"اللجنة الخاصة" إدارة لمعالجة الأزمات أم لصنعها..

تحليل: هل التقى مشروعا السعودية وقطري في عاصمة الجنوب

الملك سلمان بن عبدالعزيز مع أمير قطر تميم بن حمد - ارشيف

عبدالخالق الحود

حاجة المملكة العربية السعودية لسلام دائم ؛ تتوازى اليوم وحاجتها لإلقاء عبئ حمل الحكومة الشرعية عن كاهلها وبأسرع وقت ممكن .. ولكن الى أين ؟
اللجنة السعودية الخاصة المشكّلة لإدارة الحرب في اليمن ؛تمكنت – بحسب مصادر - من أقناع القيادة السعودية بأن الحل السياسي في اليمن لن يكون ممكنا الا على حساب الجنوبيين ؛ باعتبار أن التسوية القادمة ووقائع الأرض قد فرضت الحوثيين كطرف فاعل شمالا .
تسوية تشمل " بحسب تسريبات " تعهدات دوليّة بضمان أمن المملكة وإلزام الحوثيين -عبر طهران- بعدم اطلاق صواريخ بالستية أو طائرات مسيرة باتجاه الأراضي السعودية ؛ كما تتضمن إنشاء منطقة عازلة بين السعودية واليمن بمساحة تقدّر ب 20 كلم داخل الأراضي اليمنية.


وإذا فالضغوط الدولية المتصاعدة مضاف إليها الابتزاز المعلن الذي تمارسه الولايات المتحدة على التحالف العربي وكلفة الحرب المالية أمور قادت جميعها الى حقيقة أنه قد حان الوقت بالفعل لأن تضع الحرب في اليمن أوزارها و لكن السؤال الكبير باق دون رد ومفاده " عن الكيفية التي يمكن على أساسها أن تتوقف عجله حرب تدور رحاها منذ خمس سنوات وخلفت عشرات الاف القتلى والجرحى بينهم مدنيون .

فالحوثيون - ومنذ بدء الحرب - ما فتئوا يطالبون بحوار مباشر مع السعودية يتجاوز الحكومة الشرعية برئاسة هادي باعتبار السعودية طرف يمكنه الالتزام بأي اتفاق أو نقاط التقاء سيتم التوصل إليها لاحقا برعاية أممية .
 المتحدث الرسمي باسم الحوثيين السيد " محمد عبد السلام " تلقى قبل عامين رسالة من الجانب السعودي حملها اليه وسيط ثالث ؛تضمنت الرسالة مؤشرات إيجابية باتجاه إمكانية بناء الثقة بين الطرفين إذا ما وافق الحوثيون على قطع العلاقة مع إيران وتسليم الأسلحة الثقيلة بينها الصواريخ البالستية

اتفاق مسيار

ومع كثافة الضغوط الدوليّة وبوادر إمكانية المضي في مسار سياسي وتفاوضي مفتوح ترشح الى الواجهة دائما إشكالية المستقبل السياسي للحكومة الشرعية الهشة وهي مسألة بالغة التعقيد وعبئ إضافي تحملته السعودية ولا زالت طوال سنوات عمر الحرب الخمس إلى أن تمكنت الدوحة مؤخرا من إيجاد خرق في موقف الحوثيين منها باعتبار أن وجودها – أي الحكومة الشرعية - هو الضامن الوحيد لبقاء الوحدة اليمنية ؛ وعلى أساس ذلك قبل الحوثيون التنسيق مع الشرعية بوساطة قطرية ؛ غير أن كل هذه الترتيبات المستقبلية لا يمكن تنفيذها على الأرض وضمان نجاحها بوجود المجلس الانتقالي صاحب التأييد الشعبي الكبير في الجنوب ؛ كما بقي التوجس السعودي حاضرا باتجاه أن لا يقوم الجانب اليمني ممثلا بالحوثيين بتنفيذ بنود أي اتفاق سيبرم معهم على قاعدة ان لا يجوع الذئب ولا يتضرر الراعي .
ولذلك فقد غضت المملكة الطرف عن تقديم حلفائها في الشرعية العون والدعم المادي للحوثيين مقابل اجتياحهم لمدينة الضالع وهو الأمر الذي كان من شأن نجاحه اضعاف المجلس الانتقالي وبالتالي المشروع الجنوبي ومطالبة الجنوبيين الدائمة باستعادة الدولة التي كانت قائمة على حدودها قبل قيام الوحدة عام 1990م .

فشل الحوثيون في اجتياح الضالع وتنبه المجلس الانتقالي الذي بقيت مصادر قوته حاضرة في عدن وشبوة وحضرموت "خلطا الأوراق وأعادا تراتبية الأحداث الى المربع الأول ملزما التحالف الحوثي الإخواني الجديد على الانتقال الى الخطة " ب " والمتمثلة بمحاولة التخلص من قيادات المجلس الانتقالي عبر هجوم معسكر الجلاء الأخير ومن ثم إحكام السيطرة على بلدة المحفد في آن وذلك بالاستفادة من تبادل المعلومات الاستخبارية بين الطرفين دفعة واحدة وفرض امر واقع جديد في عدن بل وكل الجنوب .

غموض

لاشك بأن غياب التخطيط الاستراتيجي السعودي داء تعانيه المملكة منذ سنوات عديدة ؛ غياب قادها الى خسارة نفوذها في كل من العراق ولبنان وسوريا لصالح عدوها اللدود إيران ؛ ويبدو تالياً أن هذا الغياب سيرافق نضرتها الى ترتيبات ومالات مستقبل الحرب في اليمن .

فالسعودية التي ترزح تحت ضغوط دولية متزايدة باتت اليوم بحاجة ماسة الى الخروج من الفخ اليمني بأسرع وقت ممكن ؛ سرعة قد تكلف المملكة أثمان فادحة خاصة إذا لم تتحسس خطوات سفيرها في اليمن والرامية الى تمكين الحكومة الشرعية على حساب الجنوبيين .

وكما يبدو فالمملكة لم تضع أيضا في حساباتها الآنية خطورة تفجير الوضع جنوبا وجره الى مجهول لن تتمكن من احتوائه وبالتالي ستكون نتائجه كارثية عليها وعلى رؤوس الجميع وسيؤدي في نهاية المطاف الى خروجها من اليمن خالية الوفاض .
ومن الجلي أيضا في ذلك السياق أن تلك الترتيبات السعودية سبقها تنسيق اعلامي بدت ملامحه واضحة في تغطية قنواتها الفضائية لمجريات سير الأحداث في عدن ومحيطها لصالح الإخوان المهيمنين على مفاصل الحكومة الشرعية وقرارتها وذهاب قناة الحدث السعودية حد استخدام مقاطع فيديو تظهر ناشطين جنوبيين يتعرضون للضرب من قبل قوات علي عبد الله صالح عام 2013 باعتبارها صور حديثة لباعة شماليين يتم الاعتداء عليهم من قبل قوات الحزام الأمني .

ومن هنا فالواضح أن تنظيم الإخوان المسلمين الذي يتمتع بنفوذ كبير في دوائر صنع القرار السعودي لن يتخلى عن حزب الإصلاح اليمني بسهولة وإن بدت الأمور ظاهرا تشي الى غير ذلك ؛ فالمملكة في نهاية المطاف ليست دولة مؤسسات بل دولة تتحكم في كثير من قراراتها المصيرية مراكز قوى ونفوذ مختلفة بينها قيادات محسوبة على تنظيم الإخوان المسلمين ؛وهو ما يفسر دعمها الكبير والمفتوح للجنرال علي محسن الأحمر على الرغم من خذلانه المتكرر لها في حربها مع الحوثيين من أكثر من 4 أعوام .

التقاء مشروعا الدوحة والرياض في عدن تم على الرغم من العداء المستفحل بين الدولتين و اتهام الأخيرة للأولى بالتآمر عليها ضمن حرب تحالف دعم الشرعية في اليمن .
فالدوحة تدعم بقوة الحكومة الشرعية التي يتحكم في مفاصلها وقراراتها حزب التجمع اليمني للإصلاح جناح الإخوان المسلمين في اليمن وكذلك الأمر ينطبق على شخصيات قوية ومؤثرة في القرار السعودي ترى بأن تمكين الحكومة الشرعية في الجنوب هو الحل الوحيد والممكن الذي سيخلصها منها وسيجعلها في حل من أي التزامات قادمة ؛ فيما تبقى ملفات إعادة الإعمار والتعويضات ومعالجة آثار الحرب مسائل مالية من السهل التعاطي معها سعوديا .

امتعاض اماراتي

تطابق نتائج التحقيقات مع المعلومات الخطيرة التي أفصح عنها اليوم نائب رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي في عدن الشيخ " هاني بن بريك " عن وجود مخطط كبير كان يستهدف تصفية قيادات المجلس الانتقالي الجنوبي العسكرية والسياسية وقيادات عسكرية إماراتية بصاروخ قال " أنه اطلق من موقع قريب من معسكر الجلاء في حي البريقا غرب عدن ؛ تبعه انتشار ألوية عسكرية تابعة للحكومة الشرعية بهدف السيطرة على مدينة عدن .
إذا فجميع تلك الوقائع تشير الى أن الرياض – كعادتها - لم تضع كما يبدو في عين اعتبارها على الإطلاق فشل سيناريو تمكينها الإخوان من السيطرة على مدينة عدن وما سيعنيه ذلك من خسارتها الموازية لغالب الجنوبيين وما سيترتب على ذلك لاحقا من منزلقات خطيرة تعتقد الرياض بإمكانية احتواء نتائجها والسيطرة عليها عبر دولة الإمارات العربية المتحدة .

تصعيد شعبي


وفي سياق تطورات الأحداث المتسارعة تبرز تساؤلات جوهرية عن الموقف الإماراتي مما يحدث في عدن ؟ فأبو ضبي كما تشير الوقائع والمعطيات لا يمكنها التخلي عن حلفائها الجنوبيين لأن النتيجة البديلة ستكون لامحالة وجود حكومة شرعية في معاشيق بعباءة اخوانية " كيبلها" الرئيس وامتداد خطوطها مربوطة مباشرة بالدوحة وإسطنبول مرورا بالعاصمة اليمنية صنعاء .
وبحسب مجريات الأحداث فمراهنة الرياض على إمكانية أبو ضبي كبح جماح المجلس الانتقالي وتقييد حركته لن يكون هذه المرة متاحا نضرا للنتائج والتداعيات الكبيرة التي تلت حادثة استشهاد قائد قوات الدعم والإسناد الجنوبية " منير اليافعي " المكنى بأبي اليمامة وعشرات من رفاقه سقطوا في ذلك الاستهداف بين قتيل وجريح .

تصعيد شعبي 


بدوره أدرك المجلس الانتقالي خطورة المرحلة وحصن تحركاته بذكاء عبر تحشيد جماهيري انطلق أول من الاحد على شكل اعتصام شعبي مفتوح في ساحة العروض بمدينة خور مكسر بعدن ؛ إجراء سيشكل – بحسب مراقبين ضغطا هائلا وفاعلا - على الحكومة الشرعية التي تعاني ابتداء ضعفا على كافة المستويات ؛ كما أن من شأن وجود اعتصام جماهيري جنوبي فتح الباب أمام جميع شرائح المجتمع الأخرى لمناصرته وبالتالي وضع كافة خصوم المجلس بما فيها الجناح السعودي المؤيد للإخوان أمام الجماهير وخياراتها المفتوحة التي لن يكون بمقدور أي كان الضغط عليها او توجيهها .
وتشير محاولة السيطرة على بلدة المحفد الواقعة شمال شرق محافظة أبين من قبل تنظيم القاعدة عشية مخطط تفجير الوضع في عدن بوضوح الى أن مصادر قوّة الإخوان جنوبا أضعف من إمكانية تحقيقها تغيير الوقائع على الأرض لصالحها؛ وتحركاتها الأخيرة هي كل ما بقي بجعبتها وأقصى ما يمكنها صنعه .