خدعة الأطعمة مستمرة..

مبالغات إعلانية أكثر من كونها حقيقية طبية

ثمة خدعة مستمرة نتقبلها بقناعة وكأنها صحيحة

كرم نعمة
كاتب عراقي مقيم في لندن

لا يوجد شيء بريء، ثمة خدعة مستمرة نتقبلها بقناعة وكأنها صحيحة في كل ما نشتريه من المتاجر لمجرد قراءة معلومات المحتويات والاستهلاك، ولسوء الحظ لا يمتلك المتسوقون فكرة دقيقة عن صحة هذه المعلومات أو من يؤكدها لهم. لكنهم مستمرون في القبول بها، بل وأكثر من ذلك الترويج لها ونصح الآخرين باقتنائها!

تغري قائمة التفاصيل على علب العصائر والمشروبات والأطعمة المحضرة والبسكويت والشوكولاته، ما يجعلها مبرأة تماما من أضرار صحية متعلقة بنسبة السكر أو الدهون والأملاح، وتتحدث عن سعرات حرارية مثيرة الشكوك، لكنها في الواقع مثلها مثل بقية الأطعمة تحمل ضررها ومنافعها ولها نفس التأثير السلبي على زيادة الوزن، إلا أننا نقنع أنفسنا وبدافع عصي عن التفسير عن فائدتها فقط، تماما مثل ثقتنا بالخضروات التي تعزلها المتاجر في صناديق جميلة بوصفها طبيعية بلا معاملة كيماوية، ندفع أثمانها المضاعفة، ولا نشعر باختلافها، كما لا يظهر على أجسامنا أي تمييز بعد تناولها.

العروض الصحية الموجودة على الأطعمة الجديدة، مبالغات إعلانية أكثر من كونها حقيقية طبية، وتكاد تصبح نصائح مهابة بينما هي ليس أكثر من “هراء يخدعنا بعروض صحية” وفق تعبير أندرو إيلسون محرر شؤون المستهلك في صحيفة التايمز البريطانية.

تلك الدعاية الإعلانية نفسها تخلّت بشكل قاطع عن دعم الحركة الأخلاقية التي انبثقت بداية الثمانينات من القرن الماضي في أوروبا لمناهضة الوجبات السريعة وأطلقت على نفسها “الطعام البطيء”.

احتج آنذاك نشطاء الحركة العالمية على ماكدونالدز في أوروبا، مدافعين عن الطعام المحلّي المنتج بشكل أخلاقي، والذي يطبخ ويقدّم ويتم الاستمتاع به بما يكفي من الوقت لتذوّق مكوّناته.

ألا أن قوة المال ومراكز النفوذ التجاري والسياسي انتصرا في النهاية للطعام السريع وأفرغا حركة “الطعام البطيء” من نشاطها، وهو نفس المال الذي يحصد مبالغ هائلة اليوم من أجل إيهامنا بمزاعم الطعام الصحي، بيد أن ما نتناوله له نفس التأثير السلبي على أمراض السكر والدهون.

من بين الادعاءات التي تحتاج عقلا سطحيا لتصديقها منتجات اللحوم التي تزعم في علاماتها أن ما سنأكله هو نتاج رفاهية حيوان لم يتعرّض إلى اضطهاد الصيد الجائر والذبح القسري القاسي!

أي قواعد أخلاقية ولوائح تضبط عمل تلك الشركات والمتاجر الكبرى؟ لا نحصل على إجابة مفيدة لهذا السؤال سوى أن تلك الشركات تخضع بشكل صارم إلى قوانين رعاية المستهلك، غير أن التسميات والعلامات والنصائح المثبتة على العلب والعبوات أكثر بساطة من نوعية المنتج. فنسبة السكر والدهون والأملاح لا تتراجع بمجرد وجود ملاحظات جميلة وأنيقة على العلب، وهذا ما لا نريد أن نفهمه بشكل طبيعي ونحن نتسوق.

الطعام الصحي متاح بما تنتجه الطبيعة والحقول وليس المصانع، وأكثر من ذلك مجرد وهم إعلاني مغر لا ينبغي علينا تصديقه مهما وضع بأكياس برّاقة ومغرية.