"اليوم الثامن" تقدم قراءة استراتيجية واشنطن اتجاه طهران..

تحليل: "أمريكا وترامب".. سياسية احتواء الأزمة النووية الإيرانية

 العالم يقف حاليا على حافة المواجهة العسكرية بين إيران والولايات المتحدة

د. حسن بن عقيل

ان صعود اليمين الترامبية جاء بعد عجز و فشل الحزب الجمهوري، و مغادرة زعيمه السابق جورج دبليو بوش منصبه بتقييم منخفض ، و لم يترك للحزب رؤية واضحة ، و لم يخلف جيل من القادة المؤثرين ، و لا حتى قاعدة متماسكة معه . جاء بعده باراك أوباما من الديموقراطيين الى السلطة في واشنطن .

 يحمل معه مشروع يساعد الاقتصاد الأمريكي على الخروج من الركود ، ويقلص معدل البطالة والإهتمام بالرعاية الصحية الذي ينتفع منه ملايين الأمريكيين . وعمل على تعزيز القوانين لضمان العدالة بين الأعراق . كذلك في السياسة الخارجية سعى الى مصالحة تاريخية مع كوبا ، و التوصل الى تفاهمات مؤقتة مع الصين و إبرامه اتفاقية مع طهران حول برنامجها النووي ، ..الخ .

 هذه الإنجازات للحزب الديموقراطي برئاسة أوباما ، أشعلت نار الغضب تحت حزب اليمين الجمهوري . جعل الجمهوريون في لحظه مواجهة مع الذات. وحشد قواهم للعودة الى السلطة و العمل على الغاء إنجازات الحزب الديموقراطي .هذا ما جسدته رؤية ترامب لأمريكا في خطابه يوم التنصيب حيث قال : من هذا اليوم و في المستقبل ، ستحكمنا رؤيا جديدة ، ستكون فقط أمريكا أولا ، أمريكا أولا .

 في هذا الخطاب وصف الأمريكيين بـ " الأشخاص الصالحين " و " الرجال و النساء المنسيون " .

قال انهم جزء من حركة تاريخية لم يسبق لها مثيل ، أستعادة السلطة من النخبة الفاسدة والأنانية التي تسيطر على كلا الحزبين السياسيين  في واشنطن . حسب  قوله هي مؤسسة حمت  نفسها  فقط ، بينما تركت أمريكا منكوبة بالفقر و الجريمة و انعدام الأمن .

نسي ترامب نفسه ، إنه جزء من هذه النخبة . المهم وعد الرئيس ترامب ان هذا الوضع لن يستمر . الملاحظ في هذا الخطاب انه ركز بصفة خاصة على قضايا الشرق الأوسط .

 لا سيما مكافحة الارهاب و عملية السلام في المنطقة ، و وعد بنقل السفارة الأمريكية الى القدس .

إلغاء الاتفاق النووي الإيراني الى جانب القضايا الأساسية التي تمس مصلحة المواطن الأمريكي . لكنه  لم  يركز بوضوح على القضايا الأساسية المتعلقة بالعلاقة  مع الصين ، و مستقبل العلاقة مع روسيا في ظل التوتر بين البلدين حول قضايا اقليمية و دولية عديدة أو على القضايا الاوروبية .

هذا يدل على ان مؤسسات الفكر اليميني في واشنطن الان تعيش حالة فوضى ، و عاجزة في وضع استراتيجية واضحة حتى في اهم القضايا بالنسبة لها وهي " احتواء " الجمهورية الاسلامية الإيرانية .

 بعكس الإدارات السابقة كانت لها استراتيجيات لو نظرنا على سبيل المثال الى ادارة الحزب الجمهوري ، بالذات ادارة فريق الرئيس ريغان – شولتز ، هذا الفريق عمل على استراتيجية واضحة وهي إقامة علاقة مع الزعيم السوفياتي ميخائيل غورباتشوف . و التي ساهمت في إذابة الجليد في العلاقات بين الولايات المتحدة و الاتحاد السوفيتي .

 و كان من اهداف هذه الاستراتيجية هو " احتواء الاتحاد السوفيتي " ، بغض النظر نتفق أو لانتفق معها ، استراتيجية الرئيس ريغان – شولتز  اقرت و أعترفت بالحقائق التي هي على الارض .

وهي ان السوفييت يهتمون بالإعلان عن انتصارات وهمية حققوها ، و هم في الحقيقة قدموا تنازلات خطرة في المجالات الرئيسية . على اساس هذا الواقع قامت  ادارة ريغان – شولتز على ابتكار سياسة لم تقم على التباهي بإنجازات الولايات المتحدة ، أو إذلال " امبراطورية السوفييت " .

 بل تبنى الأمريكان سياسة تقوم على الصبر الاستراتيجي و جعل السوفييت يسقطون بسبب عدم الكفاءة و عدم المصداقية مع الذات .

 نتيجة هذه الحكمة و الصبر الاستراتيجي تم احتواء الاتحاد السوفياتي . ادارة ترامب لم تكن لها استراتيجية ، لذا وقعت في مأزق خطير ما بين رغبات و طموحات الصهيونية لنتنياهو – كوشنير، التي تتبناها ادارة الرئيس ترامب ، التي قامت على اساسها حملته " الضغط الأقصى " ، ردا عليها جاء موقف المرشد على خامنئي " لا مفاوضات " مع الولايات المتحدة ، وهي لا تقل في حدتها عن " الضغط الأقصى " .

خروج احد الطرفين عن موقفه يبدو بمثابة هزيمة ، و صمود كل منهما على موقفه ، يعتبر مكسبا لكليهما .

 بالفعل مأزق وقع فيه ترامب ، خطط لهذا المأزق اليمين الصهيوني المتمثل في مستشار الأمن القومي الأمريكي جون بولتون و وزير الخارجية مايك بومبيو  وحلفائهم من اليمين الصهيوني ، الذين لن يتوقفوا حتى اشعال الصراع العسكري مع إيران . بدعم من إسرائيل وهو محور سياسة ترامب الإقليمية .

 إسرائيل جعلت الأقليم والعالم أقل أمنا وإستقرارا .

يتبنى هذا المحور موقف متشدد اتجاه إيران . يرى تغيير النظام الإيراني شرط مسبق للتوافق الاستراتيجي بين واشنطن و طهران . منهم بولتون الذي قال في كلمته امام مجاهدي خلق ، منظمة معارضة إيرانية ، قال بأنها " معارضة قابلة للحياة لـ ... آية الله " أي النظام البديل  . كذلك بومبيو عرض المحادثات مع طهران على ان تقبل 12 شرطا أمريكيا .

 الموقف الأمريكي المتشدد أعطى نتائج عكسية ، دفع قطاعات واسعة من الشعب الإيراني الى دعم القيادة والمرجعية الدينية .

 بهذه الغطرسة الامريكية تكون واشنطن قد قطعت كل السبل نحو أي تغيير في المستقبل لكن هناك آخرين في الادارة يقاومون هذا التوجه ، لكنه تيار ضعيف . حتى ترامب قال في احد المرات إنه يحتاج أحيانا الى كبح اندفاع بولتون .

 الرئيس ترامب خلال زيارته الى طوكيو أعطى تصريحات نفهم منها إنه لا يسعى للوقوع في مستنقع الصراع العسكري ضد طهران .

كان قرار عدم استخدام القوة العسكرية كرد على سقوط طائرة بدون طيار دليل على ذلك ، اعتبره الكثير قرار ايجابي . كما يقول مسؤول سابق في وزارة الخارجية الامريكية آرون ديفيد ميلر ان عدم استخدام القوة العسكرية كرد كأنها أو بأعتبارها  عملية " أرجاء " فقط للتصعيد العسكري الى المستقبل .

 لان ما يفرضه ترامب الان من عقوبات هي مؤثرة على إيران ، و يقول ميلر هذه هي المعركة الكبرى ، المعركة الاستراتيجية ، مع استمرارها تتحقق اهدافهم . اما اسقاط الطائرة فهذا شيئ بسيط بالمقارنه مع العقوبات .

ان ما نسمعه في وسائل الاعلام العربية و العالمية في الاغلب محرفة و مبالغ بها كثير . الهدف منه خلق ذريعة لمهاجمة إيران . إسرائيل لم تحسب الامور بشكل جيد . خطورة استخدام القوة و لو كانت من الضربات " الجراحية " ، ستكون كافية لاشعال حرب طويلة يمكن ان تدمر المصالح الامريكية في الخليج و تقوض الاستقرار السياسي الداخلي في المنطقة .

لا يستبعد ان تواجه الأدارة الامريكية مفاجآت من سلطنة عمان والعراق وقطر واليمن . رهان على الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل كما يقول المثل عشم إبليس في الجنة .

ترامب يتذكر جيدا تفجيرات المارينز في بيروت في 23 أكتوبر 1983 و اودى بحياة 299 جنديا أمريكيا و فرنسيا و هذا قبل 36 عام ، كيف الآن ، الاذرع متعددة ، صعب التحكم فيها . نبدأ بموضوع الازمة النووية الإيرانية :

في 14 يوليو 2015 في فيينا توصلت إيران و الدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن بالاضافة الى ألمانيا الى " خطة العمل الشامل المشترك " . الذي وضع حد لـ 12 عاما من أزمة دولية حول البرنامج النووي الإيراني .

 بموجب هذا الاتفاق ، تعهدت إيران بعدم السعي لحيازة القنبلة النووية ابدا و قبلت بفرض قيود مشددة على برنامجها النووي في مقابل رفع جزئي للعقوبات الدولية التي تخنق اقتصادها . كما وافقت على الخضوع لتفتيش غير مسبوق من قبل الوكالة الدولية للطاقة الذرية . لكن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أعلن سحب بلاده من الاتفاق في 8 مايو 2018 و أعاد فرض عقوبات اقتصادية التي حرمت إيران من المكاسب الاقتصادية التي كانت تتوقعها و دفعت اقتصادها نحو الانكماش .

بعد الانسحاب يبدو هذا الاتفاق مهددا بشكل خطير .

لكن الذي نستغرب له ان وسائل الاعلام العربية و العالمية انشغلت كثيرا بالازمة النووية الإيرانية و التحضير لضربات عسكرية ضد منشآتها النووية و حرب الشرق الأوسط المأساوية .

ونسيت تسليط الضوء على دور الولايات المتحدة المركزي في ولادة إيران النووية ؟ و لماذا عدائها اليوم ؟ الولايات المتحدة هي التي أهدت هذه المفاعل الصغيرة  وفق برنامج " الذرة من أجل السلام " الذي أعلنه الرئيس الأمريكي دوايت أيزنهاور ، لعميلها و عميل ذراعها اسرائيل ، شاه إيران محمد رضا بهلوي .

المدهش له لماذا لا تستلم المملكة العربية السعودية مثل هذه الهدية ، وهي حليف للولايات المتحدة .

 المهم نشطت هذه المفاعل بعد ان عين شاه إيران السيد أكبر اعتماد 1974 رئيسا لمنظمة الطاقة الذرية الإيرانية . و طلب منه الشاه حليف أمريكا و إسرائيل بوضع خطة لتطوير العمل بالمنظمة لتصبح برنامجا نوويا لإيران . بدأ السيد أكبر اعتماد بالمفاوضات لتنفيذ طموحات الشاه مع الشركات العاملة في مجال التكنولوجيا النووية في كل من الولايات المتحدة و أوروبا ، و وقع معها على عقود بالميليارات .

استمرت المفاوضات مع الولايات المتحدة لمدة اربع سنوات و تمحورت منذ البداية حول التحفظات التي أبدتها الولايات المتحدة .

 والشرط الذي فرضته الولايات المتحدة منذ البداية بأن تكون لهم السيطرة الكاملة على دورة الوقود النووي، وبمجرد أن اوشك الجانبان على الوصول الى الاتفاق أندلعت الثورة الإسلامية ، فتوقف المشروع بأكمله و اعتبره قادة الثورة مثالا على إهدار الشاه لثروات إيران في مشروعات لا طائل منها .

 لكن قيادة الجمهوريةالاسلامية تنبة فيما بعد لأهمية الطاقة الذرية الإيرانية . و سمحت بإعادة تشغيل البرنامج خلال الحرب الإيرانية العراقية . خضع البرنامج الإيراني لتوسع كبير بعد وفاة روح الله الخميني في عام 1989 .

 بدأ التعاون الإيراني – الروسي في هذا المجال ، هذا أغضب أمريكا و الغرب . ساهمة شركات روسية مثل Rosatom و atomenergoprom في تطوير البرنامج الإيراني . أكد السيد على خامنئي ان البرنامج النووي الإيراني هو لأغراض سلمية وأن مبادئ الجمهورية الاسلامية تمنعها من اللجوء الى استخدام الأسلحة النووية .

في نوفمبر 2011 أنتقدت الوكالة الدولية للطاقة الذرية الجمهورية الاسلامية . و رفعت تقريرا ،  خلصت فيه الى ان إيران على الأرجح قد أجرت البحوث و التجارب الرامية الى تطوير قدرات الأسلحة النووية قبل عام 2013 .

 و بعد ذلك بالغت وسائل الاعلام في هذا التقرير الذي رفضته إيران و اعتبرت الوكالة موالية للغرب و هددت بخفض تعاونها مع الوكالة الدولية .

 بعد ذلك  بدأت مسيرة المفاوضات حتى توصلت إيران و الدول 5 + 1 الى اتفاق في 14 يونيو 2015 في فيينا . وافقت إيران على هذا الاتفاق على ان يحقق لها حسب رأي الباحث في الشؤون الإيرانية في المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية كليمان تيرم ان طهران " تسعى قبل كل شيئ للحفاظ على المكسب الرئيسي من اتفاق فيينا " تفادي الانهيار الاقتصادي للبلاد دون التسبب بحرب .

 لكن اللوبي الأمريكي – الإسرائيلي  الصهيوني رفض هذه الاتفاقية بسبب مواقف الجمهورية الاسلامية منها .

 افتعلت إسرائيل هذا التوتر لإيران بيد أمريكية للضغط عليها حتى تغير طبيعة النظام الإيراني و يصبح متوافق مع استراتيجية واشنطن و إسرائيل . الا أن الجمهورية الاسلامية رفضت السير في الطريق الأمريكي – الإسرائيلي  الصهيوني . اما الاتفاق النووي المبرم مع إيران فكان جيدا لم تعترض عليه  أي دولة عدا الولايات المتحدة .

 لذا التوتر الحالي في منطقة الخليج كانت سببه الولايات المتحدة ، قد اشار الى هذا جينغ شوانغ ، المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية ان " السبب الأساسي للأزمة النووية الايرانية هو الضغط الشديد الذي مارسته الولايات المتحدة على إيران " .

  بعد ذلك جاء رد روحاني ان طهران ستزيد مخزونها من اليورانيوم المخصب اعتبارا من يوم الأحد 7 يوليو إذا لم يتم تخفيف العقوبات الاقتصادية التي فرضتها الولايات المتحدة الأمريكية عليها . اتفق بالكامل مع الاستاذ عبدالباري عطوان في رأي اليوم اللندنية حين كتب ان " إيران تملك القدرة و الخبرة على إنتاج قنبلة نووية في غضون عام .

 العالم يقف حاليا على حافة المواجهة العسكرية بين إيران والولايات المتحدة التي ستزداد احتمالاتها، فالدول الأوروبية لن تستطيع تلبية الشروط الإيرانية بتخفيف حدة العقوبات الاقتصادية قبل نهاية المهلة ، و لا نعتقد ان السلطات الإيرانية ستتراجع عن تهديداتها هذا الا إذا حدثت معجزة " .

في الأخير أرى الحل هو ما أعلنه أبو البرنامج النووي الإيراني و الأب الروحي له ، السيد أكبر اعتماد خلال المقابلة مع بي بي سي في 26 مارس 2013 ، إنه يشك في إمكانية قيام الولايات المتحدة و إسرائيل بشن هجوم على إيران ، فلا بديل كما أوضح في حديثه عن ضرورة الحل الدبلوماسي ، لتجنب مواجهة أزمة إقليمية طاحنة .