ترجّيح كفة دعاة النأي بالنفس..

التيار الصدري يقود حملة مناهضة الحرب والدعوة للحياد

جيل عراقي شاب بصدد تبديد هالة التقديس لرموز إيران

بغداد

تتضح في العراق ملامح مزاج عام ميّال للنأي بالبلد عن أي نزاع مسلّح على خلفية التجاذبات الحادّة بين طهران وواشنطن من شأنه أن يرتدّ بالبلد مجدّدا إلى مربّع عدم الاستقرار، الذي لا يزال يجهد للابتعاد عنه بعد حسمه المعركة العسكرية ضدّ تنظيم داعش قبل قرابة السنتين.

ورغم قوّة التيارات السياسية والفصائل المسلّحة العراقية الموالية لإيران، إلاّ أنّ دعوات قادة تلك القوى إلى التضامن مع طهران ومساندتها في صراعها المتصاعد ضدّ واشنطن، تواجه شعبيا ببرود واضح.

وتلعب الظروف التي حفّت بالعراقيين طيلة عقود من الزمن جرّاء الصراعات والحروب التي عاشوها دورا أساسيا في تكوين وجهة نظر شعبية عامّة ضدّ الحرب ومآسيها.

ولا يتردّد عراقيون في التعبير علانية عن رفضهم توريط بلدهم في حرب قد تتفجّر بسبب الصراعات بين قوى خارجية. وبدأت جهات سياسية تجد في ذلك المزاج أساسا لصياغة موقف عراقي مضاد لتوريط البلد في حرب لا تعنيه ومرتبطة بصراعات إيران وحساباتها الجيواستراتيجية.

وكان التيار الصدري الذي يقوده رجل الدين الشيعي مقتدى الصدر قد دعا أنصاره للخروج في تظاهرة بساحة التحرير في العاصمة بغداد، للتعبير عن رفض الحرب التي تقرع طبولها في المنطقة، وللدعوة إلى إبعاد العراق عن الصراع المحتدم بين إيران والولايات المتحدة.

وحمل حساب على فيسبوك منسوب لشخص يحمل اسم صالح محمد العراقي، دعوة للمتظاهرين لرفع العلم العراقي وحده دون أي رايات أخرى، وحمل الورود والأزهار البيضاء وأغصان الزيتون وارتداء الزي العراقي.


وقال صاحب الحساب الذي أصبح الحامل الأوّل لتوجيهات مقتدى الصدر إنه يقترح على المتظاهرين أن يتم إطلاق حمائم بيضاء وبالونات عليها العلم العراقي وإطلاق هشتاغات باللغات الثلاث (العربية والفارسية والإنكليزية) لعلها تصل إلى السفارات، وارتداء قبعات بيض ترمز للتضحية من أجل العراق.

كما وجّه العراقيين المتظاهرين بوجوب “أن تكون هناك هتافات موحدة لا تستهدف أحدا بل لنصرة العراق وسلامته”.

وخلافا للكثير من القادة السياسيين والدينيين العراقيين الشيعة المرتبطين بإيران، يبدي مقتدى الصدر بشكل متزايد ابتعادا عن طهران التي كثيرا ما يجاهر بالدعوة إلى استقلالية القرار العراقي عنها.

وقال في تغريدة أطلقها مؤخّرا عبر تويتر “لست مع الحرب بين إيران وأميركا ولست مع زج العراق في هذه الحرب وجعله ساحة للصراع الإيراني الأميركي”.

وتشارك شخصيات عراقية أخرى منظور الصدر بشأن النأي بالعراق عن الصراع الأميركي الإيراني.

وكشف زعيم ائتلاف الوطنية إياد علاوي، الجمعة، عما سمّاه “خطة طوارئ” سيتمّ اقتراحها على الحكومة وإقناعها بتبنّيها تحسّبا لتفجّر حرب في المنطقة.

وقال علاوي في بيان إن “المجلس المركزي للمنبر العراقي عقد جلسة حوارية ضمت عددا من ممثلي القوى السياسية جرى خلالها بحث التصعيد الأخير بين إيران والولايات المتحدة وتداعياته وكيفية مواجهة الأزمة الراهنة”.

وأضاف البيان أنّ علاوي “عرض خطة طوارئ ترتكز على أمن وسلامة العراق وتُفصّل في الجوانب المالية والاقتصادية والأمن الغذائي بالإضافة إلى الجانب الاعلامي”.

وبيّن أن “الاجتماع خرج بثلاث توصيات؛ الأولى تشكيل لجنة حكماء من قادة القوى السياسية للإشراف على خطة الطوارئ والتنسيق مع السلطة التنفيذية، والثانية الدعوة لعقد مؤتمر عام يضم الكتل السياسية للخروج بموقف موحد يضمن إبعاد العراق عن ساحة المعركة ويدعو للتهدئة ووأد الفتنة ويضع الجميع أمام مسؤولياتهم التاريخية، والثالثة التأكيد على ضرورة ضبط النفس وتوحيد الخطاب السياسي والإعلامي حول حيادية العراق كدولة إزاء ما يدور بين إيران والولايات المتحدة”.

وعلى المستوى الرسمي تجد الحكومة العراقية نفسها محرجة بشكل استثنائي بسبب التصعيد بين إيران والولايات المتحدة نظرا للارتباطات الوثيقة لبغداد بالطرفين سياسيا واقتصاديا.

وعلى هذه الخلفية تكرّر حكومة رئيس الوزراء عادل عبدالمهدي دعواتها للتهدئة، عارضة الوساطة بين الطرفين، رغم قول مراقبين إنّ العراق في وضعه الحالي غير مؤهّل لوساطات في ملف من هذا الحجم.

ودعا وزير الخارجية محمد علي الحكيم، الجمعة، إيران إلى احترام الاتفاق المبرم حول برنامجها النووي، لخفض التوتر ونزع فتيل الحرب.

وقال الحكيم خلال مؤتمر صحافي في العاصمة النرويجية أوسلو “نعتقد أن خطة العمل الشاملة المشتركة اتفاق جيد”، مضيفا “نشجّع الحكومة الإيرانية على أن تظل وفية للاتفاق وروحه”.

وتدهورت العلاقات بين طهران وواشنطن بعد قرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب في مايو 2018 الانسحاب من الاتفاق النووي وإعادة فرض عقوبات اقتصادية على إيران.

وبلغ التوتر أشده خلال الأسبوعين الماضيين، بعدما أعلنت الولايات المتحدة تعزيز وجودها العسكري في الشرق الأوسط لمواجهة ما سمته تهديدات إيرانية. وقالت واشنطن الخميس إنها تدرس إرسال المزيد من القوات إلى المنطقة لضمان أمن القوات المنتشرة فيها بالفعل.

وفي المقابل ترجّح مختلف المصادر أن تعوّل إيران على وكلائها المحليين في العراق ولبنان واليمن لاستهداف القوات والمصالح الأميركية، ما سيضع تلك الدول في قلب صراع لا علاقة لها به.

وأوضح الحكيم الجمعة أنّ “آخر ما نحتاج إليه هو صراع جديد في المنطقة. لدينا أصلا صراعات كثيرة”. وأضاف “لا أعتقد أن أحدا يريد لسعر برميل النفط أن يصل إلى مئتي دولار في المستقبل القريب”.

ويجد العراق صعوبة واضحة في التوازن والتزام الحياد في الصراع الدائر بين طهران وواشنطن، وخصوصا مع وجود قوى نافذة موالية لإيران، تشارك في صنع قراره وصياغة سياساته ومواقفه، وهو الأمر الذي يضاعف احتمالات أن يكون البلد نفسه مسرحا لأي حرب قد تنشب بين الطرفين.