الإسلاموية خطيرة تمامًا مثل خطورة النظام الذي تقاتله. وعلى عكس العديد من الدول العربية، رفضت الإمارات تمويل أو تسليح أي من تلك الجماعات. وبدلًا من ذلك، انضمت القوات الجوية الإماراتية بنشاط إلى الحملة العسكرية للتحالف العالمي ضد داعش. وفي الوقت الذي كانت فيه داعش تعامل النساء كغنائم حرب وتبيعهن في سوق العبودية، كانت الإمارات هي الدولة العربية الوحيدة التي أرسلت طيارين من النساء لقصف داعش، كبادرة تضامنية مع النساء المضطهدات. وفي ليبيا، شاركت القوات الجوية الإماراتية –بالتنسيق مع مصر– بقصف معسكرات داعش في عام 2015.

وأخيرًا، انخرطت دولة الإمارات العربية المتحدة في محاربة القاعدة والحوثيين المدعومين من إيران في اليمن، في إطار عملية عاصفة الحزم التي بدأت في عام 2015. ولم تنجح الإمارات فقط في تحرير وتأمين عدن، التي أصبحت موطنًا للتحالف العربي والحكومة اليمنية الشرعية المعترف بها دوليًا، بل نجحت كذلك في تقليص وجود القاعدة في جنوب البلاد. قبل تدخل الإمارات عسكريًا، كان تنظيم القاعدة يرفع أعلامه فوق العديد من المحافظات، “التي يبلغ عدد سكانها 850,000 نسمة، وتوفر أرضية خصبة للتجنيد والتمويل”. واليوم، “لا تملك القاعدة سوى جيوب صغيرة من الأراضي المعزولة بين مأرب والبيضاء وحضر موت”، بفضل عملية مكافحة الإرهاب، وجهود 30,000 جندي يمني مدربين ومجهزين من قبل الإمارات العربية المتحدة.

ثالثًا: تأمين مسارات التجارة الدولية

لقد أصبحت القوات الإماراتية مساهمًا رئيسًا في الهياكل الأمنية الإقليمية في الشرق الأوسط الكبير. كما تلعب القوات الإماراتية دورًا حاسمًا في تأمين طريق التجارة الدولية في باب المندب. يعتبر باب المندب –في القرن الإفريقي– بوابة هامة للتجارة العالمية، خصوصًا لأسواق الشرق الأوسط وآسيا وأوروبا. إن ما يقرب من 80% من حركة التجارة العالمية تمر عبر المضيق سواء من آسيا إلى أوروبا أو العكس.

وهذا بالطبع يشمل نقل النفط والغاز الطبيعي السائل من منطقة الخليج إلى أوروبا، وكذلك واردات السلع الأوروبية إلى منطقة الخليج. في الحقيقة، يعد مضيق باب المندب موطنًا لمرور 25,000 سفينة نفط و4,8 مليون برميل نفط يوميًا؛ 2,8 مليون منها يتجه إلى الشمال نحو أوروبا. ومن أجل حماية وتأمين هذا الطريق البحري الهام من التهديدات التي يمكن أن تعطل حركة التجارة الدولية، أقامت دولة الإمارات قواعد عسكرية في ميناء عصب (إريتريا)، وميناء بربرة (الصومال)، وسقطرى (اليمن)، مجهزة بقوات برية وبحرية وجوية. كما يجري استخدام هذه القواعد بشكل متكرر في المعركة ضد الحوثيين وتنظيم الدولة الإسلامية وتنظيم القاعدة.

رابعًا: نشر ثقافة التسامح

يدرك قادة الإمارات أن الفوز بالحرب ضد المتطرفين لا يمكن أن يكون مستدامًا دون غرس ثقافة تسامح قائمة على الاعتراف والقبول والاحترام والتنوع. وللتأكيد على هذه النقطة، عينت الإمارات وزيرة للتسامح في عام 2016، ودعمت إنشاء مراكز بحثية، ومنصات تواصل اجتماعي، وبحوث إسلامية هدفها الرئيس فهم أسباب التطرف، ودعم برامج مواجهة روايات المنظمات الإرهابية، وكذلك تعزيز ثقافة التسامح.

وبرغم صعوبة قياس مدى نجاح هذه المراكز – مثل هداية وصواب ومجلس حكماء المسلمين[1]، إلا أن أبحاثها وبرامجها تعزز معرفتنا حول أسباب وآليات التطرف، ونوعية البرامج اللازمة لمواجهة التطرف.

خامسًا: الازدهار الاقتصادي

إن الفقر والفساد والحكم غير الرشيد جميعها عوامل تغذي التطرف. ولذلك، وإدراكًا لأهمية العلاقة بين ضعف التنمية ونمو التطرف، أطلق قادة دولة الإمارات مشروعًا لتحويل البلاد إلى بيئة عمل تنافسية مضيافة للمستثمرين الأجانب والمغتربين المهرة، كوسيلة لتحقيق تنمية اقتصادية مستدامة. علاوة على ذلك، استخدموا عائدات النفط في الاستثمار في مشاريع بنية تحتية ضخمة داخل الإمارات، وكذلك مشاريع رائدة في الخارج. ونتيجة لذلك، أصبحت الإمارات العربية المتحدة منافسًا دوليًا في مجالات الخدمات المالية، والطاقة المتجددة، والسياحة، والتكنولوجيا.

واليوم، تحتل الإمارات المرتبة 23 على مستوى العالم من ناحية نصيب الفرد من الدخل، والمرتبة 27 في مؤشر التنافسية العالمي، وكذلك المرتبة 10 في مؤشر الأعمال التجارية، والمرتبة 25 في الشفافية والمساءلة[2]. وبينما لا يزال النفط يلعب دورًا هامًا في اقتصاد البلاد، إلا أن مساهمته في الناتج المحلي الإجمالي في عام 2017 كانت أقل من 17%[3].

Qposts