السيناريوهات المتوقعة..

تقرير: ماذا لو تم تصنيف الإخوان المسلمين تيارا إرهابيا؟

القرضاوي صرح بأن زعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن إخواني والظواهري كذلك

أعلية العلاني

تصريح الناطقة باسم البيت الأبيض الأمريكي سارة ساندرز يوم 30/4/2019 حول إمكانية تصنيف الإخوان المسلمين تيارا إرهابيا يحمل (5) دلالات وله بعض التداعيات محليا وإقليميا ودوليا:

 أبرز الدلالات

الدلالة الأولى: هي أن هذا القرار -لو صدر- فإنه ينسجم مع إدارة الرئيس دونالد ترامب التي تعتبر منذ البداية أن التيارات الدينية المتطرفة تجد جذورها في تيار الإسلام السياسي أي الإخوان المسلمين، وقد صرح يوسف القرضاوي سابقا بأن زعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن إخواني سابق، والظواهري كذلك، وأن أبا بكر البغدادي زعيم تنظيم داعش إخواني سابق أيضا، ونفس الشيء بالنسبة لمؤسس بوكو حرام محمد يوسف[1]. وبالتالي فالبيت الأبيض استنتج بسهولة العلاقة السببية بين الإخوان وتيارات التطرف العنيف.

الدلالة الثانية: أن البيت الأبيض له اطلاع دقيق على هيمنة تيار الإخوان المسلمين على شبكة الجمعيات في أوروبا. وكتاب “أوراق قطر” للمؤلفيْن الفرنسييْن كريستيان شينو وجورج مالبرونو الذي صدر في أوائل أبريل (نيسان) 2019 يُبرز الإمبراطورية المالية لهذا التنظيم، وبما أن السياسة الأمريكية الحالية تتجه نحو التشديد في مقاومة الإرهاب، فإن تجفيف منابع تمويله تصبح ضرورية، ويوجد جزء هام من هذه المنابع في أوروبا.

الدلالة الثالثة: هي أن قرار تصنيف الإخوان تيارا إرهابيا –إذا تمّ اتخاذه- فيعني ذلك بداية طي صفحة هذا التنظيم الذي اتضح أن تجربة حكمه فاشلة بعد انتفاضات الربيع العربي، بالإضافة إلى تورطه في تسفير المقاتلين إلى بؤر التوتر بعد 2011. كما أن محور تركيا وقطر المساند لتيار الإخوان سيضطر آجلا أو عاجلا إلى سحب مساندته. ويمكن القول: إن الموجة الثانية من الربيع العربي التي مست السودان والجزائر لن تحمل الإخوان إلى الحكم كما هو الشأن في الموجة الأولى سنة 2011.

الدلالة الرابعة: أن تيارات الإسلام السياسي لها خطاب مزدوج وتنظيم مزدوج (سري وعلني) وهو ما يجعل شفافية مواقفها على المحك.

الدلالة الخامسة: إن تيارات الإسلام السياسي التي وصلت إلى الحكم بعد 2011 لم تتخل عن أذرعها الأمنية أو أجهزتها السرية، وهو ما يضرب في العمق مدنية التنظيم. مثلا في تونس هناك جدل سياسي وإعلامي عن حقيقة جهاز سري تابع لحركة النهضة، استُعمل بعد 2011 ربما يتحول إلى ملف قضائي. وهناك حديث في ليبيا عن كتائب مسلحة مرتبطة بتيار الإخوان، وحديث في مصر والسودان وغيرهما عن أذرع أمنية مرتبطة بشكل أو بآخر بتيار الإسلام السياسي. ولا أخال أن هذه المعطيات غائبة عن أجهزة المخابرات الأمريكية والغربية عموما. ولعل ذلك ما سيدفع بالبيت الأبيض -حسبما هو متوقع- إلى الحسم في طبيعة تنظيم الإخوان واعتباره تنظيما بعيدا عن المدنية وإدراجه ضمن التيارات الإرهابية.

الانعكاسات محليا وإقليميا ودوليا
  أ- على المستوى المحلي

من المرجح أن تضطر حركة النهضة بتونس إلى نفي أي علاقة لها بتنظيم الإخوان المسلمين، لكن إقناعها للرأي العام الوطني والعربي والدولي بهذا الموقف سيكون صعبا ومحدودا. فالغنوشي بقي لمدة طويلة نائبا لرئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين الذي يترأسه الإخواني يوسف القرضاوي. كما أن حركة النهضة تبنت خطابا إخوانيا في حملتها الانتخابية التي أوصلتها إلى الحكم، حيث اعتبر حمادي الجبالي أول رئيس حكومة إسلامي أن تونس دخلت مرحلة الخلافة السادسة[2].

يُتوقع من حركة النهضة أن تتجه إلى عدم التموقع مستقبلا بشكل كبير في الحكم، حتى لو كانت ضمن الأوائل في انتخابات 2019، ويُتوقع كذلك أن تكتفي بالوجود بالبرلمان دون السلطة التنفيدية. وهناك أصوات تتحدث حاليا عن تأجيل الانتخابات أو تشكيل حكومة تكنوقراط. بالإضافة إلى أنه ربما تمر حركة النهضة بأيام صعبة؛ إذا فُتح ملف شبكات التنظيم الدولي للإخوان.

ب- على المستوى الإقليمي

ربما تصبح الدول العربية والإسلامية أكثر احترازا وسلبية في تعاملها مستقبلا مع تيار الإسلام السياسي المتمثل في تنظيم الإخوان المسلمين وروافده في العالم العربي، حتى لا تتعرض إلى عقوبات أمريكية ودولية. وما يحصل في ليبيا والسودان حاليا يؤكد هذا التوجه، إذ نجد القوى الدولية تضغط من أجل أن تكون الحكومة السودانية القادمة مدنية مع وجود عسكري محدود، وهنا نشير إلى أن بعض قيادات حراك السودان الأخير بدؤوا في التملص من أي تحالف مع الإخوان ونستشف ذلك من تصريح الصادق المهدي رئيس الوزراء السوداني الأسبق يوم 30 أبريل (نيسان) 2019 عندما طلب من الإخوان المسلمين الاعتراف بأخطائهم الكثيرة، وهو ما لم يقوموا به لحد الآن لا في السودان ولا في تونس أو ليبيا أو مصر. وبالنسبة إلى ليبيا يمكن القول: إنه إذا ربح المشير خليفة حفتر معركة طرابلس فإن تنظيم الإخوان سيصبح مهمشا. ويُتوقع أن يصبح الدعم القطري والتركي للإخوان في حال صدور القرار أقل بكثير مما كان عليه الأمر قبل هذه الفترة؛ نظرا إلى التضييقات والمراقبة المكثفة التي يقتضيها تمويل تنظيمات مصنفة إرهابية.

ج- على المستوى الدولي

يُتوقع أن تكون أوروبا أكثر تشددا في التعامل مع الفكر الإخواني والجمعيات الإخوانية المنتشرة على أراضيها، وربما تعْمدُ إلى حل بعضها ومراقبة لصيقة للبعض الآخر. ولعل تصريح مسؤول بالمخابرات الألمانية من أن تيار الإخوان المسلمين أخطر من داعش (تصريح ورد في دويتشه فيله في 12/12/2018) يندرج في هذا الإطار. كما أن تصريح الرئيس الفرنسي ماكرون المناهض بقوة للإسلام السياسي في فرنسا[3] سيشجع أوروبا على التفاعل مع القرار الأمريكي المحتمل صدوره حول اعتبار الإخوان تيارا إرهابيا. ولا ننسى أن نضيف إلى أن القوى العظمى الأخرى في العالم مثل روسيا والصين لها موقف مناهض منذ القديم لتيار الإسلام السياسي الإخواني.

وسواء صدر القرار الأمريكي قريبا أو بعد فترة فإن صورة تيار الإسلام السياسي الموسوم بالاعتدال في عهد الرئيس الأمريكي السابق أوباما انتهت ولم تعد مقنعة.

ويمكن القول: إن التيار السياسي في شكله الحالي الإخواني قد استنفد أغراضه؛ لأن أدبياته لا تقود إلا إلى التطرف والتطرف العنيف، وهو تيار يستعمل غسيل الأدمغة والخطاب المزدوج اللذين يؤديان إلى المواجهة المفتوحة مع من لا يقاسمه الرأي.

وفي هذا الإطار أشير إلى أني نصحت حركة النهضة بتونس منذ أكثر من سنة بالانسحاب من الحكومة أي من السلطة التنفيذية نظرا لضعف مردودها في المجال الأمني والاقتصادي، والبقاء في البرلمان كقوة فاعلة في السلطة التشريعية لمدة عهدتين انتخابيتين -على الأقل- حتى تتفرغ لتغيير مقارباتها السياسية وخاصة الأيديولوجية، وتعلن بوضوح فك روابطها الفكرية والروحية وربما التنظيمية مع الإخوان المسلمين، وتعيد تأطير قاعدتها التي لا تزال غير متناغمة مع الديمقراطية والمدنية والحداثة وحقوق الإنسان، وتقبل صراحة بقانون جديد للأحزاب يمنع قيامها على أساس عرقي أو ديني أو لغوي وتلتزم به، والنصيحة نفسها أقدمها لتيارات الإسلام السياسي الحاكمة بالعالم العربي. وأشير هنا إلى أن حركة النهضة في تونس لم تقتنع بذلك، ولا تزال مصرة على البقاء في الحكومة ولو بشكل رمزي لحماية وجودها المكثف داخل الإدارة الجهوية والمركزية والذي تم في ظروف غامضة. وأعتقد أن مشاركتها في حكومة ما بعد انتخابات 2019 سيكون خطأ استراتيجيا لا تكتيكيا.

السؤال المطروح: هل سيلجأ الإخوان المسلمون في العالم العربي والإسلامي وفي البلدان الأوروبية، إلى إصلاحات عميقة يعلنون فيها صراحة أن أدبياتهم التي أنتجت لاحقا الجماعات الجهادية مثل الدواعش والقاعدة وبوكو حرام لا تمُتّ إلى الإسلام بصلة وأنه آن الأوان للتصالح مع تيار الإسلام الإصلاحي، الذي هو تيار فكري لا سياسي، بدأت بذوره الأولى في القرن التاسع عشر مع مصلحين في المشرق والمغرب[4] لا يُعادون العلم ولا الغرب ولا العقلانية ولا الحداثة، لكن هذا التيار كُتمت أنفاسه مع نشأة تنظيم الإخوان المسلمين سنة 1928؟ أم إنهم سيؤسسون تنظيمات جديدة بأسماء جديدة تحمل محتوى الفكر الإخواني دون النصّ عليه للإفلات من هذا التصنيف، كما فعلت وتفعل بعض تنظيمات الإسلام السياسي حاليا، وتدّعي أنها تنتمي لتيار الإسلام الديمقراطي وهي متماهية في المضمون مع الإسلام السياسي.

 

هوامش

 [1] مؤسس فرع الإخوان المسلمين في نيجيريا إبراهيم الزكزكي هو الذي أشرف على تكوين محمد يوسف مؤسس بوكو حرام التي تأسست في نيجيريا سنة 2002.

 [2]  جاء في خطاب حمادي الجبالي الأمين العام لحركة النهضة سنة 2011 في الحملة الانتخابية التي فازت فيه حركته: “أنتم أمام لحظة تاريخية ربانية في دورة حضارية جديدة في الخلافة السادسة إن شاء الله” (باعتبار أن الخلافة الخامسة في رأيه تمت في عهد عمر بن عبدالعزيز) كما ذكر أنه سيتم فتح القدس انطلاقا من تونس.

4- من بين رموز هذا التيار محمد عبده والطهطاوي وعبدالرحمن الكواكبي وشكيب أرسلان وخير الدين التونسي وعبدالقادر الجزائري وعلال الفاسي المغربي وغيرهم. وكان هذا التيار يرى أن الإسلام لا يتعارض مع المدنية والحداثة ودولة القانون والانفتاح على الغرب في علومه وقوانينه. ويؤمن تيار الإسلام الإصلاحي بعدم التداخل أوعدم الخلط بين الفضاء الديني والفضاء السياسي، بل يرى أن كل فضاء مستقل بذاته فلا يجوز للفقيه أن يتدخل في الحكم أو يعزل حاكما سياسيا لأن منظومة الحكم تخضع لمشاورات سياسية مدنية، ولا تدخل في إطار صلاحيات المؤسسة الدينية. وفي القرن العشرين ومطلع القرن الواحد العشرين ظهر العديد من المفكرين المسلمين التنويريين، لكن آلة التنظيم والفكر الإخواني حاربتهم بقوة. وأعتقد أن تيار الإسلام الإصلاحي لو يتم تحيينه فسيكون الأقدر على مواجهة الفكر المتشدد.

نُشر في صفحة مركز المسبار للدراسات والبحوث