الأزمة العراقية..

استقالة العبادي تفضح خطة إيران للإطباق على حزب الدعوة

استقالة تكشف مخطط طهران

علي الأمين

أعلن رئيس الوزراء العراقي السابق، حيدر العبادي، رئيس تحالف النصر في البرلمان، قبل أيام، استقالته من جميع مناصبه الحزبية، داعيًا إلى إجراء مراجعة وتجديد في هيكلة حزب الدعوة. ويرأس العبادي “تحالف النصر” الذي يمتلك 42 مقعدًا في البرلمان العراقي من أصل 329 مقعدًا، وهو يرأس كذلك المكتب السياسي لحزب الدعوة الإسلامية الذي يشغل نوري المالكي فيه منصب الأمين العام. وقال العبادي في رسالة موجهة لحزب الدعوة، إنه “على أعتاب عقد مؤتمر الدعوة القادم، أجد نفسي ملزمًا بأن أخاطبكم تأدية لمسؤوليتي الشرعية والوطنية، فـ’الدعوة’ تراث وفكر وعمل وتضحية وأهداف كبرى، وتحتاج إلى نكران الذات، والتضامن والتجديد لتواصل مسيرتها لقيادة التحولات الكبرى ببلدنا”. وأوضح أنه “ليست هناك تجارب سياسية مجتمعية معصومة، والمهم المراجعة والتصحيح، والأهم الإصرار على المواصلة بوعي وتخطيط والتزام وفق قواعد المسؤولية والجهوزية”.

وتابع العبادي “أدعو إلى مراجعة نقدية، وتجديد بالخطاب والهيكلية، وأدعو إلى المواصلة بإرادة جماعية متناغمة، وإلى ضخ دماء جديدة في جميع مفاصل (الدعوة) وبالذات القيادية منها، واستنادًا لذلك، فإني أعلن تنازلي وانسحابي من جميع المواقع القيادية بالحزب وأن أبقى جنديًا لخدمة المسيرة”.

وما إن أقدم العبادي على استقالته تلك، حتى بدأت الأوساط الإعلامية التابعة لأمين عام حزب الدعوة نوري المالكي ولحلفاء إيران بالتشكيك بنوايا ومقاصد الاستقالة ووضعها في موضع المؤامرة، وربطها بما يجري في المنطقة من تجاذب أميركي – إيراني. حتى إن أحد المقربين من المالكي، جعل من الاستقالة “مقدمة لإقالة عادل عبدالمهدي من رئاسة الوزراء وتعيين حيدر العبادي بدلا منه شرط إعلان استقالته من حزب الدعوة، وأن ما جرى من قبله بالتنازل عن مناصبه في الحزب، هو بداية لهذه الخطوة تمهيدا لاستقالته النهائية من الحزب”.

مصدر مقرب من العبادي أكد أنه منذ سنة تقريبا يطرح أمر الاستقالة في الدعوة، كما أن توقيت البيان فيه رسالة لأعضاء قيادة الحزب لخدمة منهاج الدعوة، والعبادي ملتزم به ويدعو الآخرين للالتزام به أيضا. ولو كان العبادي يريد كسبا لأعلن هذا الأمر عندما كان رئيسا للوزراء والكل يعلم مقدار الضغط والمطالب آنذاك لخروج العبادي من الحزب كي تجدد له الولاية الثانية. فهل التمسك بالمنصب أصبح هو الكرامة والتنازل عنه لمصلحة وحدة الدعوة وهيبتها وقوتها صار ذنبا؟

إيران ترى في حزب الدعوة حركة إسلامية تاريخية مهمة يمكن الاستفادة منها وقت الحاجة. وفي المعلومات فإن التوجه الإيراني الجديد يتمثل في إبعاد القيادات الحالية للحزب، وجلب قيادات خلقتها الأذرع الاستخبارية لإيران للسيطرة على الدعوة. أحد أهم هذه الشخصيات هو طارق نجم الشخصية الغامضة، الذي كان بعيدا عن حزب الدعوة لسنوات وبرز مؤخرا فجأة كقيادي، وذلك من خلال ترؤسه لمكتب نوري المالكي عندما كان رئيسا لوزراء العراق. الأجهزة الإيرانية وطدت علاقتها بطارق نجم إلى درجة أن أكثر رؤساء الأجهزة الاستخبارية الإيرانية يمكثون في منزل طارق نجم عند زيارتهم بغداد.

طارق نجم الذي نجح بتوجيه وتخطيط إيرانيين في إبعاد نوري المالكي عن رئاسة الوزراء رغم أنه كان مدير مكتبه، ونجح كذلك في إبعاد حيدر العبادي عن رئاسة الوزراء رغم أنه أظهر نفسه قريبا منه، هو نفسه بحسب مصادر من داخل الدعوة يسعى للسيطرة على الحزب بدعم إيراني لوضع الحزب وقراراته تحت الهيمنة الإيرانية بالكامل. فهو كما تذكر مصادر من داخل الدعوة “في الوقت الذي لا يبرز كثيرا في عمل ونشاطات حزب الدعوة إعلاميا، إلا أنه يتحرك بكل حرص وحماسة للسيطرة على مرافق الحزب وتنظيماته، ويقدم نفسه على أنه قريب من كل قيادات الحزب، إلا أنه في الواقع يعمل على إبعادهم جميعا”. والجدير بالذكر أن موعد انعقاد مؤتمر حزب الدعوة الذي كان يفترض أن ينعقد منتصف شهر يونيو الجاري تم تأجيله أسبوعًا، لانتخاب قيادة جديدة تكون تحت سيطرة المالكي ونجم وجماعة إيران، فخطوة العبادي بالاستقالة من مناصبه أربكت المالكي ونجم، اللذين كانا بصدد الاتحاد للتصدي لمؤامرة أميركية مزعومة للسيطرة على حزب الدعوة والعراق يقودها العبادي، وذلك في تبرير للتنازلات التي تنوي إيران تقديمها لاحقا في العراق، استجابة للمطالب الأميركية.

ففي معلومة وردت من العراق، وتؤكدها مصادر مسؤولة في السلطة، أن القيادة الإيرانية وافقت على 4 شروط من أصل 12 يريدها الأميركيون ومنها إعادة هيكلة الحشد الشعبي، وسحبه من إدارات الدولة، لذلك فإن الإيرانيين يريدون عودة حزب الدعوة للسلطة بقوة في العراق، ولكن تحت سيطرتهم وضمن توجيهاتهم.

وفي معلومات أخرى ورد أنه قبل أكثر من أسبوع أُعلن فجأة أن قيادة الحشد الشعبي تقوم بعملية هيكلة، وأعلن عن بعض خطوات الهيكلة قبل أيام وهدفها تقليل العدد بعدما كان يقوم على مضاعفة عدد “الحشد” قبل فترة.

وليس خفيًّا أن القيادة الإيرانية التي تدرك أن حزب الدعوة الذي يسيطر على مفاصل أساسية في الدولة العراقية، يشكل في المرحلة المقبلة الخيار المناسب للنفاذ من خلاله إلى عمق الدولة العراقية، مع تراجع فرص الاعتماد على الحشد الشعبي، فحسب مصادر عراقية نافذة، فإن “إيران باتت مقتنعة بأن السيطرة من خلال الحشد الشعبي غير مضمونة، بسبب ما يعتري الحشد من سوء التنظيم وتعدد الولاءات فيه، فضلا عن التوجه العام الذي يدفع نحو تقليص دوره بإرادة خارجية وداخلية”.

في مؤتمر حزب الدعوة المزمع عقده في الأسبوع الثالث من الشهر الجاري، تعمل الأجهزة الإيرانية على إعادة بناء هيكل قيادي موال لإيران، وفرس الرهان الإيراني كما يؤكد معارضوه داخل الحزب، هو طارق نجم، لاسيما أن القيادة الإيرانية ما زالت تعتبر أن الحزب هو الجهة الفضلى التي يمكن لها من خلالها أن تحمي نفوذها في العراق، خاصة وأن القوى العراقية على اختلافها داخل السلطة، باتت شديدة الحذر حيال إعلان ولائها لإيران، إما بسبب أن التماهي مع القرار الإيراني بات مكلفا داخليا، أو لكون واشنطن لا تتسامح مع تلك القوى التي تنضوي ضمن المشروع الإيراني.

في المقابل تنفي أوساط حزب الدعوة وجود تدخل أميركي، لكنها تشير إلى أن السفارة الأميركية في العراق تركز اهتمامها على مراقبة ما يجري متسلحة بسيف العقوبات على إيران، وهو سيف لن تنجو منه قوى عراقية كثيرة باتت تدرك أن الورقة الإيرانية تسير نحو المزيد من التراجع في العراق، وهي لم تعد كافية كمصدر حماية بالقدر الذي كانت عليه قبل سنوات وقبل أشهر.