الدراما السورية..

ماركيز يظهر في الدراما السورية عبر "أثر الفراشة"

للفراشات آثار لا تمحوها الذاكرة

نضال قوشحة

غابرييل غارسيا ماركيز، الأديب الكولومبي الشهير، (1927-2014)، هو مهندس ما يسمى برواية “الواقعية السحرية”، وقد كتب روايته “الحب في زمن الكوليرا” ونشرت أول مرة في العام 1985، لكي يتحدث عن العشاق ويروي ما يتركونه في الحياة.

في الرواية التي تدور أحداثها في ما بين عام 1890 وحتى 1930، يتناول ماركيز حياة مجموعة من الأشخاص الذين عصفت بهم أنواء الحياة، وفرقت طرقهم وحطمت آمالهم، لكنهم بواسطة الحب استطاعوا مجددا أن يعودوا.

ففي قرية صغيرة، يعيش عامل التلغراف البسيط فلورينتينو أريثا الذي يحب الحسناء المراهقة فيرمينا داثا، ويتفقان على أن يتزوجا، لكنها تتزوج من طبيب شهير وغني، هو جوفينال أوربينو، وينكسر حب الشاب اليافع، لكنه لا يموت حبه، فيعيش في صدره ما يقارب الخمسين عاما، كان خلالها قد صار ثريا ومتنفذا، وفي يوم وفاة زوجها يرتكب خطأ جسيما، فيعرض عليها حبه، فتطرده، ولكنه مجددا لا يفقد الأمل، فيبدأ بالتقرب إليها، وتقبله صديقا قريبا يحمل معها ذكريات مجنونة.

وبشكل عميق وهادئ، يدخل مجددا في حياتها، فيدعوها إلى قضاء يوم معه على متن سفينة يملكها في النهر الذي يمر من القرية، فتقبل، وهناك يقدم على مغامرته بحيث يستبعد الناس التي عليها بداعي أن فيها مرض الكوليرا، فيهرب الجميع ويبقى مع حبيبته في السفينة وكأنها الحضن الذي جمعهما بعد فراق.

وفي سوريا كان للدراما نصيب في تناول هذه الرواية الشهيرة، لتكون عملا قدم عبر المؤسسة العامة للإنتاج التلفزيوني والإذاعي (حكومية)، باسم “أثر الفراشة” عن سيناريو كتبه محمود عبدالكريم وأخرجه زهير قنوع، وهو الاسم ذاته الذي قدمه الشاعر الفلسطيني الراحل محمود درويش قبل سنوات كعنوان لديوان شعري.


في “أثر الفراشة”، المسلسل التلفزيوني السوري، يحاول مخرجه زهير أحمد قنوع أن يقدم عملا عن الحب، عن النساء اللواتي عانين من الظلم والقسوة اللذين تسبب فيهما الرجل للمرأة عبر الجغرافيا والزمن، فهو يرى “أن الحب طاقة يجب أن نعتني بها ونحافظ عليها، ونعزز وجودها في حياتنا الراهنة، لكي تصبح حياتنا أقل بشاعة، فالحب هو ديدن الحياة، وزادنا للغد الذي نروم الوصول إليه بكل طاقتنا على الحلم، عندما عرض عليّ النص من قبل إدارة المؤسسة، وجدت فيه فرصة للتميز والتحليق بعيدا عن العنف والبشاعة، أعتقد أن أثر الفراشة، هو تحفيز لمساحة الحب في دواخلنا، وهي المساحة التي تلزمنا لنبقى مقاومين لكل هذا العبث الذي يحيط بنا من كل جانب”.

وعن خيار وجود هكذا عمل في هذه الفترة وما يريد الوصول إلى تبليغه من خلاله، في زمن يغلي بالأحداث الخطرة، يقول قنوع “أريد أن أكون سببا في الارتقاء بحياة الناس، وهذا أمر يلزمه حيوات عديدة، وليس حياة واحدة ، لكي يستطيع الإنسان تحقيق جزء من رؤاه وأحلامه في الحياة، أتمنى أن أكون فاعلا حقا في مجتمعي الذي أنتمي إليه، وأحاول تقديم بعض الأفكار التي أرى أنها تهم الجمهور العام وتتقدم به ولو خطوة واحدة إلى الأمام”.

ولا يبدو زهير أحمد قنوع، وهو ابن بيت فني عريق في سوريا، خائفا من الجدل الذي سيفرزه ارتباط اسمه باسم روائي عالمي شهير مثل غابرييل غارسيا ماركيز، صاحب القامة الكبيرة والعالية في سماء الأدب العالمي، وهو يرى أن “ماركيز وغيره من الأساطير الأدبية، يشكلون ضمانة لوجود موضوع إنساني عام، يتناسب مع كل الشعوب في العالم، فالاتكاء على الروائيين الكبار ضمانة لنص متين بمضمون إنساني عميق، النص أخذ من الرواية الخطوط العريضة لها، وعلى التوازي مع قصة الحب الأساسية في العمل أوجدنا العديد من قصص الحب المضافة التي رسمت ملامح جديدة للرواية”.

و”أثر الفراشة” قُدّم بالصيغة السورية، وهو المكون من ثلاثين حلقة، شارك فيها نجوم سوريون مشهورون، كما شكل وجود الفنان اللبناني بيير داغر حدثا فنيا هاما لما يتمتع به من مكانة خاصة في الدراما والفن السوري عبر مشاركاته فيها منذ ما يزيد عن العشرين عاما، وهو الذي قدّم في العمل شخصية فؤاد العاشق الذي دافع عن حبه مدة تقارب الأربعين عاما، وكان إحدى ثلاث شخصيات من دعائم العمل الأساسية، والتي أداها كل من عبدالهادي الصباغ في دور الطبيب وسمر سامي في دور الحبيبة الأزلية لفؤاد.

وقد جرت أحداث العمل المفترضة منذ بداية ثمانيات القرن العشرين وصولا إلى يومنا الراهن، وقدّم الشخصيات الثلاث الرئيسية في العمل الممثلون طارق صباغ ولين غرة وياسر البحر، وفي مرحلة الكبر عبدالهادي الصباغ وسمر سامي وبيير داغر، كذلك وجدت في العمل شخصيات موازية جمعتها قصص الحب والنزاعات، فهنالك الفنان التشكيلي علاء قاسم الذي يعيش حياة هادئة مع زوجته الفنانة السورية روبين عيسى حتى تعصف بهما دوامات مرض الزوجة قتقلب حياتهما جحيما.

كما عرض العمل قصة حب تنتهي بحرب شرسة بين طرفيها وهما الممثلان سيف سبيعي ونورا رحال، حيث قدّما قصة الحب التي جمعتهما وأثمرت طفلة، تلتها العديد من المنعرجات إلى حد وصولهما إلى حرب شرسة في ما بينهما للتنازع على المال والطفلة معا. وشارك في العمل إضافة إلى كل من سبق؛ كلّ من محمد قنوع، سهيل جباعي، مرح جبر، يوسف المقبل وآخرون.