دعم عربي وأفريقي..

الفضاء الإقليمي داعم للمجلس العسكري في السودان

عمق العلاقة بين السودان الجديد والفضاء العربي

محمد أبوالفضل

كشفت الزيارة التي قام بها الفريق الأول عبدالفتاح البرهان رئيس المجلس العسكري الانتقالي لكل من مصر والإمارات، السبت والأحد، عمق العلاقة بين السودان الجديد والفضاء العربي، حيث جاءت بعد زيارة قام بها نائبه الفريق الأول محمد حمدان دقلو (حميدتي) للسعودية، بما يؤكد انحياز الخرطوم لتحالف مصر والسعودية والإمارات على حساب محور قطر وتركيا.

منح إعلان السودان مشاركته في القمة العربية الطارئة في 30 مايو الجاري بالسعودية حيوية مضاعفة لدول هذا التحالف، الذي وجه ضربة موجعة لمحاولات الدوحة وأنقرة وضع نظام الخرطوم في صفهما. فحضور البرهان أو حميدتي القمة العربية اعتراف صريح بالمجلس العسكري، يضاف إلى شرعية إقليمية أخرى حصدها في القمة الأفريقية المصغرة التي عقدت بالقاهرة في 23 أبريل الماضي.

لم يحلْ الانسداد الحاصل في المفاوضات بين المجلس وقوى الحرية والتغيير دون امتلاك الأول المزيد من الحضور السياسي بالداخل، حيث تراجعت حدة الأزمات الاقتصادية التي كانت سببا في انتفاضة ديسمبر وأدت إلى عزل الرئيس عمر حسن البشير في 11 أبريل الماضي، بعد حزمة مساعدات تلقاها السودان من السعودية والإمارات، ولم تختل موازين الأمن في أي من أقاليمه كما توقع البعض.

أصبح البعد الإقليمي مهمّا، حيث تعول دول كثيرة على قدرة المجلس في تحقيق الأمن والاستقرار، والتخلص من إرث البشير الأمني ومناوراته السياسية وألاعيب الحركة الإسلامية، والتي أرخت بظلال سلبية على علاقة الخرطوم بعدد من القوى العربية والأفريقية، بينما لا يزال الداعم الخارجي لتحالف الحرية والتغيير قابعا عند حدود الكلمات الفضفاضة والتطلع إلى تسليم السلطة لحكومة مدنية.

فشل هذا الفريق في تطوير رؤيته وجذب تأييد لافت من القوى الفاعلة، واقتصرت معظم المواقف الخارجية على مناشدات تقليدية، ولم تصطحب معها تغيرات حاسمة تقدم للمعارضة قوة دعم سياسية، تجبر المجلس العسكري على التجاوب مع مطالبها كاملة. انعكس تمسك المعتصمين بضرورة تشكيل مجلس سيادي الغلبة فيه للجماعة المدنية إيجابيا على المجلس العسكري، لأنه لم ينكره صراحة، لكنه عدّد مخاطر التعجيل بخطوة كبيرة من هذا النوع تجهض حُلم التأسيس لسلطة حقيقية، في وقت يجد فيه المجلس نفسه بين فكي رؤية حدية تتبناها قوى الحرية والتغيير، وتربص غير خاف من جانب الأحزاب والتنظيمات المناوئة من بقايا النظام القديم.

تعامل المجلس بصورة واقعية مع المعطيات المتشابكة، واتجه نحو تعميق العلاقات الإستراتيجية مع السعودية والإمارات ومصر، وهي الدول التي أعلنت بلا مواربة دعمها للخطوات التي اتخذها والوقوف خلف خيارات الشعب السوداني والمصير الذي يرتضيه.

وفرت الرياض وأبوظبي غطاء اقتصاديا من خلال تقديم دعم مادي سخي قيمته 3 مليارات دولار، وقدمت مصر بحكم رئاستها الدورة الحالية للاتحاد الأفريقي دعما سياسيا بعقد قمة عاجلة منحت المجلس مهلة لمدة ثلاثة أشهر لتسليم السلطة بدلا من 15 يوما، وهي فسحة جيدة لترتيب الأوضاع، وتخفيف حدة الانتقادات التي روجت لخلع البشير على أنه انقلاب عسكري.

لفت تحالف الحرية والتغيير الأنظار إليه في الخارج، وثمنت جهات كثيرة دوره وأُغدقت عليه عبارات الثناء لقدرته على الصمود والحفاظ على الزخم السياسي في الشارع وصلابته في التمسك بالطابع المدني لإدارة المرحلة الانتقالية، حتى تحول الأداء العام إلى نموذج في إدارة التفاوض مع المجلس العسكري، وعدم الرضوخ للابتزاز والضغوط المختلفة والإصرار على تصفية الجيوب التابعة للنظام السابق.

بدأت أيقونة المعتصمين تتأثر بالأجواء الداخلية التي تشعر بالملل من توالي الشد والجذب، لأن عدم الاتفاق واستمرار الارتباك سوف ينعكسان على منسوب الأمن والطموحات المنتظرة من وراء تدفق الدعم الاقتصادي الخارجي.

وفي ظل صعوبة التلاقي حول أفكار مشتركة أخذت الصورة العامة للمعارضة تهتز، خاصة بعد الاتجاه نحو التصعيد بالعصيان المدني وتعميم الإضرابات على مؤسسات الدولة والتهديد بتعطيل الشرايين الحيوية في مناحي الحياة اليومية. حاول المجلس العسكري غسل يديه من الاتهامات التي توجه إليه حول رغبته الاستئثار بالسلطة، ولوح باللجوء إلى انتخابات مبكرة، لكن الفكرة لم ترق لمعارضيه خشية أن تعيد إنتاج النظام القديم، جراء جاهزيته التنظيمية والحركية والمادية، وتؤدي إلى كشف أوزان المعتصمين في الشارع.

ارتكنت قوى الحرية والتغيير لشرعيتها الثورية في الداخل، ولم تنتبه للحصول على مزيد من الدعم من الخارج أو تتبنى خطابا لجلب مكاسب سياسية مضاعفة، بعد أن حصدت تأييدا شفويا يتسم بالعمومية، ولم تنتبه لطبيعة التوازنات المتحكمة في العلاقات الإقليمية حاليا، والتي تريد للسودان الابتعاد عن شبح الانزلاق في فوضى عارمة، وقطع الطريق على المحاولات الساعية لاستعادة زمام المبادرة من قبل الحركة الإسلامية وذيول البشير بالخارج، لأن عناصر هذا الفريق تتمنى استمرار أزمة التفاهم حول ترتيبات المرحلة المقبلة للانقضاض على الحكم.

ارتكز المجلس العسكري على ما حصده من دعم عربي وأفريقي، وبدأ يزيد من سرعة تحركاته على المسارين، ويرسل إشارات تطمين لقوى إقليمية ودولية منخرطة في مجابهات مصيرية مع العناصر المتطرفة ومكافحة الإرهاب، ويشدد على طي الصفحة الغامضة في هذه المعركة، الأمر الذي خفف حدة الانتقادات الموجهة تلقائيا للمؤسسة العسكرية في أي دولة تقفز فيها على السلطة.

تجاوز الجيش السوداني جملة كبيرة من العقبات الخارجية وانخرط بسرعة في الكفة الإقليمية الرابحة والراغبة في دحر المتشددين والقضاء على الإرهابيين والاستعداد للتعاون والتنسيق لوضع تصورات مشتركة لمشروعات تنموية واعدة في المنطقة. وكلها علامات ظهرت في شكل صبر على تحركات المجلس العسكري الداخلية، وتفضيل استمراره ضمنيا في الحكم لعبور السودان إلى شط الاستقرار.

بصرف النظر عن المبررات التي وقفت وراء هذه الخطوات، فكل ما يهم القوى الإقليمية المعنية بأمر الحكم في الخرطوم الانسجام مع أغراضها النهائية والحفاظ على مصالحها، وهو ما يحققه المجلس العسكري تدريجيا، عبر تفهم المنظومة التي تدور في أطرها العديد من المعادلات وتوسيع شبكة الأمان السياسية، بما يخفف من وقع الضغوط عليه.

قد يوضع هذا الحمل على عاتق القوى المعرقلة للتحولات المرنة والمفرطة في طموحاتها وأمنياتها، بصورة يمكن أن تفضي إلى زيادة العراقيل في الطريق المؤدي إلى نظام يحظى بتوافق المؤسسة العسكرية وقوى إعلان الحرية والتغيير والشعب بغالبية أطيافه.

يثبّت المجلس العسكري أركانه بعد أن كسب ثقة خارجية، ففي كل يوم يعلن فيه تأكيده قطع صلته بأركان وأفكار النظام البائد، تتزايد رقعة الأرض السياسية التي يقف عليها وتتسع فرص تلقي مساعدات اقتصادية واعدة. وساهم نجاحه في الحفاظ على ضبط النفس في عدم الانسياق وراء مواجهات دموية مع المعتصمين، حيث أرادت قيادات في النظام السابق جرهما إلى مستنقع يجهز فيه كلاهما على الآخر، وتمكن المجلس من تهدئة الأجواء على الجبهات الساخنة والتمسك بوقف العدائيات.

نجح في تسويق نفسه بحسبانه صمام أمان رئيسي للسودان وجيرانه، وأبعده التحلي بالرشد عن الدخول في دوامة خطيرة من التجاذبات، الأمر الذي جعل الفضاء الإقليمي مهيئا لتقديم أنواع جديدة من الدعم السياسي والاقتصادي لإدارة المجلس العسكري على حساب قوى الحرية والتغيير.