مطاردات بوليسية مصنوعة بدقة وحرفية..

"كازابلانكا" عمل فني مبهر يفتقد بوصلة الكتابة المتقنة

المعادلة التجارية للسينما أفردت الاهتمام بالإنتاج على حساب القصة

محمود زكي

كان بإمكان فيلم “كازابلانكا” المصري الذي حقق في يوم عيد الفطر فقط رقما قياسيا بلغ نحو 7 ملايين جنيه (400 ألف دولار)، أن يصبح عملا براقا يناطح الأفلام المليئة بالحركة والإثارة والغموض، لكن عدوى الأفلام التجارية أصابته ليصبح المشاهد أمام عمل فني جذاب بإمكانات كبيرة وقصة بدت غير متماسكة.

يمضي المخرج بيتر ميمي والفنان أمير كرارة في الفيلم الجديد على خطى فيلمهما السابق “حرب كرموز”، من حيث التوليفة التي جمعت بين إمكانات كبيرة على مستوى الإنتاج والإخراج والإبهار في الصورة والصوت، وقدرات تمثيلية هائلة بمشاركة متنوعة من فنانين موهوبين ورؤية مشوقة ولافتة على مستوى التصوير، وقصة تفتقد إلى الخط الدرامي المتماسك، ولقطات ومشاهد بدت ملفقة لإضفاء جانب إنساني وحبكة فنية مقنعة.

لم يرغب المؤلف هشام هلال في المخاطرة بعمل خارج السياق العام للتوليفة التجارية، وحاول تقديم قصة تتوافق مع رؤية إخراجية تبحث عن وجبة دسمة من الإثارة، جاءت من رحم كثافة مصطنعة في مشاهد التفجير والعنف، ما كاد يغطي على فلسفة العمل ويؤثر سلبا على المستوى الفني له.

وتدور أحداث فيلم “كازابلانكا” حول ثلاثة أصدقاء لصوص في البحر، وهم الفنانون: أميرة كرارة وإياد نصار وعمرو عبدالجليل، يسرقون المراكب والشاحنات في ميناء الإسكندرية بمصر، ثم يخون أحدهم، عبدالجليل أو عرابي، الصديقين في واحدة من العمليات، ويهرب إلى المغرب، ويحاول الصديقان البحث عنه، من هنا تنطلق أحداث الفيلم تباعا بثيمة قائمة على الانتقام.

اجتهد القائمون على العمل طوال ساعتين في تقديم وجبة تحاول تأكيد جودة التصوير والإخراج، لكن ظهرت المعالم عبر مشاهد مشحونة بدراما عاطفية غير مفهومة أحيانا، مثل علاقة بطل الفيلم، كرارة أو عمر المُر، بأخيه الصغير، الفنان أحمد داش، حيث ينتقل فيها بسرعة غير منطقية من حب شديد إلى كره كبير لأخيه.

أرخت الرغبة في تقديم عمل مثير بظلالها السلبية على درجة الإتقان، وكأن هناك انقلابا في القصة ومؤامرات تفتقد إلى الكتابة المتزنة، فيتحوّل عمرو عبدالجليل الصديق الخائن إلى رجل وفيّ وشهم، ويصبح إياد نصار (صديق كرارة) الباحث معه عن حقه المسروق، شخصا مُتآمرا ومُدبّرا لكل ما يجري فجأة من دون قصة فنية متقنة تقنع المشاهدين.

عمل المؤلف على إقحام شخصيات في الفيلم بصورة غير مبررة في بعض الأحيان، إلى درجة أنه إذا تم إبعاد تلك الشخصيات بالكامل من العمل لن يشعر المشاهدون بفارق كبير، أو خلل في القصة والسيناريو.

ومثلت الفنانة غادة عادل، الفتاة المحتالة في المغرب، وأختها الفنانة لبلبة، تلك الصيغة المتذبذبة، ولم يكن حضورهما طاغيا رغم قدراتهما التمثيلية الكبيرة بسبب ضعف تماسك الشخصية وعدم امتلاك أدوات مؤثرة في مسيرة القصة التي اعتمد عليها العمل، وبدت عادل كأنها اختيرت لمجرد وجود وجه أنثوي جذاب يساند البطل، ويخفف من حدة عمل يسيطر عليه الرجال فقط.

وربما أجاد المؤلف في اختيار الألفاظ في السيناريو والحوار، وكان متقنا في استخدام اللغة العامية لأهل الإسكندرية، خاصة الذين يعرفون بالـ”هجّامة”، لتعطي المزيد من المصداقية على النص والصورة. واعتمد المخرج بيتر ميمي على إقحام ضيوف شرف من كبار الممثلين في مشاهد غير مؤثرة، ولم تضف كثيرا للممثل المشارك وأحداث العمل، مثل الفنان بيومي فؤاد الذي ظهر في مشهد مدته دقيقة كحارس ملهى ليلي، والفنانة نيلي كريم التي حضرت صدفة في مكان اشتباك بطل الفيلم مع العصابة وساعدته في ملاكمة أفرادها، وجاءت مشاهد ضيوف الشرف، مثل أحمد فهمي ومصطفى شعبان، بلا هدف واضح تنعكس تجلياته على جودة العمل، إلاّ إذا كان الغرض تكثيف جرعة النجومية.

وأجاد الطاقم الفني في إبهار الجمهور بمشاهد “أكشن” سريعة يراها البعض تناطح مشاهد هوليوود الحركية من خلال مطاردات بوليسية مصنوعة بدقة وحرفية، ومشاهد عراك مبهر.

حققت ثنائية ميمي وكرارة مرة أخرى النجاح المنتظر والمطلوب؛ فعلى الرغم من غياب القصة المتماسكة خلقت كاريزما الفنان كرارة وشخصيته الصارمة التي نجح في ترسيخها منذ تقديمه مسلسل “كلبش” بأجزائه الثلاثة تفاعلا فريدا مع رؤية المخرج وقيادته لعمل شيق وممتع.

ويصعب فصل خفة ظل عمرو عبدالجليل وذكاء إياد نصار والقدرات التمثيلية الهائلة لغالبية الفنانين عن معادلة النجاح التي صنعت فيلما جذب الجمهور من أول يوم عرض له، وصنع الاختيار الموفق والمتنوع لأبطال العمل تجانسا بين المشاهد.

كان اختيار الممثل التركي خالد أرغنتش، الذي شغل اهتمام المصريين والعرب بدوره في مسلسل “حريم السلطان”، موفقا مع لعبه دور زعيم العصابة وصاحب الرؤية والحكمة والانتقال المميز بين تركيبة الخير والشر.

وساعد التصوير المتقن على تقديم ما يبحث عنه الجمهور من إبهار، وجاءت الموسيقى التصويرية للفنان التونسي الموهوب أمين بوحافة مشوقة مع أحداث الفيلم السريعة.

واستغل مدير التصوير حسين عسر والمونتير أحمد حافظ، تصوير الفيلم في المغرب بإبراز مشاهد جمالية تبرز عبق مدينة الدار البيضاء  المغربية بحواريها الضيقة وبيوتها القديمة وأسوارها التاريخية لتضفي لمسة مميزة على مشاهد الفيلم، كما كان اختيار زوايا التصوير العريضة والواسعة واستخدام كاميرات الطائرة “درون كاميرا” للتصوير من أعلى موفّقَيْن إلى حد كبير.