تقديم الدعم الإنساني..

هل تنجح قمة مكة في التخفيف من مأساة الروهينجا؟

مستجدات يومية قد تجعل من المأساة مجرد حدث عابر أو قضية ثانوية على أجندة مجتمع دولي

الرياض

أعادت اجتماعات قمة منظمة التعاون الإسلامي، التي عُقدت في مكة، الزخم من جديد إلى قضية الروهينجا. إنه الزخم الذي يجعل القضية حاضرةً في أذهان الرأي العام العالمي ومؤسساته الرسمية وغير الرسمية؛ خصوصًا في ظل مستجدات يومية قد تجعل من المأساة مجرد حدث عابر أو قضية ثانوية على أجندة مجتمع دولي أكثر انشغالًا اليوم بأولويات الأمن وقضاياه.

سياسيًّا، يمكن ملاحظة هذا الزخم في مجموعة من التفاعلات التي دارت على مستوى القمة وأجهزتها والدول الفاعلة فيها خلال الأيام الماضية، وبالتوازي معها أو حتى قبيل انطلاقها؛ على رأسها بالطبع يأتي البيان الختامي للقمة في إدانته وتوصيفه للأزمة وتأكيده طريق الحل بـ”الوقف الفوري لاستخدام القوة العسكرية في ولاية راخين” و”منح (الروهينجا) جميع الحقوق دون تمييز أو تصنيف عرقي”، وتحميل المسؤولية بوضوح لـ”حكومة ميانمار”. بالتوازي مع هذا كانت الخطابات الرسمية لممثلي الدول الفاعلة في المنظمة، ثم كانت حركة واجتماعات اللجنة الوزارية التابعة للمنظمة؛ من بينها اللجنة المخصصة للمساءلة عن انتهاكات حقوق الإنسان.

 في الحقيقة، لم يكن زخم اليوم منفصلًا عن تحركات فاعلة للمنظمة منذ بداية الأزمة على مستويات مختلفة؛ من بينها مستوى الخطاب السياسي الذي لطالما التزم بعناصره الأربعة والتعبير عنها بمرادفات واضحة المعني حاسمة الدلالة (الإدانة، التوصيف الحقوقي، تحديد المسؤولية، طريق وأدوات الحل). ثم هناك التجانس وتنسيق المواقف بين الدول الفاعلة في المنظمة على صعيد العمل المشترك الإقليمي والدولي؛ خصوصًا بلدان مثل: الممكلة العربية السعودية والإمارات ومصر. مثلما هناك الحركة على مستوى المؤسسات الأممية والدولية؛ فمثلًا قرار إدانة الأمم المتحدةللعمليات العسكرية ضد الروهينجا في نوفمبر 2018 كان قرارًا رعته منظمة التعاون الإسلامي وأنتجه تنسيق باكر بين الدول الأعضاء بمنظمة التعاون وبناء تكتلات داعمة مع دول أخرى. وبالطبع لا يمكن إغفال تحركات منظمة التعاون في سبيل وضع القضية على أجندة محكمة العدل الدولية(ICJ) ؛ طلبًا لتحقيق العدالة وَفق القانون الدولي.

وقبل كل هذا هناك التعامل مع الأزمة على أرض الواقع بتقديم الدعم الإنساني؛ لمحاولة رفع الضرر عن النازحين وتلبية احتياجات لا يمكنها انتظار الحل السياسي، بزيارات أجراها عدد من مندوبي وممثلي الدول الأعضاء إلى لاجئي الروهينجا في مخيمات كوكس بازار، وتقديم مساعدات تشمل الغذاء وتأسيس بنية تحتية تفي باحتياجاتهم في التعلُّم والحصول على مصادر مياه نظيفة، وممارسة الرياضة والعبادات، والحركة على الصعيد الحقوقي الدولي بكشف الانتهاكات والاستمرارية في عملية المناصرة ((Advocacy، وتسليط الضوء على القضية عبر الهيئة الدائمة المستقلة لحقوق الإنسان للمنظمة (هيئة خبراء استشارية أسستها منظمة التعاون الإسلامي).

وفي ما هو أبعد، يمكن فهم تلك التحركات على مستويات عدة يتقاطع فيها الإنساني والسياسي والأمني. فمن ناحية، هناك المسؤولية التي تحملها المنظمة وبلدانها تجاه المأساة التي تعيشها الروهينجا؛ خصوصًا أننا نتحدث وَفق الأمم المتحدة عن عملية تطهير عرقي، ووَفق البيانات الرسمية لمنظمة “هيومن رايتس ووتش“، عن نزوح “أكثر من 625 ألفًا” وانتهاكات ترقى إلى جرائم ضد الإنسانية ارتكبتها قوات الأمن عبر عمليات قتل جماعي واغتصاب واحتجاز وحرق متعمد (أظهرت صور الأقمار الصناعية أن أكثر من 340 قرية يسكنها الروهينجا بشكل رئيسي إما دُمِّرت بشكل كبير وإما كليًّا)، وعن إصابات ووفيات ناجمة عن الألغام الأرضية وصلت في بورما، خلال العقد الماضي، إلى ثالث أعلى معدل في العالم!

ومن جانب  آخر، يمكن كذلك فهم تلك التحركات على صعيد المسؤولية السياسية التي تحملها المنظمة تجاه القضية، وَفق ما ينص عليه ميثاقها (سواء في ديباجته أو في نصوص مادتَيه 14 و16 أو مادته الثانية 7) حول “تـعزیـز حـقوق الإنـسان والحريات الأساسیة وحمایتھا” و”حمایة حقوق الجماعات والمجتمعات المسلمة في الدول غیر الأعضاء وصون كرامتھا وھویّتھا الدینیة والثقافیة”. ثم على الصعيد الأمني هناك بالضرورة القلق من أن تتحول مظلومية الروهينجا إلى أحد مغذيات رواية التطرف والإرهاب التي لطالما وجدت روافدها في الأزمات التي يعيشها المسلمون في مناطق شتى من العالم في السابق (فلسطين، كوسوفو، الشيشان، الصومال.. إلخ)، والتي قد تنتج انتقامًا مضادًّا . إنه ما يتلاقى مع ما أشار  إليه الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، خلال مداخلته بالقمة حول “مخاطر السقوط حلقة مفرغة من التطرف والإرهاب والعنف”.

عمليًّا، بالطبع لن تستطيع المنظمة وحدها إنهاء مأساة تعد دولية الطابع مثلما هي متعلقة بأقلية مسلمة، فالمأساة عميقة ولها أبعاد ضخمة ومتعددة؛ سياسية وإنسانية وإثنية وتاريخية. فهي من جانب متعلقة بمئات الآلاف من النازحين، وغيرهم من الضحايا،  ثم هناك ميانمار الدولة التي تشهد تراجعًا ديمقراطيًّا واضحًا وعودةً إلى عهود انتهاكات طغمتها العسكرية، وكراهية إثنية عميقة تمتد إلى عقود ازدادت عمقًا في السنوات الأخيرة. وقبل كل هذا هناك مناخ دولي لم يعد يعطي الاهتمام ذاته لقضايا حقوق الإنسان. ثم هناك تداعيات تلك الأزمة على مئات الآلاف، وجروح لن تندمل وضرر يحتاج إلى عدالة ناجزة لجبره ومستقلة لتحقيقه، في ظل شكوك حول مدى استقلالية النظام القضائي. ثم هناك ضرورة إعادة لاجئين يجب أن يُمنحوا حقوقهم دون تمييز في إقليم لا تُرَحِّب أغلبية سكانه بهذا الحل.

لكن مجددًا، فإن تلك الجهود التي تبذلها المنظمة وبلدانها الفاعلة قد يكون لها تأثيرات إيجابية عدة؛ من بينها كما قُلنا إبقاء القضية حيَّةً في الوجدان والضمير العالمي ووضعه أمام مسؤولياته، والضغط على المؤسسات الدولية لاتخاذ تحركات وإجراءات فاعلة، وتقليل معاناة النازحين من الروهينجا.

Qposts