الأولوية الدفاعية..

ترجمة: "القوة الإماراتية" طموح التصنيع العسكري العربي

محاولة التنبؤ بإمكانية وفرص خلق توازن استراتيجي مستقبلي ضابط يُقَلِّص من فرص تصاعد النزاعات الحالية

أبوظبي

في مناخ شرق أوسطي مضطرب وسعي قوى إقليمية لفرض هيمنتها -بشكل مباشر أو عبر وكلاء آخرين- تبدو أهمية التعرُّف على القدرات العسكرية لبلدان الخليج العربي؛ في محاولة التنبؤ بإمكانية وفرص خلق توازن استراتيجي مستقبلي ضابط يُقَلِّص من فرص تصاعد النزاعات الحالية في المنطقة واتساع نطاقها وتحولها إلى حروب شاملة لا يمكن احتواؤها أو السيطرة عليها.

وبالطبع فحينما تتحدث عن بلدان الخليج العربي تأتي أهمية الحديث عن دولة الإمارات العربية المتحدة، كأحد النماذج الاقتصادية الصاعدة التي حققت نسبة معتبرة من الرفاه لشعبها، والتي تسعى لحماية منجزاتها من أي اعتداءات محتملة عبر تعزيز قوتها العسكرية، وبمسؤولية إقليمية بأن تكون جزءًا رئيسيًّا من أمن الخليج العربي والاستقرار الإقليمي.

وفي هذا الصدد، يبدو واضحًا أن الإمارات العربية قد استثمرت بكثافة في تطوير قدرات قواتها المسلحة خلال العقدَين الماضيين؛ إذ نجحت بالفعل في إعداد واحد من أكثر جيوش المنطقة حداثةً وقدرةً. وبخلاف إعطائها الأولوية للجانب الدفاعي، فهذا لا ينفي حقيقة امتلاك الإمارات قدرات هجومية حاسمة في مواجهة الخصوم المحتملين، ناهيك بعمليات التطوير المستمرة، وسعيها لامتلاك أحدث المنظومات العسكرية في العالم، وطموح كبير للتفرُّد بوضع عربي في عملية التصنيع  والتصدير العسكري.

 وبشكل عام، ووَفق إحصاءات نشرها مركز الدراسات الاستراتيجية الدولية لتقديرات عن العام الماضي 2018 حول الاتزان الاستراتيجي في المنطقة، فإن الإمارات تملك جيشًا يضم 63000 مقاتل، و421 دبابة معارك رئيسية “Battle Tanks“، ومئات المدرعات، وما يزيد على ألف ناقلة جنود، ومئات الأسلحة المدفعية، وما يزيد على 150 طائرة مقاتلة، و10 طاردات، وعشرات السفن الساحلية الحربية. ووَفق المصدر ذاته، فقد بلغ إجمالي نفقات الإمارات العسكرية في عام 2017 ما يقرب من 30 مليار دولار، أي تقريبًا ضعف ما أنفقته دولة مثل إيران في العام ذاته (16.035 مليار دولار).

أولوية الردع لا الهجوم

على الصعيد الدفاعي، وفي منطقة تتسم بالتسابق والتنافس على امتلاك والتهديد بالصواريخ الباليستية، تعد الإمارات العربية المتحدة شريكًا رئيسيًّا في مساعي إنشاء درع صاروخية خليجية متكاملة. وتتمثل قدرات الدفاع الإماراتية في مواجهة الصواريخ البالستية في توظيف منظومتَين متطورتَين بشدة؛ الأولى هي منظومة (باتريوت باك 3)، وهي نظام الدفاع الصاروخي الذي تنشره الولايات المتحدة وعديد من دول العالم، وتعد الميزة الرئيسية في هذا النظام هي قدرته على كشف مجموعة من الأهداف وتعقبها والاشتباك معها بدقة عالية؛ ومن بين تلك الأهداف بالطبع الطائرات دون طيار وصواريخ كروز والصواريخ الباليستية قصيرة المدى أو التكتيكية. عمليًّا، تم اختبار تلك المنظومة في عمليات قتالية في الشرق الأوسط خلال عاصفة الصحراء وحرب العراق، وقد استخدمت لإسقاط أكثر من 100 صاروخ باليستي تكتيكي في العمليات القتالية.

وبخلاف منظومة “باتريوت” تمتلك الإمارات وتوظِّف منظومة “ثاد” الدفاعية، وهي دون مبالغة المنظومة الدفاعية الأهم في عالم اليوم. ووَفق البيانات الرسمية للشركة المصنعة، فإن “ثاد” تملك “قدرة حاسمة للدفاع ضد الصواريخ الباليستية قصيرة ومتوسطة المدى”، ويمكنها “اعتراض الصواريخ داخل وخارج الغلاف الجوي”، مثلما يمكنها “الدفاع عن المراكز السكانية والبنية التحتية عالية القيمة”، بينما تحظى بميزة أنها “قابلة للتعامل بشكل مشترك مع منظومات الدفاع الصاروخية الباليستية الأخرى”.

المراقبة والتأهب والاستعداد الباكر

وَفق ما توثِّقه إحدى الدراسات المنشورة على موقع وزارة الدفاع الفرنسية، يبدو حرص السلطات في دولة الإمارات على الحصول على أنظمة الكشف والمراقبة الحديثة؛ بالإضافة إلى تطوير مجموعة من القدرات توفر الردع في مواجهة أية محاولات لاستهداف الأصول الساحلية ومنصات النفط على وجه الخصوص. وقد كانت الرغبة في الاستعداد المسبق لأية عمليات قد تشنها قوات خاصة أو ميليشيات معادية دافعًا إماراتيًّا لتشكيل نظام مراقبة فعال للغاية على المناطق البحرية والساحلية، عزَّزه اتجاه إماراتي في عام 2008 نحو مشروع لتطوير الحدود عبر منظومة تحكُّم تشمل كاميرات وأجهزة استشعار متصلة بمركز قيادة وتحكم مدعوم بطائرات استطلاع وأخرى للحراسة الساحلية. 

نحو ما هو غير تقليدي

بخلاف اهتمام الإمارات وبكثافة بامتلاك قدرات جوية  تقليدية “Conventional” متقدمة حتى بالمقارنة مع دول الجوار الغنية الأخرى، أظهرت الإمارات كذلك  اهتمامًا بمجال الطائرات دون طيار في عام 2013؛ عندما توصلت إلى صفقة لشراء عدد من طائرات “بريداتور إم كيو إكس بي” (Predator MQ-1 XP) من شركة “جنرال أوتوميكس”، والتي وصلت في عام 2017. ثم في أوائل عام 2017، وَفق تقرير لمعهد رويال يونايتد سيرفيس البريطاني، حازت الإمارات على طائرات دون طيار مسلحة من طراز “ونج لونج 2 إس” Wing Loong)) من الصين. عمليًّا، فإن السبب الأول لاهتمام دولة مثل الإمارات بالطائرات دون طيار المسلحة -على غرار غيرها من بلدان في المنطقة- هو ما توفره تلك الطائرات من عملية مراقبة وكشف وردع؛ بالإضافة إلى حقيقة أن العالم الذي يولِي اهتمامًا لهذا السلاح في مكافحة الإرهاب بدأ ينظر إليه على أنه يمنح قدرات عسكرية خاصة لمَن يحوذه، ويمكِّنه من التعامل مع أهداف في بيئات تشغيل عالية التهديد، في مواجهة الجيوش التقليدية أو الميليشيات، وذلك كله بمخاطر وتداعيات سياسية أقل.

طموح التصنيع العسكري العربي

“القادم الصاعد”، هكذا وصفت دراسة صادرة عن معهد الاتحاد الأوروبي للدراسات الأمنية، دولة الإمارات في الحديث عن اتجاه الحكومة الإماراتية نحو عملية التصنيع والتصدير العسكري. فبالتوازي مع استهداف الحكومة الإماراتية أن تحوذ تصنيفًا بين الدول العشر الأهم في العالم في الابتكار، ومضاعفة إنفاقها على البحث العلمي (ثلاثة أمثال)؛ فإن الحكومة الإماراتية تسعى كذلك لتطوير معرفتها وصناعتها وابتكاراتها العسكرية. وإن كانت الشركات المملوكة للدولة في دولة الإمارات العربية المتحدة قد بدأت في الانخراط في خدمات الدفاع والصناعة المتعلقة بالأمن البحري منذ 20 عامًا؛ فإنه حتى الآن يبدو أن دولة الإمارات العربية المتحدة هي الدولة العربية الأهم الساعية للحصول على موقع متفرد كمنتج ومصدر للأسلحة. هنا تأتي الإشارة الأكثر أهمية عندما تم الإعلان قبل سنوات عن دمج أغلب الشركات المنتجة الإماراتية القائمة في شركة جديدة واحدة هي شركة الإمارات للصناعات الدفاعية؛ إذ كان الهدف هو تنويع مصادر دخل الاقتصاد، وموضعة صناعة الدفاع في البلاد، وبالطبع خدمة القوات المسلحة الإماراتية، وفي الوقت نفسه أن تصبح الإمارات مصدرًا إقليميًّا مهمًّا لعملية الإنتاج والتصدير والقوة العربية الأبرز في عملية تطوير الصناعات الدفاعية.

وبنية التنوُّع  في عالم تتعدد أقطابه المختلفة، سواء في مصادر التسليح، تملك الإمارات كذلك شراكات متعددة مع بلدان مختلفة؛ لتطوير صناعاتها التقليدية والعسكرية، ومن بين تلك الشراكات هناك الجزائر وبلجيكا وبيلاروس وكندا وتشيك وإستونيا وفنلندا وفرنسا وألمانيا والهند وإيطاليا وماليزيا وروسيا وصربيا وجنوب إفريقيا وكوريا الجنوبية والسويد وتركيا وبريطانيا وأوكرانيا والولايات المتحدة الأمريكية.  وتملك كذلك الإمارات عملاء لصناعتها العسكرية في مناطق العالم المختلفة؛ من بين هؤلاء روسيا ومصر والكويت وعمان والصومال وماليزيا وليبيا والجزائر.

Qposts