بعد اجتياح عدن في 94..

تقرير: "نظام اليمن الشمالي".. كيف طمس منجزات دولة الجنوب؟

عمد المحتل الشمالي إلى تدمير مصانع الجنوب ومنشآتها الاقتصادية بمنهجية خبيثة

صالح علي
كاتب جنوبي يكتب باسم مستعار

شهدت المصانع والمنشآت الاقتصادية في العاصمة عدن وبقية محافظات الجنوب بعد اجتياح الغزو الشمالي للجنوب في حرب 1994 الظالمة، شهدت تدهورا وتدميرا ممنهجا وطمست معالمها في إطار مخططات تآمرية على كل منجزات دولة الجنوب من قبل النظام اليمني “الشمالي”.
لقد كان عمال الجنوب في “جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية” قبل الوحدة “المزيفة” يشكلون السواد الأعظم من جماهير شعب الجنوب، ويعملون في مختلف المؤسسات الاقتصادية والصناعية والمرافق الخدمية الحيوية بمختلف تخصصاتها، ويديرون عجلة الإنتاج في مصانع القطاع العام الذي كان سائداً وقائماً على أرضية صلبة.
هذه المؤسسات والمرافق التي كانت بعد عام 90م أي بعد قيام الوحدة المزيفة مستهدفة من قبل النظام اليمني “الشمالي” الذي وضع مخططاته منذ الوهلة الأولى لتدميرها ونهبها وطمسها كغيرها من المعالم التاريخية والأثرية التي طُمست وشُوهت منذ اجتياح الجنوب في عام 1994م تحت ما يسمى بعملية (الخصخصة).
وفي تقريرنا هذا سنسلط الضوء على هذا المخطط الذي تم تنفيذه بعناية وبحقد دفين لكل إنجازات دولة الجنوب (جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية) ، حيث شُكلت لجنة وزارية يرأسها نائب رئيس الوزراء في عام 1995م وتضم في عضويتها أكثر من 5 وزراء، كان همهم الأكبر هو القضاء على هذه المؤسسات ونهبها وتشريد العاملين فيها.


بداية تنفيذ المخطط

في أواخر العام 1994م صدر قرار مجلس الوزراء اليمني رقم (150) بشأن الخصخصة، وذلك على قاعدة إعادة النظر في الوظيفة الاقتصادية للدولة، وتحت هذه المبررات تسارعت الخطوات بشكل ملحوظ في تلك الفترة بهدف الإجهاز على المؤسسات الصناعية والاقتصادية في الجنوب، وتمت إجراءات عديدة لم تفلح في استكمال خصخصة المؤسسات الصناعية وفقاً لرغبات وأطماع أطراف متنفذة، بعد أن رست المزايدة للمرحلة الأولى من خصخصة المؤسسات الصناعية على تاجر جنوبي يدعى “مهدي بلخدر” وهو من أبناء شبوة ، الذي نجح بعد عملية فتح المظاريف من شراء سبعة مصانع، حيث كانت عطاءاته المقدمة بمبالغ تفوق بقية العطاءات بشكل كبير، ولكن تم التحايل على هذه العملية من قبل المتنفذين، حيث تم إلغاء قرار اللجان المختصة للخصخصة بإرساء المزايدة عليه، ولازال كثير من المراقبين والمتابعين والمتخصصين في المجال الصناعي يتذكرون تلك الواقعة، فتوقفت عملية الخصخصة لأشهر ثم عاودت اللجان المختصة عملها، ولكن هذه المرة لم يُتبع أسلوب “البيع بالمزاد ” وهو أحد الأساليب المتبعة عند الخصخصة، بل تم إقرار “تصفية” تلك المؤسسات الصناعية، وهو ما يؤكد أن الخصخصة لم يكن الغرض منها انتشال تلك المؤسسات من أوضاعها أو رفد الموازنة بالأموال جراء بيعها، بل كان الغرض هو ما آلت اليه اليوم من أوضاع وتحولها إلى أطلال ينعق فيها الغراب.
بعد ذلك تم إصدر القرار رقم (8) لعام 1995م (يناير) بشأن الإجراءات التنظيمية والتنفيذية لخصخصة وتصفية المؤسسات الصناعية، وبصدور هذين القرارين عقدت اللجنة الوزارية عدة اجتماعات متسارعة في عدن لترتيب امورها والاسراع في الإجهاز على المؤسسات الصناعية دون مراعاة أوضاع العمالة أو وضع حلول لمعالجة أوضاعها وضمان استمرارهم في وظائفهم.
وقد استندت لجنة الخصخصة في تصفية هذه المؤسسات على قانون ”تشطيري” ساري المفعول في الجنوب منذ العام 1979م، وهو قانون المؤسسات والشركات العامة، كغطاء قانوني لإتمام عملية التصفية، ذلك لأنه لم يكن يوجد في تلك الفترة (1994) قانون للخصخصة.

ومن المهم الإشارة إليه أن سياسة الخصخصة التي اتبعتها الدولة كانت - بحسب مراقبين ومحللين - محاولة من المتنفذين من البيوت التجارية الكبيرة في الشمال، الذين لا يتجاوز عددهم عدد أصابع اليد الواحدة، لإغلاق وإنهاء هذه المؤسسات الصناعية التي تعمل في نفس النشاط الصناعي لمصانعهم الخاصة التي يمتلكونها ويديرونها ويسوقون منتجاتها بعيداً عن مبدأ التنافس، هذا المبدأ الذي تأتي ثماره لصالح المستهلك، وحتى يتمكنوا من احتكار السوق، في الوقت الذي لا يوجد في اليمن - كبقية دول العالم - قانون لمنع الاحتكار، وهذا ما فتح شهيّة تلك البيوت التجارية.
ثم شُكلت بعد ذلك عدة لجان فرعية فنية وإدارية لحصر المصانع والمؤسسات وتقييم آلاتها ومعداتها ومنشآتها وغيرها من الأعمال التقييمية وذلك بغرض ذر الرماد على العيون لأن النوايا كانت مبيتة ولم يكن ما يدور سوى عبث وسيناريو معد سلفاً في صنعاء التي دفعتها نشوة النصر وغطرسة المتنفذين إلى مد يدها للعبث بمقدرات الجنوب وممتلكاته وثرواته وإقصاء الموظفين والعاملين وتشريدهم وقهرهم بإبعادهم عن وظائفهم قسراً.


مصانع ناجحة طُمست بحجة (الخصخصة)

بلغ عدد المصانع في الجنوب - وتحديداً في العاصمة عدن - إلى أكثر من 20 مصنعاً، جميعها كانت ناجحة في انتاجها الذي كان يفي بتغطية احتياجات السوق المحلية والبعض الآخر منها كان يتم تصدير منتجاته إلى بعض الدول المجاورة، وهذه المصانع هي: (مصنع البسكويت، مصنع الألبان، مصنع الغزل والنسيج، مصنع معجون الطماطم، مصنع الثورة للمنتوجات الحديدية، مصنع الأدوات الزراعية والمعدنية، مصنع الأحذية الجلدية، مصنع البطاريات السائلة، مصنع الجندي للبلاستيك، مصنع العطور، المخبز الشعبي، مصنع الشهداء للملابس، تعاونية الصناعات الجلدية، تعاونية المرأة للخياطة، مصنع الدباغة الوطني، مشروع مصنع الصابون، مصنع المعدن بالمعلا، مصنع صيرة للمشروبات، مصنع الزيوت النباتية، مصنع المشروبات الغازية، المؤسسة العامة للملح).. وهناك عدد من مصانع القطاع المختلط مثل: (مصنع الشباشب المطاطية، مصنع السجائر والكبريت، مصنع الطلاء والإملشن) وغيرها من المصانع.
وقد عملت اللجنة الوزارية على ابتكار كل وسائل التدمير لهذه المصانع ونهب محتوياتها ومخزوناتها بحجة إعادة مباني البعض منها لملاكها من القطاع الخاص بقرار تم إصداره خصيصاً من مجلس الوزراء والذي يقضي بإعادة المباني المؤممة لأصحابها، وما تبقى من المصانع وعددها (13) مصنعا خضعت للخصخصة وفقاً للسيناريو المعد سلفاً.

القيمة الفعلية لكل مصنع من المصانع المملوكة لدولة الجنوب عند الخصخصة:

وتنشر صحيفة "اليوم الثامن" ما قامت به لجنة فنية من المختصين بتقييم الآلات والمعدات والمباني والمنشآت وغيرها من المنتجات في المخازن وفقاً لأسس واتجاهات تم وضعها لهذا الغرض وكانت نتائج اعمالها كالتالي :
(1) مصنع الغزل والنسيج (سنة التأسيس 1971م):
المساحة : 84000 متر مربع.
قيمة المباني والمنشآت : 451.584.327 ريالا (بأسعار عام 1996م)
عدد العمالة في المصنع : 1375 عاملا وعاملة.
(2) مصنع أوسان للبسكويت + المخبز الآلي (سنة التأسيس 1988م) :
المساحة : 29148,5 متر مربع.
قيمة الآلات والمعدات : 457.968.910 ريالات (بأسعار عام 1996م)
قيمة المباني والمنشآت: 313.605.363 ريالا.
أصول متداولة (مخزون) : 5.748.743 ريالا.
عدد العمالة في المصنع : 166 عاملاً وعاملة.
(3) مصنع الألبان ( سنة التأسيس 1975م ):
المساحة : 17451 مترا مربعا.
قيمة الآلات والمعدات : 93.095.700 ريال (بأسعار عام 1996م)
قيمة المباني والمنشآت : 61.149.561 ريالا.
أصول متداولة : 501.904 ريالات.
عدد العمالة في المصنع : 124 عاملا وعاملة.
(4) مصنع الزيوت النباتية ( سنة التأسيس 1975م) :
المساحة : 44080 مترا مربعا.
قيمة الآلات والمعدات : 19.003.500 ريال (بأسعار عام 1996م)
قيمة المباني والمنشآت : 132.796.714 ريالا.
عدد العمالة في المصنع : 3 عمال (حراسة نظراً لعدم البدء بتشغيل المصنع).
(5) مصنع الثورة للمنتوجات الحديدية ( سنة التأسيس 1972م ) :
المساحة : 19110 متر مربع.
قيمة الآلات والمعدات : 78.311.500 ريال (بأسعار عام 1996م).
قيمة المباني والمنشآت : 132.796.714 ريالا.
أصول متداولة : 212.802.940 ريالا.
عدد العمالة في المصنع : 271 عاملا ً وعاملة.
(6) مصنع الأدوات الزراعية والمعدنية ( سنة التأسيس 1975م ):
المساحة: 26260 مترا مربعا.
قيمة الآلات والمعدات : 72.157.500 ريال (بأسعار عام 1996م).
قيمة المباني والمنشآت : 100.132.239 ريالا.
أصول متادولة : 3.247.693 ريالا.
عدد العمالة في المصنع : 96 عاملا وعاملة.
(7) مصنع الأحذية الجلدية (سنة التأسيس 1972م):
المساحة : 1151 مترا مربعا.
قيمة الآلات والمعدات : 29.996.650 ريالا (بأسعار عام 1996م).
أصول متداولة : 22.115.435 ريالا.
عدد العمالة في المصنع : 95 عاملاً وعاملة.
(8) مصنع الشهداء للملابس ( سنة التأسيس 1968م ):
المساحة : 1550 متر مربع
قيمة الآلات والمعدات : 8.922.954 ريال ( بأسعار عام 1996م )
أصول متداولة : 3.414.884 ريالا.
عدد العمالة في المصنع : 109 عمال وعاملات.
(9) المخبز الشعبي (سنة التأسيس 1975م):
المساحة : 4800 متر مربع.
قيمة الآلات والمعدات : 10.284.405 ريالات (بأسعار عام 1996م).
قيمة المباني والمنشآت : 43.050.930 ريالا.
أصول متداولة : 962.503 ريالات.
عدد العمالة :87 عاملا وعاملة.
(10) المؤسسة العامة للملح ( سنة التأسيس 1970م ):
المساحة : 600 هكتار وهي عبارة عن احواض للملح ( المملاح )
عدد العمالة : 133 عاملا وعاملة حتى نهاية العام 1994م.


نبذة تاريخية عن المؤسسة :

بإعتبار المؤسسة العامة للملح هي أحد أهم الصروح الإقتصادية والصناعية التاريخية للجنوب، ونظراً لما تتمتع المؤسسة العامة للملح من اراضي واسعة جداً تقدر بـ 600 هكتار وهي عبارة عن احواض للملح تربطها شبكة مائية عبر منافذ تفتح وتغلق لإدخال مياه البحر اليها ومن تجفيفه لإستخراج مادة الملح ، فإنه لابد ان نتطرق إلى تاريخ هذه المؤسسة، تاريخ هذه الصناعة العريقة، لذلك كانت هذه المؤسسة تحت اطماع المتنفذين في صنعاء وعلى رأسهم الرئيس المخلوع الذي تمكن هو وأبناؤه وأقرباؤه بعد حرب صيف 1994م من البسط على هذه الهكتارات التابعة للمؤسسة بما فيها المؤسسة وأصولها وممتلكاتها ليضمها إلى المؤسسة الاقتصادية العسكرية، تلك التي لا تعرف عن امورها المالية اي جهة ولا يمكن حتى لجهاز الرقابة والمحاسبة أن يتجرأ ليدخل إلى أصغر قسم فيها بغرض التفتيش على الجوانب المالية ، ولا حتى الهيئة العامة للفساد التي شكلها المخلوع مؤخراً لذر الرماد على العيون.
أدخلت صناعة استخراج الملح إلى مستعمرة عدن في بداية القرن المنصرم عام 1909م لتوفر اهم العوامل والشروط لإقامتها وبمستويات تفوق بكثير ماتتمتع به الملاحات المماثلة في البلدان المطلة على المحيط الهندي ، وازدهرت وتوسعت لتحتل مساحات واسعة من اراضي متثمرة انذاك ، حيث كانت توجد ثلاثة ملاحات وهي: (بريقة/فارسي، كالتكس، خورمكسر).
أنشئت المؤسسة العامة للملح في عام 1970م بموجب القانون رقم (4) وللقرار الجمهوري رقم (11) لعام 1970م ، واصبحت المؤسسة بموجبها مالكة لكل حقول الملح العاملة او المتوقفة في عدن ، وكانت الملاحات في عدن اساسً مملوكة لشركات أجنبية الا من بعض المحاجر الصغيرة التي كانت مملوكة بعض الافراد او العائلات.
قامت الدولة والمؤسسة خلال الفترة 73م ــ 1987م ببذل جهود كبيرة لتطوير هذه الصناعة الاستخراجية من خلال عدة مشاريع تطويرية وتحديث وإحلال لأصولها نوجزها في الآتي:
1) مشروع التطوير بالتعاون مع الحكومة الصينية :
تم تنفيذ هذا المشروع بموجب اتفاقية التعاون الفني والعلمي مع جمهورية الصين الشعبية خلال الفترة مابين 73م ــ 1976م وبكلفة إجمالية (463048 ديناراً) تم من خلاله اعادة تخطيط ملاحات خورمكسر وبناء قنوات المياة وتركيب مضخات وتوريد الات حصاد وطحن وبناء مباني لإدارة الانتاج والمطحن والصيانة وغيره.
2) مشروع تحديث اصول المؤسسة :
تم تنفيذ المشروع المذكور اعلاه خلال الفترة مابين 82م ــ 1986م وتم تمويله بقرض مصرفي وصل اجمال الانفاق فيه نحو ( 815656 ديناراً ) تم من خلاله العمل على ادخال الالات والمعدات التالية :
ـ شراء (5) صنادل حمولة (150) طن / صندل.
ـ شراء (5) سيارات نقل حمولة (5) طن / سيارة .
ـ شراء وحدة تعبئة اتوماتيكية مع احزمة نقل الى الصنادل بطاقة 60 طن / ساعة
ـ شراء آلة حصاد .
ـ مبنى حاهز لوحدة التعبئة الأتوماتيكية .
ـ غرافة ( كاتربيللر).
3) مشروع التطوير بالتعاون مع الحكومة البلغارية :
تم تنفيذ هذا المشروع ضمن اتفاقية التعاون الفني والعلمي مع جمهورية بلغاريا الشعبية خلال الفترة مابين 85م ــ 1987م وبقرض حكومي وبتكلفة اجمالية قدرها (4.072.567 دولار ) تم من خلال تنفيذ الآتي:
ـ أ ـ اعداد دراسة جدوى فنية / اقتصادية لتطوير المؤسسة العامة للملح بمبلغ ( 372567 دولار ) بهدف معرفة امكانية توسيع الانتاج ( 300 الف طن / عام ) بالاستفادة من ملاحات كالتكس .
ـ ب ـ العمل على تحديث واعادة ترميم احواض التبخر والتركيز والتبللور وقنوات المياه وبواباتها في ملاحات خورمكسر بمبلغ ( 2.500.000 دولار ) .
ـ جـ ـ شراء (5) صنادل حمولة الصندل الواحد 150 طن بمبلغ ( 1.200.000 دولار ).
وقد كانت الطقاة التصميمية للمؤسسة العامة للملح قبل الاتيلاء عليها تقدر بـ ( 150000) طن في العام.
بعد ان تمكنت اللجنة الوزارية من جمع اكبر قدر ممكن من الوثائق عن المصانع وحتى تتمكن من بدء تنفيذ مخططها بعيداً عن المختصين من الفنيين في اللجنة الفرعية ومكتب الصناعة بعدن ، تم صدور قرار من مجلس الوزراء بتشكيل المكتب الفني للخصخصة ومقره وزارة الصناعة بصنعاء ، وتم بذلك تحويل كافة الوثائق والملفات إلى هذا المكتب الذي كان يرأسه الدكتور ( يحيى المتوكل ) الذي عُين لاحقا بعد انتهاء الخصخصة وزيراً للصناعة والتجارة.

واتخذت اللجنة عدة اساليب ملتوية للخصخصة ولم تلتزم لما جاء بتوصيات اللجان الفرعية بعدن ، وغالبية هذه المصانع جعلت منها اللجنة الوزارية اشبه بأطلال بغرض نهب اراضيها ، كمصنع الالبان ومصنع صيرة للمشروبات ومصنع الادوات الزراعية ومصنع الغزل والنسيج ومصنع البسكويت ومصنع الطماطم.
وبذلك يكون النظام اليمن الشمالي “الغازي” قد اجهز على القطاع العام يسانده في هذه المهمة بعض التجار الشماليين الكبار في القطاع الخاص الذين وجدوا في بداية الوحدة ان منتجاتهم السلعية غير قادرة على التنافس مع جودة منتجات القطاع العام بالجنوب وتحديداً منتجات مصنع البسكويت ومصنع الالبان ومشتقاته ومصنع الطلاء والاملشن ومصنع المنتوجات الحديدية في الوقت الذي كان يتوجب على الدولة ان تعمل على عدم الإحتكار للمنتوجات من السلع كسائر دول العالم التي تعمل على سن قوانين خاصة لمنع الاحتكار خدمة للمواطنين ، وللحد من جشع التجار ورجال الاعمال ، وهم هنا في اليمن كثر ويتواجدون في مراكز القرار.

وبحسب الإحصائيات التي توصلت إليها اللجان الفرعية في عملها الميداني والمكتبي خلال تلك الفترة، فقد بلغ عدد العاملين والعاملات في المؤسسات التي تم خصخصتها وتصفيتها وإحلالها نحو 6000 عامل وعاملة فقط في قطاع الصناعة بمحافظة عدن، تم إقصاؤهم وتشريدهم وتوقيف رواتبهم أو تحويل البعض منهم إلى صندوق الخدمة الذي لم يكن له رصيد، فقد ذهبت كل الأموال إلى جيوب المتنفذين ودمرت المصانع وطمست وأصبحت أثراً بعد عين.
لكن عملية النهب للمؤسسة العامة للملح كانت أبشع جريمة يرتكبها نظام صنعاء ضد منشآت الجنوب، حيث تم تحويل ملكية هذه المؤسسة - بأراضيها الواسعة وأحواضها التي تبلغ مساحتها بالهكتارات والتي يسميها أبناء الجنوب بـ (المملاح) - إلى المؤسسة الاقتصادية العسكرية التابعة للرئيس المخلوع علي صالح وأبنائه وأحفاده وأقربائه بقرار فردي غير قانوني.
لم تكن عملية الخصخصة سوى أكذوبة الهدف الرئيسي من هذه الأكذوبة هو طمس إنجازات دولة الجنوب ونهب الثروات والممتلكات ومقدرات شعب الجنوب، وإقصاء الموظفين والعالمين وتشريدهم.


مصفاة عدن

منذ أن أنشأت المصفاة وافتتح العمل فيها رسمياً في العام 1954م من قبل شركة الزيت البريطانية المحدودة (BP)، وحتى بعد أن آلت ملكيته في مايو 1977 إلى الدولة (جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية) لم تنطفئ تلك الشعلة التي كانت رمزاً لهذا المصفاة، بل ولمدينة البريقة ولعدن بشكل عام، وقد ساد بين المواطنين أن انطفاءها يعني توقف عجلة الإنتاج في هذا الصرح الاقتصادي الضخم، وأن استمرار توهجها يعطي شهادة بكفاءة إدارتها والعاملين فيها، الذين كانوا يعملون على تشغيلها وفقاً لنظام دقيق يُوضع من قبل خبراء محليين وأجانب في مجال النفط وتكريره.

استمر العمل في المصفاة على هذا النحو المتميز الذي عرفت به منذ إنشائها (عام 1977م) حتى العام 1989م، لتكون الفترة ما بعد ذلك وحتى العام 93م فترة وصفها الكثيرون ممن عملوا في المصفاة بأنها فترة "تراخي وانحسار وتراجع" ودخول برامج وإجراءات جديدة غير معلنة الهدف منها السيطرة عليها ومحاولة ثنيها عن مواصلة توهجها الناجح وإفشال تقدمها وتطويرها وتوسيعها، أو على أقل تقدير استمرارها بوضعها الحالي الذي كان متميزاً للغاية.. لكن تلك المحاولات باءت بالفشل في بداية الأمر لأن العاملين في المصفاة - وجميعهم كانوا من أبناء الجنوب وقبلهم عمل في المنشاة آباؤهم منذ إنشائها - وقفوا سداً منيعاً ضد كل تلك المحاولات وعملوا بجد وإخلاص للحفاظ على هذا الصرح الاقتصادي العظيم بكل الوسائل القانونية المتاحة، وسعوا بكل حزم وحنكة وبذلوا جهود جبارة لإبقاء شعلة المصفاة متقدة ومتوهجة.

جاء العام 1994م واجتاحت جحافل صنعاء العاصمة الجنوبية عدن، وتعرضت المصفاة بعد ذلك وحتى يومنا هذا لأبشع أنواع الأعمال التخريبية الممنهجة، بدءاً من العبث بالجوانب التنظيمية والإدارية والفنية التي أثرت سلباً على مستوى الأداء والتشغيل، وافتقرت الإدارة إلى تلك البرامج الخاصة بالصيانة والتي أهملت بشكل متعمد، وتراجعت مستويات الإنتاج فيها، وتناقصت آلات التشغيل والمعدات وقطع الغيار والمواد المختبرية، وافتقرت المصفاة - مؤخراً - للكفاءات الإدارية والفنية في كل الأقسام، وتفاقمت المشكلات فيما بين الإدارة والعاملين فيها، وبدأ مؤشر العجز المالي للمصفاة يدق ناقوس الخطر، فخفت وهج الشعلة رويداً رويداً حتى انطفأت كلياً لفترة تصل إلى عام كامل وذلك في عام 2011م، العام الذي شهدت فيه المصفاة "اعوجاجاً" في قيادته لازال يعصف بهذه المنشأة حتى يومنا هذا، الأمر الذي حدا بالعاملين فيها - بصورة جماعية - إلى إطلاق نداءات استغاثة لإنقاذ ما تبقى من هذا الصرح الاقتصادي العظيم الذي ينهار يوما بعد يوم في ظل الفساد الإداري والمالي المستفحل فيه، وطالبوا بضرورة التدخل السريع وحل مشاكل المصفاة وإنقاذها من سرطان الفساد والإهمال الذي يفتك بها يوميا.