أحزاب تونسية تستنجد بكوادرها النسائية ..

نساء تونس يتقدمن لإنقاذ البلاد من تخبط رجال السياسة

هل وصلت المرأة التونسية إلى مرحلة التعبير

آمنة جبران

تشهد الساحة السياسية التونسية حضورا نسويا يتجاوز بعده الديكوري والتجميلي إلى حضور فاعل ومؤثر في السياق العام، يرفع الحديث عن دور المرأة كعنصر ثانوي، وإن كان مؤثرا، وكصوت انتخابي حاسم، ليتحوّل إلى تأكيد على دور قيادي واستشرافي يتطلع إلى إنقاذ تونس من تخبط رجال السياسة ويصل بها إلى بر الأمان في هذا المنعطف الحرج.

إلى حد الانتخابات الرئاسية الأخيرة (2014)، لم يكن مطروحا التفكير في أن تتولى امرأة رئاسة البلاد، رغم وجود أسماء نسائية على قائمة المترشحين. لكن، اليوم، وفيما تستعد البلاد لدورة انتخابية جديدة هناك من يتحدث وبثقة عن إمكانية تولي امرأة رئاسة البلاد، وهذه المرأة هي عبير موسي رئيسة الحزب الدستوري الحرّ.

ترسم موسي، إلى جانب سلمى اللومي الرقيق، المديرة السابقة لديوان رئيس الجمهورية، صورة هذه المرأة التونسية القيادية بأدق تفاصيلها. وبصعود اللومي وموسي، وغيرهما، يطرح المتابعون تساؤلا: هل وصلت المرأة التونسية إلى مرحلة التعبير عن مكانتها الحقيقية في المجتمع والسياسة وهل تخطت حاجز تمييز الرجل في مواقع صنع القرار إلى مرحلة المنافسة المباشرة بينهما.

قيادة الحزب

لم تكن استقالة سلمى اللومي الرقيق من مهامها كمديرة الديوان الرئاسي لتعلن على إثرها المشاركة في مهمة جديدة وهي إنقاذ العائلة الوسطية التقدمية من تشرذمها، وتعني بذلك حزب نداء تونس، إلا دليلا على الدور الفاعل والقوي الذي باتت تحظى بعه المرأة التونسية اليوم في المشهد السياسي.

وبعيدا عن الحسابات السياسية التي قد تحملها خطوة الاستقالة، واختيار اللومي الانضمام إلى جناح دون آخر في حزب يعاني من التشذرم، فإن وسائل إعلام محلية ترجّح تولّي اللومي منصبا قياديا داخل الحزب (أمانته العامة)، بأنه اعتراف بكفاءتها السياسية والثقة في قدرتها على إنقاذ الحزب من أزمته.

واللومي، التي لفتت إليها الانتباه بعد نجاحها في تنظيم أشغال الدورة الثلاثين للقمة العربية بتونس في مارس الماضي، يعوّل عليها أعضاء الحزب للخروج من حالة الانقسام إلى الاتحاد حتى يصل الحزب إلى برّ الأمان والاستقرار مع اقتراب السباق الانتخابي.

لا ينحصر رهان الأحزاب على الكفاءات النسوية في تونس على اللومي فحسب، بل تقدم كذلك عبير موسي مثالا لنجاح المرآة في مهامها على رأس الحزب، حيث استطاعت أن تأخذه إلى مراكز متقدمة في استطلاعات الرأي حسب بعض مؤسسات سبر الآراء المحلية، وهو اليوم منافس قوي لأكبر الأحزاب في البلاد.

ويصف المراقبون موسي بالظاهرة السياسية التي شدت إليها انتباه الشارع. وعلى الرغم من المآخذ التي تطالها نتيجة توظيفها لإرث نظام الرئيس الأسبق زين العابدين بن علي في الترويج والدعاية لحزبها، تبدو موسي متمسكة بمواقفها، صارمة في تصريحاتها لا تأبى الانتقادات بل واثقة من أن مشروعها قد يقدم للتونسيين ما عجزت نخبة ما بعد الثورة عن تحقيقه.

تستفيد موسي من فشل الأحزاب الحاكمة في إدارة شؤون البلاد في ظل أزمة اقتصادية خانقة وتواصل التجاذبات السياسية، فتحمّل مباشرة المسؤولية عن ذلك إلى حركة النهضة، الحزب الشريك في الحكم وصاحب المرتبة الأولى في البرلمان، ولا تجد حرجا في إبداء عدائها للإسلاميين علنا.


وقد يكون وضوح شخصية عبير موسي وثقتها العالية ببرنامجها من بين أسباب شعبيتها المتنامية. وبالنسبة لسلمى اللومي الرقيق فإن خبرتها الكبيرة في عالم السياسة والأعمال هي التي دفعت حزب النداء ومن قبل رئاسة الجمهورية إلى الاستفادة منها فهي أول سيدة تدير الديوان الرئاسي، وهذان النموذجان من القيادات النسوية يؤكدان على قدرة المرأة التونسية على لعب أدوار سياسية مهمة في المستقبل القريب، ورفد سجلّها بامتيازات جديدة تضاف إلى ما تحقق لها.

وتؤكد راضية الجربي، رئيسة الاتحاد الوطني للمرأة التونسية، على أن التفاف الجماهير حول موسي واستعانة حزب النداء باللومي، دليل على الثقة في قدرة المرأة السياسية على النجاح في مهامها والمساهمة بشكل فعال في إعادة الاستقرار إلى البلاد.

واستحضرت تاريخ النساء الطويل في العمل السياسي منذ فترة الاستعمار الفرنسي، من مناضلات ساهمن في معركة الاستقلال، إلى ناشطات سياسيات عارضن نظاما دكتاتوريا، وتستحضر هنا بالخصوص مواقف القيادية الراحلة مي الجريبي أبرز وجوه العائلة التقدمية.

وتتابع بقولها إن “الكثير من النساء اليوم يتمتعن بإشعاع سياسي، وحصلن على مواقع متقدمة في أحزابهن، وهذا دليل على أن فكرة أن تكون المرأة رئيسة لحزب لم تعد تمثل إشكالية، لكنها تشكل منافسة حقيقية وشرسة للرجال لذلك يقع استبعادها”.

بروز كل من سلمى اللومي الرقيق وعبير موسي في هذا المنعطف الحرج الذي تمر به تونس مع تزايد وتيرة الصراع في مشهد سياسي يزداد سخونة باقتراب الانتخابات الرئاسية والتشريعية يبدو لافتا. وما يجعل لحضورهما أهمية أنهما يحملان مشاريع وبدائل عن الواقع الحالي إن اتفقنا مع مضامينها أو اختلفنا.

تريد اللومي بإقرار منها أن تكون شخصية جامعة وقد بررت خبر استقالتها بتدوينة في صفحتها على فيسبوك قائلة إن “الوضع الاجتماعي والاقتصادي وخاصة السياسي، يدفعني اليوم إلى الاستقالة، والتفرغ لهدف مصيري لتونس، وهو المساهمة في تجميع العائلة الوسطية التقدمية وتوحيدها، ووضع حد لتشتتها وانقسامها قبل فوات الأوان”.

ويتوقع مراقبون أن تنجح اللومي في مهمتها، خاصة وأنها من ضمن مؤسسي حزب نداء تونس في العام 2012. وتحملت مسؤولية أمينة مال الحزب إلى جانب عضويتها في المكتب التنفيذي، وفي انتخابات العام 2014 ترشحت لعضوية البرلمان كرئيسة عن قائمة الحزب بدائرة نابل1، شمال شرقي البلاد، وفازت قائمتها بأربعة مقاعد. ولم تتخلّ عن مقعدها بالمجلس، إلا حين اختارت الإشراف على حقيبة السياحة عام 2015.

ويبدو نداء تونس الفائز بانتخابات 2014 التشريعية والرئاسية، الذي يعاني من انشقاقات أفرزت أحزابا عديدة واستقالات، يستنجد بكوادره النسائية خاصة بعد أن فشل مؤتمره المنعقد في أبريل الماضي في إنقاذ الحزب من المزيد من التشتت، بعد انقسامه إلى حزبين، يقود أحدهما رئيس الكتلة البرلمانية للحزب سفيان طوبال، فيما يتزعم حافظ قائد السبسي، نجل الرئيس، الحزب الثاني.


وتفضيل اللومي المشاركة في توحيد وتجميع “النداء التاريخي” بين كتلتي النداء ومشروع تونس على البقاء في مهامها السابقة، يأتي من ثقتها بأن بوادر الحلول والإنقاذ قد تنجح في صناعته النساء وليس حكرا على الرجال كما وقع الترويج له. وتستمد الثقة أيضا من الدور الذي لعبته النساء في انتخابات 2014 حيث منح التصويت النسوي للباجي قائد السبسي، مؤسس الحزب، كرسي الرئاسة.

أما عبير موسي التي يصفها البعض بـ”المرأة الحديدية “، فلا تتردد في التأكيد على ثقتها بأن حزبها سيحقق مفاجأة وسيكون الحصان الأسود في السباق الانتخابي، أمام استياء شعبي من الأداء الضعيف للأحزاب الحاكمة. وفي ردها على الانتقادات بأن حزبها يقتصر على جموع الغاضبين على الثورة، تؤكد أن من مهام حزبها تصحيح مسارات الجمهورية الثانية التي جاء بها دستور 2014 والخروج بالبلاد من نفق الأزمات.

ويكمن السبب الحقيقي وراء تزايد شعبية موسي في التواصل مع المواطن والتركيز على قضاياه الاقتصادية والاجتماعية، ما يكشف البراعة السياسية للمرأة وقدرتها على استقطاب الجماهير ويكشف بوادر نجاح في إدارة الشأن العام.

وترجع راضية الجربي هذه الثقة التي باتت تتمتع بها المرأة التونسية اليوم إلى مكاسب الدستور الذي ضمن حقوق النساء والذي يعد رائدا في هذا المجال.

وتشير الجربي لـ”العرب” إلى أن “دستور تونس يحفظ حقوق النساء، كما أن التجارب السياسية التي راكمتها، تجعلها قادرة على اكتساح مجال كان في السابق حكرا على الذكور، وحضورها بات أكبر من السابق في الواقع السياسي”.

وبدورها تلاحظ بشرى بلحاج حميدة، رئيسة لجنة الحقوق والحريات، تقدّم الدور والأداء السياسي للمرأة التونسية. وتقول في تصريح لـ”العرب”، إن “النشاط السياسي للمرأة تطور نتيجة مشاركتها المكثفة في الأحزاب والجمعيات كما في الحراك المجتمعي والمدني”.

تقدم غير كاف

يؤكد خبراء أن الحضور النسوي وإن شهد زخما خلال الآونة الأخيرة في الحياة السياسية إلا أنه ما زال ضعيفا، فالعديد من الأحزاب ما زال يترأسها الذكور، كما أن منصب الأمانة العامة محظور على النساء.

وتعتبر ليلى الحمروني، القيادية بحزب تحيا تونس، أن وجود قياديتين فقط على رأس حزبين غير كاف. وتقول الحمروني، في تصريحات لـ”العرب”، “نريد أن تتواجد النساء على مستوى القيادات السياسية وأيضا في باقي مؤسسات الدولة الكبرى”.

وعلى الرغم من إقرار مبدأ التناصف ما زالت التمثيلية النسائية بالبرلمان التونسي محدودة، ودون السقف المطلوب.

ونص الدستور التونسي الجديد في المادة 34، على أن “تعمل الدولة على ضمان تمثيلية المرأة في المجالس المنتخبة”، ثم أتبع ذلك بالتزام أكثر وضوحا في المادة 46 حيث نصّ على أن “تسعى الدولة إلى تحقيق التناصف بين المرأة والرجل في المجالس المنتخبة”.

وساهم ذلك في ترفيع نسبة حضور العنصر النسائي بالبرلمان بعد الانتخابات في سنة 2014، حيث ارتفع عدد النائبات التونسيات المنتخبات بالبرلمان الجديد بشكل ملحوظ مقارنة بانتخابات 2011، ليصل عددهن إلى 72 من أصل 217، أي بنسبة تفوق 33.1 بالمئة بحسب إحصائيات هيئة الانتخابات التونسية.

وتلفت هالة بن يوسف ورداني، نائبة رئيس حزب التكتل، في تصريحات لـ”العرب”، إلى “أن هناك أحزابا اليوم ليس لديها كوتة (نسبة محددة) لتمكين المرأة من أن تكون في القيادة ويرفضون هذا بحجة أن المرأة يجب أن تصل بقدراتها ولا عبر التمييز الإيجابي. وهذا خطا لأنهم لا يتركون لها فرصة الوصول حتى وإن كانت أحسن منهم.

وتتابع قائلة، إن السياسة “صنعها الرجال للرجال” ولهذا اليوم يزعجهم وجود قلة من الناس يؤمنون حقا بالقيمة المضافة للمرأة السياسية.

ولتجاوز سياسة الإقصاء والتمييز بحق المرأة تدعو ورداني إلى العمل على دعم ترشح النساء لمواقع قيادية متقدمة في الأحزاب وإعطائها فرصا مناسبة لتبوّء تلك المناصب، وتقلد مناصب غير تقليدية.

وترى أن الأوان قد حان لنشهد أحزابا برئاسة نسوية أو نيابة الرئيس كمرحلة أولى لتقدم النساء داخل الأحزاب، وهذا ما بادر به حزب التكتل إثر مؤتمره الثالث حيث اعتمد تنظيم تنفيذي جديد (نائبة رئيس ونائبة أمين عام ونائبة رئيس مجلس وطني وناطقة رسمية). ولا شك في أن اعتلاء امرأة منصب الرئاسة أو منصب قياديي آخر يعزز مكانة تونس ويثبت للعالم أنها تسير فعلا في طريق المساواة والديمقراطية فعلا لا قولا فقط.