العودة بالزمن إلى الوراء...

"أراك بالأمس" فيلم خيال علمي عن إشكالية التلاعب بالزمن

فتاة عليها أن تختار بين حبيبها وشقيقها

طاهر علوان

هنالك تنوع ملفت للنظر في أفلام نجحت بشكل ملفت للنظر في معالجتها لقضية تحدي الزمن نذكر منها سلسلة ستارتريك، وأفلام “لوبر” و”قضاء وقدر” و”الرجال بالزي الأسود” و”إكس مين” و”النجمي” و”حافة الغد” و”وصول” و”ماكنة الزمن” و”دكتور سترينجر” و”كوكب القردة” و”الفاني” و”العودة إلى المستقبل” وغيرها.

في فيلم ” أراك بالأمس” للمخرج ستيفون بريستول سوف نكون مع معالجة أخرى مختلفة حول ثيمة تحدي الزمن. للوهلة الأولى يبدو هذا الفيلم تبسيطيا للإشكالية الفلسفية والفكرية والفيزيائية المرتبطة بالرحيل او الانتقال عبر الزمن، فهو يعرض الحياة اليومية لفتيان في إحدى المدارس يعيشون يومهم العادي سواء في قاعات الدرس أو خارجه، لكنهم يدرسون من بين مقررات أخرى قضية الانتقال عبر الزمن فيزيائيّا.

نحن هنا في مجتمع أميركي من أصول أفريقية، وتسعى كلوديت (الممثلة إيدن سميث) وزميلها سيباستيان (الممثل دانتي كيرتشلو) إلى تجربة الانتقال عبر الزمن، لكنهما يفشلان في كل مرة.

ويأخذ الفيلم منحى كوميديا من خلال مواقف الطلاب الفتيان ومشاكساتهم مع بعضهم البعض، لكن الأمر جدّي بالنسبة إلى كلوديت التي تريد تحقيق تحدي عبور الزمن، ولهذا تنشغل في البحث فيه أملا في الوصول إلى نتيجة ما.

نجد تحوّلا دراميا ملفتا للنظر يقلب هذه الأحداث المنسابة بعفوية باتجاه آخر، وذلك عندما يتم ربط حياة ذوي الأصول الأفريقية بالمواجهات المستمرة مع الشرطة، والتي تتعامل بعنصرية مع هؤلاء.

واقعيا كانت وما تزال قضية حقوق الإنسان وبطش أجهزة فرض القانون في الولايات المتحدة بذوي البشرة السمراء، واحدة من القضايا الشائكة لكثرة ضحاياها، وهكذا سوف يكون كالفين شقيق كلوديت (الممثل إسترو) هو الضحية المقبلة. فبمجرد أن يمد كالفين يده في جيبه ترديه الشرطة قتيلا، وهنا سوف تكون مهمة كلوديت هي العودة بالزمن إلى الوراء سعيا إلى الحفاظ على حياة كالفين وإنقاذه من الموت.

وتنجح كلوديت وصديقها سيباستيان في الانتقال عبر الزمن وأن يعيشا أحداثا مضت ويشاهدا نفسيهما في سلوكهما في داخل المدرسة التي يدرسان فيها أو خارجها.

وتتطور علاقة كلوديت وسيباستيان حتى لا يستطيع أحدهما أن يتخلى عن الآخر، ويمضيان في الانتقال عبر الزمن حتى يتم الإجهاز على سيباستيان، وبهذا سوف تجد كلوديت نفسها بين خيارين قاسيين هما محاولة إنقاذ شقيقها من جهة وإنقاذ صديقها من الجهة الأخرى.

لكن تلك المهمة في الجمع بين الزمنين أو السفر عبر الزمن من أجل إنقاذهما لن تتيح لكلوديت أن توازن بينهما، فتخسر صديقها إن أرادت إنقاذ شقيقها أو العكس. وظّف المخرج المشاهد الحوارية بتميّز كبير، حيث اعتمد على تلك المشاهد في توصيل فكرته أكثر من أي شيء آخر، وحيث تميّزت الحوارات بالعفوية والمباشرة، بينما في واقع الأمر كان الانتقال عبر الزمن مهمة شاقة.

وفي هذا الجانب المرتبط بالزمن كانت الأدوات والأجواء التي تم توظيفها لإظهار الانتقال عبر الزمن غير كافية لتحقيق درجة من الإقناع في انتقال الشخصيات، مقارنة بمعالجات أكثر إقناعا في أفلام أخرى عديدة من هذا النوع.

من جانب آخر، كانت الشخصيات التي أدت أدوارا ثانوية أو مكملة ضرورية من أجل البناء الدرامي كما نجحوا في تقديم أدوار مقنعة، إضافة إلى أنهم بدوا أكثر تفاعلا مع الشخصيات الرئيسية، وهو عنصر إضافي عمّق من أهمية تلك الشخصيات.

بموازاة ذلك نجد أن عامل الانتقال عبر الزمن تم تعزيزه بماكينات أو أجهزة ومعدّات ضرورية ظهرت في العديد من الأفلام السابقة، إلا أنها بدت شاحبة ومحدودة في هذا الفيلم، مع أنه عنصر جمالي يجعل المشاهد أكثر اقتناعا بالأحداث، لكن في هذا الفيلم بدت الأحداث والحوارات هي الطاغية أكثر من جماليات الانتقال العلمي عبر الزمن.

وإذا مضينا في تلك المقارنة مع أفلام رصينة في هذا الباب فإننا سوف نستذكر أفلاما بإنتاج ضخم وميزانية كافية وهو ما لا يبدو متحققا في هذا الفيلم، إذ تم التركيز على التصوير في أماكن حقيقية والتقليل من تداعيات عبور الزمان.

إشكالية مركبة تلك التي نشهدها في هذا النوع من الأفلام التي تجمع بين جمالية الانتقال عبر الزمن وبين منظور قائم على عنصر الحركة والمفاجآت والمغامرة، وتلك توازنات ضرورية وأساسية في هذا النوع من الأفلام وتبدو خلال ذلك الشخصيات الدرامية الأكثر تأثيرا والمكرّسة لخوض المواجهة إلى نهايتها.

شخصية البطل الذي يقود الأحداث وتتربص به التحديات في هذا النوع من مفتولي العضلات وسريعي الحركة لن تجدهم في هذا الفيلم، بل إنه كرّس بطولة مختلفة لشخصيتين مهمتهما التركيز على عفوية السرد وإتقان التفاصيل البسيطة والتنقل عبر الزمن جيئة وذهابا، في شكل هو أقرب للفرجة المرتبطة بالطرافة والبساطة وهي ميزات أساسية في هذا الفيلم.