يجنّد الأرهابيين لمقاتلة القوات المسلحة..

هل ما زال هناك مجال للحوار في طرابلس؟

حلفاء الجيش أقوى

الحبيب الأسود
وكالات

تتعدد هذه الأيام الدعوات للعودة إلى طاولة الحوار في ليبيا، البعض يسأل: أي حوار؟ وبين من ومن؟ فالموضوع بالنسبة للمشير خليفة حفتر القائد العام للجيش الوطني بات محسوما: لا حوار بعد اليوم مع مجلس رئاسي خاضع للميليشيات، ويجنّد الجماعات الإرهابية والمرتزقة الأجانب لمقاتلة القوات المسلحة.

ثم إن المجلس الرئاسي تجاوز الفترة التي تم تكليفه بإدارتها وفق اتفاق الصخيرات، وهو اليوم يلعب في الوقت بدل الضائع، بعد أن فشل في تحقيق ولو النزر القليل مما تم الاتفاق عليه في اجتماعات باريس1 و2، وباليرمو وأبوظبي1 و2، ويقود حكومة غير شرعية، بمعنى أنها لم تحصل منذ يناير 2016 على ثقة البرلمان، كما أنها لم تعد تحتكم إلا على 6 بالمئة من مساحة البلاد.

يضاف إلى ذلك أن فايز السراج لم يعد الرقم الأول في المعادلة السياسية لحكم الميليشيات، هو اليوم الرقم الثالث، والصراع الحقيقي على الإدارة الفعلية لحكومة قاعدة أبوستة يدور بين رجلي مصراتة؛ أحمد معيتيق وفتحي باشا آغا. الأول وهو النائب الأول للرئيس المنحدر من مصراتة، يحاول أن يتقرب أكثر من جماعة الإخوان، رغم معرفته أنهم لا يرتاحون له كثيرا، وأنهم يأخذون منه أكثر مما يعطونه.

وخلال الأيام الماضية زار واشنطن ودخل مقر الكونغرس واجتمع بعدد من النواب، واستغل الموقف لتلميع صورته قبل تلميع صورة السراج، وكانت له فرصة توقيع عقد بقيمة 1.8 مليون دولار، مع مجموعة “برايم بوليسي”، وهي شركة ضغط يرأسها النائب الجمهوري تشارلز بلاك، وتعتبر قريبة من تركيا وقطر وتقوم بتلميع عدد من حركات الإسلام السياسي في المنطقة ومنها حركة النهضة التونسية، وقد قاد التفاهمات حول هذه الصفقة عضو مجلس الدولة إبراهيم صهد، وهو إخواني ليبي مقيم بالولايات المتحدة منذ أكثر من أربعة عقود وحاصل على جنسيتها، وله علاقات وطيدة مع نظام الدوحة، ويرى أن الهدف العاجل هو أن يقوم الرئيس الأميركي دونالد ترامب بالضغط على حلفائه في المنطقة للتوقف عن دعم الجيش الوطني الليبي.الاتفاق مع برايم بوليسي جاء بعد إمضاء عقد بقيمة مليوني دولار في 25 أبريل الماضي مع شركة “ميركوري للشؤون العامة” لتلميع صورة سلطات طرابلس في الكونغرس ولدى إدارة ترامب بعد أيام فقط من التقارير التي أفادت بأن الرئيس الأميركي يدعم الجيش الوطني.

معيتيق قام قبل رحلته إلى واشنطن بجولة زار خلالها دولا من بينها تونس وإيطاليا والجزائر والكويت، ولكنه لم يحقق أيّ نتائج إيجابية. فالوضع في ليبيا له أبعاد تتجاوز تصريحات المجاملة أو البحث عن منفذ لاختراق التحالف ضد الإرهاب. اليوم هناك اتفاق بين حكومات هذا التحالف على القضاء على الجماعات الإرهابية والميليشيات الخارجة عن القانون، وهنا إصرار على دعم الجيش الوطني للقيام بمهمته على خير وجه.

ويكفي أن نقف هنا، عند اجتماع انعقد الثلاثاء في إحدى العواصم الإقليمية بين خبراء من دول عدة، للدفع إلى إتمام المهمة، لأن إبقاء الوضع على ما هو عليه سيمثل خطرا على المنطقة والعالم.

أما الطرف الثاني في المواجهة من أجل السيطرة فهو فتحي باشا آغا، رجل مصراتة القوي الذي حاول السراج أن يستعين به في نيل ولاء الميليشيات عندما كلفه بحقيبة الداخلية في أكتوبر الماضي، ثم أعطاه كل الصلاحيات تقريبا بما فيها حقيبة الدفاع، بعد انطلاق عملية طوفان الكرامة أوائل أبريل الماضي، وترك له الحبل على الغارب في تنفيذ مطالب أمراء الحرب القادمين من مدينة مصراتة لمواجهة الجيش على أبواب طرابلس.

وللحقيقة فإن ميليشيات مصراتة تنظر بعين الرضا إلى باشا آغا، وهناك شبه اتفاق على أن يتم تكليفه بخلافة السراج خلال المرحلة القادمة، طبعا هذا في حالة التراجع عن تحرير العاصمة. رجال أعمال المدينة كذلك يوالونه بقوة وعندما دعا إلى البحث عن وسيلة لتهريب الأسلحة من تركيا بادروه بالموافقة، ومن بينهم مثلا رجل أعمال شهير وجه بأن تتولى ناقلات البضائع التي يملكها، نقل الأسلحة من الموانئ التركية إلى مصراتة، وكانت أول شحنة تلك التي احتوت على الطائرات المسيّرة التي تستعمل حاليا في ساحة المعارك.

باشا آغا يبدو الأكثر تشددا في موقفه تعبيرا منه عن مواقف الإسلاميين الذين يرون في المعركة الحالية معركة وجود بالنسبة لهم، وفي تقدم الجيش أو حتى في بقائه في مواقعه الحالية خطرا على وجودهم، لذلك يحاول أن يدفع بكل ميليشيات مصراتة إلى ساحة المعركة، ويرى أن على القوات المسلحة النظامية التي يقودها المشير حفتر أن تعود من حيث أتت، بينما ستتولى تلك الميليشيات حماية العاصمة وسلطاتها التي ستكون بين يديه.

ويعتمد باشا آغا على خطاب مؤدلج، هو صدى لخطاب النظامين التركي والقطري، لذلك تجده يزعم أن دولا عربية ترسل طائرات لقصف طرابلس، وأن حفتر يمثل خطرا على منطقة المغرب العربي، ويتهم فرنسا بالتآمر على بلاده، ولا يرى مانعا في أن يأمر باعتقال مسؤولين أو ناشطين لأنهم أبدوا دعما للجيش، أو الدعوة لاعتقال صحافي بتهمة الانتماء إلى تنظيم داعش بسبب مساندته لعملية تحرير طرابلس.

في ظل هذا الواقع المتشنج داخل المجلس الرئاسي وحكومة الوفاق، يجد السراج نفسه رهينة لأمراء الحرب المصراتيين، ولسياسييها القادمين في أغلبهم من إدارة الأعمال التجارية مثل معيتيق وباشا آغا، ومن ورائهم قيادات الإخوان والجماعة المقاتلة المستندين إلى حد الآن على الحليفين التركي والقطري، وعلى بعض اللوبيات الإقليمية والدولية المرتبطة بمصالح أو بأجندات مع قوى الإسلام السياسي.

في زياراته الخارجية يحاول السراج أن يقنع مستقبليه بأنه يدافع عن الدولة المدنية، فيسألونه كما حدث في باريس وبرلين وبروكسيل: وماذا عن الإرهابيين الذين يقاتلون في صفك؟ فيحاول أن ينفي ولكنه يعجز أمام حقائق موثقة تثبت أن الحرب الحقيقية تدور بين تكفيريين ومرتزقة من جهة، وبين جيش وطني نظامي من جهة أخرى.

وعندما يعرض السراج العودة إلى طاولة المفاوضات يجد من يسأله أولا: لماذا لم تحقق هذه الطاولة شيئا من قبل؟ ولماذا تراجعت عن اتفاق أبوظبي؟ فلا يجد الرد المناسب لأن الحقيقة التي يدركها العالم حاليا هي أن المجلس الرئاسي كان خاضعا لأوامر وأحكام أمراء الحرب الذين يرون أن أي حل سياسي لن يكون في صالحهم.

غدا، وفي حال استمرار الوضع على ما هو عليه سيكون الحل بعيد المنال، لأن الميليشيات التي تدعم السراج اليوم أكثر راديكالية وعدوانية من ميليشيات طرابلس قبل أبريل الماضي، وحتى قادة ومسلحي الجماعات الإرهابية الفارة من ضربات الجيش في بنغازي ودرنة وصبراتة وغيرها، أسفروا عن وجوههم باسم “بركان الغضب” وسيكون لهم دور في اتخاذ القرار المستقبلي.

لكن هل يستمر الوضع على ما هو عليه؟ الغالب على الظن أن مكاسب الجيش إلى حد الآن مهمة وستتدعم، وحلفاء الجيش أقوى من حلفاء الرئاسي في كل الحالات، وهناك قرار بأن يتم القضاء على الإرهاب في ليبيا، ومن الطبيعي أن ينتهي صراع معيتيق وباشا آغا على خلافة السراج إلى الفشل، لأن المرحلة القادمة لن تتسع لهم الثلاثة.