تقوية أذرعها..

تقرير: الحرس الثوري وحزب الله دربا الحوثيين على استخدام الدرون

الطائرات الإيرانية المسيرة ترفع منسوب التوتر في المنطقة

واشنطن

في شهر مارس الماضي، عرضت إيران صورا لتدريب عسكري شاركت فيه 50 طائرة مسيرة. وفي مقطع فيديو بثه التلفزيون الرسمي، حلّقت أمواج من الطائرات المسيرة سريعا في السماء الزرقاء الصافية وقصفت مباني على جزيرة في الخليج.

كان الهدف من هذا الاستعراض للقوة إلقاء الضوء على برنامج الطائرات المسيرة المطورة محليا في إيران، وهو برنامج كانت تعمل عليه لعدة سنوات، وبات اليوم مصدر قلق دولي حيث تزايد استخدام إيران وحلفائها للطائرات المسيرة في مهام استطلاع وهجمات في مختلف أرجاء الشرق الأوسط.

ويقول مسؤولون أميركيون إن الولايات المتحدة تعتقد أن فصائل مسلحة على صلة بإيران في العراق زادت في الفترة الأخيرة مراقبتها للقوات والقواعد الأميركية في البلاد باستخدام طائرات مسيرة متاحة تجاريا.

ويأتي الكشف عن ذلك في وقت تصاعدت فيه التوترات مع إيران، ويلقي الضوء على الطرق العديدة التي تعتمد بها طهران والقوات التي تدعمها على الطائرات المسيرة في أماكن مثل اليمن وسوريا ومضيق هرمز والعراق.

وقال مسؤول أميركي، طلب عدم الكشف عن هويته، إنه إلى جانب مهام الاستطلاع، يمكن للطائرات المسيرة الإيرانية أن تسقط ذخيرة أو حتى أن تنفذ “طلعة انتحارية حيث يتم تزويدها بالمتفجرات وتوجيهها إلى هدف ما”.

وكانت أجهزة مكافحة الإرهاب في العالم أجمع أبدت قلقها في يناير الماضي، حين نجح الحوثيون أيضا في تفجير طائرة مسيرة مفخخة خلال عرض عسكري في قاعدة جوية يمنية، ما أسفر عن مقتل ثمانية عسكريين من القوات الحكومية بينهم مساعد قائد الأركان.

وقال بول غيرمونبريز مؤلف كتاب «الطائرات المسيرة تقلع» «إذا كنا نتحدث عن الطائرات المسيرة للحوثيين، فإنها أجهزة تحاكي الصواريخ المسيرة وصولا إلى نقطة محددة بواسطة جي بي إس، وليس ثمة وسائل حاليا لاعتراضها».

وأضاف أن الطائرات «تنفجر حين تبلغ نقطتها»، موضحا أن أولى هذه النماذج كانت «طائرات في2 الألمانية خلال الحرب العالمية الثانية. كان لها اتجاه ومسافة محددان ثم تسقط أو تنفجر. لم يكن ممكنا اعتراضها بواسطة الذبذبات. صحيح أنها أجهزة بدائية لكنها فاعلة جدا».

وقال رئيس سابق لجهاز استخبارات فرنسي، «إنه التهديد الخاطف بامتياز. فمن جهة، يعتمد على جهاز صغير وبسيط يمكن استخدامه بسهولة، ومن جهة أخرى لا بد من إمكانات هائلة للتصدي له. وهي مهمة شبه مستحيلة».

تصعيد خطير

زادت قوات الحوثي، المدعومة من إيران، في اليمن، بدرجة كبيرة هجماتها باستخدام الطائرات المسيرة في الأشهر القليلة الماضية، حيث هاجمت مطارات ومنشآت نفطية في السعودية، الخصم الرئيسي لإيران.

وفي الشهر الماضي اقتربت إيران من الدخول في حرب مع الولايات المتحدة بعد أن أسقطت طهران طائرة مسيرة أميركية بصاروخ أرض جو، في خطوة كادت تدفع الرئيس الأميركي دونالد ترامب لشن ضربة انتقامية.

ويصدر عن التحالف العربي في اليمن بشكل يومي تقريبا بيانات عن إسقاط طائرة دون طيار مصدرها الحوثيون، فيما أعلن الأحد عن استهداف مخزن تدمير طائرات مسيرة في صنعاء.

وقال مسؤول في التحالف بقيادة السعودية الذي يقاتل في اليمن، إن الحرس الثوري وجماعة حزب الله اللبنانية يقدمان المشورة للحوثيين في ما يتعلق باستخدام الطائرات المسيرة وغيرها من الخبرات الفنية.

ويقول مسؤولون أمنيون حاليون وسابقون ومحللون إن تزايد استخدام إيران أو حلفائها في المنطقة للطائرات المسيرة هو إستراتيجية تهدف إلى التصدي للضغوط التي تفرضها الولايات المتحدة وخصوم مثل السعودية وإسرائيل.

ويقدر المسؤول الأميركي الأول أن إيران تسير حاليا طائرتين مسيرتين أو ثلاثة فوق مياه الخليج يوميا، مما يجعلها جزءا أساسيا في جهود إيران لمراقبة مضيق هرمز الذي يمر عبره خمسة إمدادات النفط العالمية.

واتهمت الولايات المتحدة والسعودية إيران بتنفيذ هجمات على ست ناقلات نفط قرب المضيق في الشهرين الماضيين، وتنفي طهران ذلك. ورفض المسؤولون الأميركيون الذين طلبوا عدم نشر أسمائهم تحديد نطاق زيادة المراقبة قرب القوات الأميركية في العراق أو تحديد الفصائل المسلحة التي تقوم بها.

وقال المسؤول الأول “رصدنا زيادة في أنشطة الطائرات المسيرة في العراق قرب قواعدنا ومنشآتنا”. وأضاف “بالتأكيد الطائرات المسيرة التي رأيناها تجارية وتباع بشكل عادي. لذلك من الواضح أنه نشاط يمكن إنكاره للطائرات المسيرة في العراق”.

الولايات المتحدة تعتقد أن فصائل مسلحة على صلة بإيران في العراق زادت في الفترة الأخيرة مراقبتها للقوات والقواعد الأميركية في البلاد باستخدام طائرات مسيرة متاحة تجاريا

وقال مسؤول ثان إن الزيادة الأخيرة في عمليات المراقبة أمر مقلق، لكنه أقرّ بأن الفصائل المرتبطة بإيران في العراق لديها تاريخ من مراقبة الأميركيين.

وذكرت وكالة رويترز في وقت سابق أن الولايات المتحدة أرسلت تحذيرات بشكل غير مباشر لإيران، قائلة إنها ستعتبر أي هجوم ينفذه وكلاء طهران من المنظمات الموجودة بالعراق على قوات أميركية، هجوما من إيران نفسها.

وأُطلقت قذائف مورتر وصواريخ في الأسابيع القليلة الماضية على قواعد في العراق توجد بها قوات أميركية دون أن يسفر ذلك عن إصابة جنود أميركيين. ولم يربط المسؤولون الأميركيون بين هذه الهجمات وزيادة عمليات المراقبة.

بدأت في إيران تطوير طائرات دون طيار منذ الثمانينات من القرن الماضي. وبدأ العمل جزئيا لأن إيران كانت تخضع لحظر أسلحة مختلف، وقواتها الجوية أصبحت قديمة. واحتفظت إيران لنفسها بهذه الطائرات إلى أن وجدت الفرصة لتطير بها في المنطقة مع الحرب ضد تنظيم الدولة الإسلامية.

واستغلت إيران التجربة الأميركية مع الطائرات دون طيار ضد تنظيم القاعدة في اليمن لتنشر طائراته في العراق، حيث بدأت الفصائل العراقية المرتبطة بإيران استخدام الطائرات المسيرة في عامي 2014 و2015 خلال المعارك لاستعادة مناطق من قبضة تنظيم الدولة الإسلامية، وذلك حسبما أفاد أعضاء في هذه الفصائل ومسؤولون أمنيون بالعراق.

وتقول أريان طباطبائي، الباحثة في مؤسسة راند، “كان صعود داعش في سوريا والعراق الدافع الرئيسي وراء بدء إيران نشر طائراتها دون طيار خارج حدودها”.

وأكّد مسؤولان أمنيان عراقيان على علم بأنشطة الفصائل أنها تلقت تدريبا على استخدام الطائرات المسيرة على يد أعضاء في الحرس الثوري الإيراني وجماعة حزب الله اللبنانية المدعومة من طهران.

وقال أحد المسؤولين “مجاميع الميليشيا الرئيسية تمتلك القدرة على تنفيذ الهجمات باستخدام الطائرات المسيرة. هل سيقومون باستهداف مصالح أميركية؟ ذلك لم يحصل بعد”، مضيفا بقوله “هم يقومون باستخدام صواريخ الكاتيوشا وقذائف الهاون (المورتر) في هجمات محدودة جدا ضد المصالح الأميركية في العراق بهدف إرسال رسالة ولا المحاولة بالتسبب بأضرار. استخدام طائرات مسيرة تحمل متفجرات هو أمر وارد متى ساءت العلاقة بين طهران وواشنطن”.

تطور الطائرات الإيرانية

لا تعد الطائرات المسيرة أمرا جديدا في الشرق الأوسط، إذ تستخدم وكالات الاستخبارات الأميركية والجيش مركبات جوية دون طيار في المنطقة منذ أكثر من عقد. لكن، مؤخرا، بدأت الطائرات الصغيرة المسيرة تجد دورا متزايدا في ساحة المعركة وتؤرخ لحقبة جديدة من حرب الطائرات دون طيار.

وينبّه دوغلاس باري، الباحث في المعهد الدولي للدراسات الإستراتيجية الذي يتخذ من لندن مقرا له، إلى امتلاك إيران قدرات متزايدة في مجال الطائرات المسيرة، فيما يلفت علي فائز، الخبير في الشأن الإيراني، إلى أن العقلية الإيرانية تعمل وفق مبدأ “بدلا من إعطاء السمك لشركائك ووكلائك في المنطقة، يجب أن تعلمهم كيفية القيام بالصيد”، وهو ما تقوم به مع الحوثيين الذين تزوّدهم بالأسلحة والطائرات المسيرة.

ويقول الخبير نك ووترز، الذي يتتبع أنظمة الأسلحة في اليمن وأماكن أخرى، إن حرب الطائرات دون طيار منخفضة التكنولوجيا موجودة لتبقى، فيما يلفت خبراء النظر إلى أن المهندسين الإيرانيين قد يكونوا استخدموا تكنولوجيا أميركية في تحسين برنامج الطائرات المسيرة الإيراني. فقد سقطت طائرة استطلاع أميركية متطورة من طراز آر.كيو  170 سنتينيل في شرق إيران في عام 2011.

وقال قادة في الحرس الثوري إنهم تمكّنوا من تطبيق الهندسة العكسية بشأنها، وهو زعم شكك فيه بعض المسؤولين الأمنيين والمحللين.

وقال جيريمي بيني، محرر شؤون الشرق الأوسط وأفريقيا في مجلة جينز ديفنس، “أظهروا بالفعل بعض الطائرات التي تبدو متطورة بشكل متزايد في ما يتعلق بقدرتها على حمل أسلحة موجهة وتنفيذ مهام استطلاع بعيدة المدى”.

وأسقطت القوات الأميركية طائرات مسيرة إيرانية الصنع في عام 2017 في سوريا، بعدما اعتبرتها تهديدا للقوات المدعومة من الولايات المتحدة ولمستشاريها.

تصدير التكنولوجيا

يقول مسؤولو أمن إن إيران أمدت حلفاءها في المنطقة بالطائرات المسيرة والخبرة الفنية. ويقول خبراء في الأمم المتحدة إن الحوثيين يمتلكون حاليا طائرات مسيرة قادرة على إسقاط قنابل أكبر على مسافات أبعد وبدقة أشد من ذي قبل. وفي مايو، أصابت طائرات مسيرة محطتين لضخ النفط على بعد المئات من الكيلومترات داخل الأراضي السعودية.

وعن هذا الهجوم قال بريت فيليكوفيتش، خبير الطائرات المسيرة وأحد قدامى المحاربين في الجيش الأميركي، “إما أن تكون الطائرات المسيرة التي هاجمت خطوط الأنابيب قد أُطلقت من داخل الأراضي السعودية وإما أن الحوثيين دعموا بصورة كبيرة قدراتهم بتكنولوجيا الأقمار الصناعية وجرى إمدادهم بقدرات لإطالة المدى”.

وقال أبوعبدالله، أحد قادة كتائب حزب الله، وهي أحد الفصائل العراقية ذات الصلة الوثيقة بإيران، لرويترز في عام 2014 إن إيران قدمت التدريب على تشغيل الطائرات المسيرة التي كانت تستخدم في أغلب الأحيان لاستهداف مواقع تنظيم الدولة الإسلامية.

وأضاف أنهم كانوا يستخدمون الطائرات المسيرة في مهام استطلاعية لمواقع عسكرية أميركية في العراق وخلال الصراع في سوريا، حيث قاتلت كتائب حزب الله.

وقال مسؤولان أمنيان عراقيان مطلعان على أنشطة الفصائل العراقية المسلحة إنها أصبحت الآن تمتلك الخبرة الكافية لتعديل الطائرات المسيرة لاستخدامها في الهجمات.