ضرورة رصد الأطباء علامات التمييز العرقي..

ضحايا العنصرية يتعرضون لمشكلات صحية حقيقية

ارشيفية

وكالات (لندن)

أشارت الأكاديمية الأميركية لطب الأطفال (AAP)، في أحدث تقرير بحثي شارك فيه آلاف من الأطباء، إلى أن التوجهات العنصرية خصوصاً المتعلقة بالعرق، تتسبب في مشكلات صحية حقيقية للأطفال الضحايا، وربما تتعدى المشكلات النفسية لتمهد لإصابتهم بأمراض عضوية. ونصحت الأكاديمية الأميركية أطباء الأطفال بضرورة عمل ما يشبه المسح لعلامات التمييز العرقي لمرضاهم والتعامل معه من خلال توفير الدعم النفسي لهؤلاء الأطفال ومحاولة حل مشكلاتهم وتوفير الحماية لهم.

توصيات طبية
وكانت الأكاديمية نشرت هذا التقرير في عدد شهر أغسطس (آب) من العام الحالي في مجلة طب الأطفال (the journal Pediatrics)، وشارك في كتابتها كثير من الأطباء. وهذه التوصيات شديدة الأهمية، خصوصاً في الوقت الراهن مع تصاعد التيارات السياسية الداعمة للعنصرية العرقية في العالم كله. وحسب دراسة حديثة تم إجراؤها على 2572 من الأطفال الذين ينتمون لأصول أفريقية في المدارس الثانوية بولاية لوس أنجليس بالولايات المتحدة في العام الدراسي 2016 - 2017، أعرب معظم الأطفال الذين شملتهم الدراسة عن قلقهم من تنامي الموجات العنصرية ضدهم، وتوترهم نتيجة لذلك. وأيضاً، أوضحت الدراسة أن الأطفال الأكثر توتراً هم الذين كانوا أكثر إقداماً على تجربة التدخين وتناول المخدرات والشراب.
وأوضحت الأكاديمية أن المواقف العنصرية ربما تحمل أثراً كبيراً يتعدى زمن حدوثها ويلازم الطفل بقية حياته، خصوصاً في المجتمعات التي ربما تكون العنصرية فيها أكثر وضوحاً، وأن القلق والتوتر المستمر يكونان عبئاً عضوياً على الجسم.
وهناك ما يعرف طبياً بوضع الاستعداد للمعركة، بمعنى أن الجسم يفرز مجموعة من الهرمونات؛ منها هرمون الكورتيزول أو هرمون القلق، تحفز الشخص كما لو كان مقدماً على الدخول في معركة، أو يهرب من خطر ما (Fight or Flight Response)، حيث تتسارع ضربات القلب وتتسع حدقة العين ويحتقن الوجه بشكل يجعله مستعداً، وبطبيعة الحال، فإن هذه الضغوط تكون مؤقتة، ولكن التعرض المزمن لها من خلال المضايقات المستمرة ينعكس على الصحة العضوية والنفسية بالسلب.
وأشارت الدراسات إلى أن تأثير العنصرية ربما يرافق الطفل منذ بداية تكوينه في رحم الأم، حيث أشار كثير من البيانات إلى زيادة معدلات الوفاة ونقص الوزن عند الولادة في الأمهات من أصل أفريقي اللاتي تعرضن لمضايقات عنصرية. وأوضحت الأكاديمية أن تأثير العنصرية يماثل الأمراض المزمنة الأخرى مثل البدانة ومرض السكري، وهو الأمر الذي تؤكده الإحصائيات، حيث إن نسبة الوفيات جراء الإصابة بأمراض القلب وارتفاع ضغط الدم تكون مرتفعة أكثر في الأميركيين من أصل أفريقي منها في ذوى البشرة البيضاء. وبالنسبة للأطفال تكون نسبة الحجز في المستشفيات جراء الإصابة بالأزمة الربوية للأطفال من أصل أفريقي 4 أضعاف نسبتها في أقرانهم من الأصول البيضاء.

رصد التمييز
وحذرت الأكاديمية من أن التعرض للعنصرية ربما يكون غير واضح بشكل ظاهر وممنهج، بمعنى أنه لا توجد هناك قوانين أو موانع معينة من الاختلاط، ولكن هناك كثيراً من الطرق غير المحسوسة التي يدركها الأطفال جيداً باستيعابهم الداخلي للأمور بداية من المعاملة غير المرحبة في الملعب أو الفناء المدرسي. وأيضاً يمكن أن يتم التأثير بشكل غير مباشر بمعنى أن الطفل أو المراهق يمكن أن يعاني من حادث عنف عام لم يتعرض له هو شخصياً ولكن شخصاً آخر مماثلاً له في العرق تعرض له، ويكون هذا العنف لمجرد انتمائه العرقي ما يشعره بأنه مهدد. وأكدت أن الفئات التي تعاني من العنصرية في الأغلب تعاني من مشكلات أخرى؛ أهمها تدني المستوى الاجتماعي الذي يكون مصحوباً بالتنمر من المحيطين والبيئة غير الآمنة.
وأشارت الدراسة إلى أنه من ضمن التحديات التي تواجه مكافحة العنصرية هي أنه ليست هناك آلية معينة لمعرفة التعرض للتمييز من عدمه باستثناء الخبرة الشخصية، ولذلك يصعب الربط الطبي بين الإصابة بمرض معين لطفل أو شخص بالغ من الأقليات وتعرضه للتمييز من عدمه. وجميع الدراسات تكون لرصد الظواهر فقط.
وعلى سبيل المثال، هناك دراسة رصدت تزايد حالات الولادة قبل الميعاد (preterm birth) والأطفال أقل من الوزن الطبيعي (low birth weight) في الأميركيين من أصول عربية بعد نحو 6 أشهر من هجمات 11 سبتمبر (أيلول) عام 2001، التي تعرض العرب على أثرها للمضايقات العرقية. وفي العام الماضي، تم نشر 1300 دراسة من أنحاء الولايات المتحدة كلها على تأثير التمييز ضد الآباء وانعكاسه على صحة الأبناء من المراهقين، حيث كانوا الأكثر عرضة لتجربة المواد المخدرة من أقرانهم الآخرين.
ونصحت الأكاديمية بضرورة مواجهة هذه الظاهرة من الجميع؛ سواء الحكومات أو الطاقم الطبي من خلال وضع التمييز سبباً أساسياً لاعتلال الصحة، وكذلك من الأسرة لتوفير الدعم النفسي للابن الذي يتعرض للعنصرية حتى لا تؤثر على الصحة النفسية للمراهقين، وبالتالي تؤثر عليهم كمواطنين، بمعنى أن الطفل في فترة مبكرة من حياته يفقد الثقة في قيم مثل العدالة والمساواة، وهو الأمر الذي يجعل منه شخصية غير سوية لاحقاً، فضلاً عن الأمراض النفسية التي يعاني منها مثل البارانويا (عقدة الاضطهاد). وكلما تمت معالجة الأمر في الطفولة كان ذلك أيسر، والأمر لا يقل أهمية عن نشر ثقافة الطعام الصحي وتوفير الملاعب الآمنة للأطفال والمراهقين.