رسائل تصعيدية..

تقرير: ماهي خيارات السعودية في الرد على "صاروخ أبها"

ساحة اليمن هي جبهة مفتوحة وغير مكلفة لإيران بهدف إغاظة خصومها عبر تدريب وتسليح الحوثيين

جويس كرم

يحمل صاروخ ـ"كروز" الذي ضرب قاعة الاستقبال عند الساعة الثانية فجرا من صباح الأربعاء (12 حزيران/يونيو) في مطار أبها في السعودية موقعا 26 إصابة، يحمل رسائل تصعيد وبوادر غليان أبعد من ساحة المواجهة بين حوثيي اليمن والمملكة، ويعد بتشنج إقليمي وردود قد تكون غير مسبوقة تتناول دور إيران وتفرض مراجعة للدفاعات الصاروخية للسعودية.

اعتداء أبها بحد ذاته غير مفاجئ، إنما توقيته في مرحلة ساخنة إقليميا يعني اتساع رقعة المواجهة بين إيران والسعودية. لماذا إيران؟ لأن صاروخ "كروز" لا يملكه الحوثيون وهم غير قادرين على استحواذه أو إطلاقه من دون مساعدة الحرس الثوري الإيراني أو حزب الله. هذا النوع من الصواريخ أطلقه الحوثيون قبلا، لكن لم يصب هدفه، وكان الرد داخل اليمن. اليوم، ومع الاستهداف العلني والفاضح لمرفأ حيوي ومدني للسعودية، ليس بوسع الرياض إلا الرد وبإطار قد لا ينحصر في اليمن.

بعيدا عن الإدانات التي اعتدنا عليها، وبيانات المنظمات العربية والدولية، معضلة حرب اليمن أن لا انتصارات عسكرية فيها ولا حلولا سياسية في الأفق. فرص المبعوث مارتن غريفيث لتطبيق حد أدنى من تفاهمات ستوكهولم في تراجع، ومجلس الأمن عاجز، والحوثيون يزدادون تعنتا وضراوة في اعتداءاتهم الأخيرة.

ساحة اليمن هي جبهة مفتوحة وغير مكلفة لإيران بهدف إغاظة خصومها عبر تدريب وتسليح الحوثيين، وضربهم لأهداف حيوية داخل السعودية. أما الرياض، فخياراتها ضيقة، إما الرد عسكريا داخل اليمن من دون حل الأزمة، أو التفاوض وهو ما لم يحل الأزمة، أو تفعيل الدفاعات الصاروخية والضمانات الممنوحة للسعودية من أميركا أو غيرها والذي يبقى الحل الموقت والأنسب اليوم.

الرد داخل اليمن لن يحل مشكلة وصول صواريخ "كروز" للحوثيين ولن يخرج مدربي حزب الله والحرس الثوري من مناطقهم، فيما الجلوس على طاولة المفاوضات طوال الأربع سنوات الفائتة لم ينه الاقتتال من الجانبين.

تفعيل الوجود العسكري الأميركي في مياه الخليج في الشهر الأخير ساعد، من دون أن يوقف التهديدات والاعتداءات الإيرانية على حلفاء واشنطن. من هنا، على السعودية أن تنظر في وسائل أفعل لتعزيز دفاعتها الصاروخية طالما أن حرب اليمن مستمرة ولا ضمانات لوقف تسليح الحوثيين.

يمكن للسعودية أن تجري محادثات موسعة مع الأميركيين لتحصل على معدات دفاع صاروخية أقوى وتتصدى لصواريخ "كروز" كالتي تملكها إسرائيل مثلا (القبة الحديدية)، وتسريع تسليمها معدات كانت اشترتها سابقا مثل نظام "ثاد". مع العلم أن نظام "ثاد" غير كاف لاعتراض صواريخ "كروز"، فيما نظام "باتريوت" الأميركي قادر على ذلك.

في حال اعترضت واشنطن على تزويد الرياض بهكذا صواريخ، يمكن للسعودية أن تنظر شرقا وتستكمل محادثاتها مع الصين التي كشفتها "سي أن أن" الأسبوع الفائت لتطوير صواريخ باليستية، أو مع روسيا حول نظام أس 400 الذي ستتسلمه تركيا من موسكو خلال أسابيع إلا في حال أقنعتها واشنطن بالتراجع عن الصفقة.

أميركا، التي لا تريد من حلفائها في الخليج أن يرموا أنفسهم في أحضان روسيا والصين، قد تكون مجبرة بعد التصعيد العسكري جويا وبحريا في المنطقة، أن تزود حلفائها بترسانات دفاعية أكثر فعالية مما يمتلكونه حاليا ولتفادي ردود أكثر كارثية قد تجرها لحرب إقليمية.

الصورة الإقليمية هي صورة غليان وتصعيد، واعتداء مطار أبها هو جبهة واحدة منها. ففي فترة تقل عن شهر وقعت أربعة اعتداءات في الخليج بدءا من الفجيرة في الإمارات، ومؤشرات الاصطدام بين واشنطن وإيران تلوح في العراق، وبين حزب الله وإسرائيل في سوريا وجنوب لبنان. هذا التصعيد يفرض ترو ومراجعة استراتيجية لتفادي اشتعال حرب، والنظر في تعزيز الدفاعات الصاروخية.

نُشر في صفحة الحرة