مسرحية تغيير الأزياء الحوثية بموانئ الحديدة..

خيارات حكومة هادي في مواجهة "ورطة" غريفيث بالحديدة

الآن يتفق غريفيث والحوثيون فيما يبدو حول مهزلة الموانئ؛ لا باعتبارها مسرحية

أمين الوائلي

الموقف الآن لا يتطرق فقط إلى المبعوث، ولا معنى لمبادلات ودردشات الشرعية والأمين العام (الإعلامية) والتي تحولت إلى نقاش جانبي تماماً يضع مارتن غريفيث بشخصه محل القضية اليمنية برمتها.

يتطرق الموقف في هذه الساعة -حصرياً- إلى حسابات الورطة التي رتب لها غريفيث في الحديدة. وخيوطها حيكت في كواليس السويد؛ بنص مفخَّخ خول غريفيث إنتاج تفسيرات متجددة كلما دعته الحاجة إلى إنتاج صيغة تفسير مرحلي لاتفاق بلا جدران أو سقف. وهكذا مَسرَحها كيفما شاء.

الآن يتفق غريفيث والحوثيون فيما يبدو حول مهزلة الموانئ؛ لا باعتبارها مسرحية، بل بوصفها انسحاباً يستدعي في المقابل انسحاب قوات الطرف الآخر.

هكذا أعطى محمد الحوثي لرويترز الليلة الماضية، وزاد أن تكثيف هجمات الدرون على السعودية نتيجة "ازدراء" مبادرة الانسحاب الأحادي وعدم أخذ الطرف الآخر مبادرة مشابهة (..).

بالطبع سيحاول الحوثيون -عبثاً- إنكار تبعية أفعالهم وخطواتهم التصعيدية لمشيئة الإيرانيين لدى وكلاء في خدمة طهران.

لكن لا بد وأن يذكرنا هذا التهريج الحوثي (الجاد) بمداخلة حمقاء أعطت المضمون نفسه وتطوع لها سفير بريطانيا مايكل أرون الذي هاجم من الساعات الأولى ازدراء وتهكم الناشطين اليمنيين لمسرحية تغيير الأزياء الحوثية بموانئ الحديدة، معطياً نفسه حق إملاء الأحكام وإعطاء التقييم النهائي وأنها خطوة عظيمة تنجز انسحاباً للانقلابيين من دون حتى رصاصة واحدة (!!) يا للروعة.
وينتظر بالتالي خطوة مقابلة ليكمل الفخ دورته وتكتمل الروعة المريعة.

منطق البريطانيين (وغريفيث) والحوثيين نفسه.
وهو منطق (غريفيث البريطاني) لكن باعتباره مبعوثاً أممياً، ما يعني أيضاً أنه منطق الأمم المتحدة.
على الأقل حتى الآن هذا ما تعكسه تصريحات غوتيريش ومتحدث باسمه خلال يومين توالياً.

هل يعني هذا، ببساطة، أن المليشيات تقدر هكذا أن تمرِّر إرادتها ورغباتها بينما تبدو الشرعية التائهة في مواجهة مع انعدام الإرادة لديها قبل أي شيء وأحد وجهة؟
أم أنها تريد ما يراد ويصار إليه بالنتيجة طالما لا تفعل شيئاً للحيلولة دون النتيجة التي تتكرس بناءً على ممانعتها المضي في استكمال مهمة انتزاع المدينة والموانئ بكلفة أقل بكثير عندما صارت في المتناول؟

ما الذي -أصلاً- تريده الشرعية في الحديدة؟ من يعرف؟!
لماذا تناقش الرجل الأول في الأمم المتحدة حول سلوك مبعوثه وتتشكى منه لتحثه في نهاية الرسالة ذاتها الإبقاء على مبعوثه؟!

كيف تقبل على نفسها الذهاب إلى طاولة تفاوض في الأردن مع الحوثيين حول جدول أعمال واضح ومحدد يساوي بين طرفين على قاعدة تقاسم إيرادات ميناء الحديدة -تبعاً لسريان واعتمادية إجراءات الإعلان الأحادي بالانسحاب الأحادي والانتقال إلى مناقشة الإجراءات المالية اللاحقة- ثم تشكو مساواتها مع المليشيا؟

وكيف يمكنها أن تبرئ ساحتها من التواطؤ مع مسرحية هزلية حد الذهاب إلى مناقشة ما بعدها وأعمال اليوم التالي؟
من جرب الدخول إلى رأس صناع سياسة وقرار هذه الشرعية التي يخيل إلينا كما لو أنه حتى الله ذاته قد يئس منها؟!

إلى كل هذا -إذاً- يتطرق الموقف الآن، وهو من الخطورة والتعقيد بما يتجاوز بمراحل المقيمين عند وظيفة غريفيث بحد ذاتها، والتي أصلاً حسمتها الشرعية للاستمرارية.. بينما يصرون على تصدير وتصوير معطى مغاير للتحشيد من ورائه دعماً واصطفافاً وراء موقف عظيم وحازم للقطع مع المبعوث الذي وصلته الشرعية فعلياً وعملياً ولم تقطع معه!

وليت والله أن هناك موقفاً بالفعل أو نصفه لنعبئ الطاقات والمنشورات والتغريدات معه وفي صفه ومن ورائه، لكن يا رفاق.. ما بووش ما يكلف.
خطاب هادي إلى غوتيريش مدَّد للمبعوث فرصة ووقتاً إضافياً. وحسب فهمي فإن هذا يعني أن يمدِّد غريفيث ولا يبالي لا أن يعطف السامان!

من ناحية موازية تقول أدبيات ويقول خبراء الأمم المتحدة إن استمرارية عمل ومهمة أي مبعوث هي مسألة تتعلق بالسلطات الحكومية الرسمية المعترف بها دولياً. يعني هذا أن إرادة الشرعية هي من تحسم وتعطي الرأي الأخير في استمرارية غريفيث من عدمها. وهي بالفعل قد حسمت وسيستمر.

لذلك اعفونا، حباً في الله، من ممارسة الضجيج لأجل الضجيج ومعاركة متهمين وأوهام؛ غريفيث والأمم وغوتيريش ولوليسغارد، حينما يكون (عباس وراء المتراس) قد أخذ قراره وحسم النتيجة سلفاً لصالح من تجحفلون ضدهم نصرة واصطفافاً مع عباس وراء المتراس!!

بينما بقي رئيس الدبلوماسية الضخمة خالد اليماني يردد بخفة واستخفاف ضخمين طوال الأشهر الماضية جملة غير مفيدة "لا نرى الفشل خياراً". (ودسها لهادي في خطاب قمة عربية أخيرة بينما كان نصف نائم وكان نصف رؤساء الوفود نائمين).

ولو صحت هذه الجملة والفرية لما كان اليماني وآخرون كثر هم الخيار الوحيد الذي ينهك وينتهك خيارات البلاد والناس بلا شفقة. وهو فاعل رئيس في صفقة ملعونة، وما لم تفشل لن تعود شرعية ولن ينتهي انقلاب.

والآن.. نرجع للبداية: يتطرق الموقف إلى ورطة ما رتب وهندس غريفيث والبريطانيون في الحديدة.
وبناءً عليه يسأل السؤال الأخير وهو الأول: ما هو موقف الشرعية النهائي من ورطة وفخ ومسرحية تبديل الأزياء في موانئ الحديدة؟!

كل الكلام.. وكل كلام قيل أو سيقال من خارج هذه الحصرية الموضوعية والمنطقية والرياضية فهو جهد مضاع خارج الموضوع.

الاستخفاف بالتداعي المتسارع للأحداث وخطورتها هو منطق مريح نستخدمه بكثرة.. من باب الخفة التي تدير أمورنا الكثيرة والكبيرة.. أمورنا التي لا تفتقر إلى شيء كما تفتقر إلى الإدارة وإلى المنطق.